الجمهورية: دمشق تصعد في لبنان والجيش يُوجّه إنذاراً أخيراً في طرابلس

تزاحمت الأحداث والمواقف بشكل لافت: تشديد رئيس الجمهورية ميشال سليمان على ضرورة إصدار «السلطات القضائيّة الإستنابات في موضوع الخطف
وتحرك السلطات الأمنيّة بغية تحرير المخطوفين، توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري «نداء للعقل في لحظة الجنون مؤكدا فيه أن «لا حاضن للجميع سوى الدولة رغم القصور والتقصير، تأكيد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن هناك أطرافا عديدة ترغب في توريط لبنان في النيران المشتعلة حوله، إعلان دمشق عن «إعداد مذكرات ملاحقة بحق شخصيات ونواب لبنانيين بتهمة دعم «المجموعات المسلحة، تجدد الاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن، رفض الجيش «أي وساطة لفك الطوق عن منزل رئيس «الحزب العربي الديمقراطي
رفعت عيد قبل وقف التحريض بإطلاق النار، وموجها «انذارا أخيرا بأن الجيش لن يتوانى عن دهم أي مسؤول والقبض عليه لمنع إراقة الدماء

وما يمكن استخلاصه من أحداث طرابلس والمذكّرات السورية الموعودة أنّ دمشق تصعّد أمنيّاً وسياسيّاً ردّاً على توقيف الوزير السابق ميشال سماحة ومواقف رئيس الجمهورية الأخيرة، وأبرزها أنّه ينتظر اتّصالاً من الأسد لتوضيح ما نُسب إلى رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك من اتّهامات بإدخال عبوات ناسفة إلى الأراضي اللبنانية، فيما الرؤساء الثلاثة يعبّرون عن استنكارهم لحالة الفوضى التي وصل إليها لبنان، هذا الاستنكار الذي يظهر عجز المؤسّسات اللبنانية عن مواجهة حالة الأمر الواقع القائمة التي تحظى برعاية ودعم وغطاء سوريا و"حزب الله" وإلّا لتمكّنت الدولة من لجم الفلتان المستشري والخطف المتعاظم، وقد جاء انتقاد الحزب الواضح لرئيس الجمهورية عبر قناته الإعلامية "المنار" ليؤكّد على توجّه الضاحية ودمشق التصعيدي، حيث جاء في مقدّمة نشرتها الإخبارية: "ذهب رئيس الجمهورية مذهب التشدّد مع خاطفي رعايا سوريّين وأتراك لمبادلتهم بالمخطوفين اللبنانيّين، واصفاً عملهم بأنّه استفزاز وتحدٍّ للدولة. بيان الرئيس الذي لم يسمّ حالات الخطف على الهويّة، ونصب الحواجز المسلّحة في عكّار وإهانة العسكريّين قبل أسابيع، لقي ترحيباً من رئيس القوّات سمير جعجع".

حركة اتّصالات واسعة

وتكشّفت لـ"الجمهورية" معلومات مستفيضة عن حركة الاتصالات التي شهدتها البلاد في الساعات القليلة الماضية التي أعقبت ورافقت عطلة عيد الفطر، وفي طليعتها الاتصال المطوّل الذي أجراه رئيس الحكومة برئيس الجمهورية قبل أن يغادر لبنان ليمضي عطلة عيد الفطر في أجواء عائلية. وقد شكّل هذا الاتصال مناسبة ليفرغ ميقاتي ما لديه، معتبراً أنّ كلّ ما جرى ويجري على الساحة اللبنانية من أعمال خطف وفوضى شملت طريق المطار، وما رافقها من تهديدات طالت كلّ المسؤولين والدول الخليجية، جاءت ردّاً على القرارات والمواقف الأخيرة التي رافقت توقيف سماحة والادّعاء عليه وعلى المملوك وانضمام لبنان إلى الإجماع العربي والإسلامي لتجميد عضوية سوريا في منظمة المؤتمر الإسلامي.

وعلمت "الجمهورية" أنّ ميقاتي أبلغَ إلى سليمان بالكثير من الصراحة ما لديه، واضعاً استقالة الحكومة على بساط البحث، على أن تكون مادة نقاش واسعة يشارك فيها رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي كي لا تكون قفزة في المجهول أو الفراغ الذي يخشاه الجميع، خصوصاً أنّه وفي حال التوافق يمكن أن تكون خشبة النجاة من مرحلة إلى أخرى متى توفّر الإجماع الوطني حولها بهدف الخروج من المأزق الذي وقعت فيه البلاد، لا بل استُدرِجت إليه بأيادٍ متعدّدة المصادر والأهداف ولمروحة من المصالح الخارجية التي لا يوجد مكان فيها للمصلحة اللبنانية.

وفي معلومات متقاطعة عُلم أنّ ميقاتي أبلغ "حزب الله" رسميّاً أنّه لا يستطيع تغطية ولا تحمّل ما صدر من أفعال وأعمال من آل المقداد، ولا تكرار قطع طريق المطار، وإذا استمرّت هذه الحالات فإنّه سيقدّم استقالته.

ومن الواضح أن مواقف ميقاتي التي أبلغها لرئيس الجمهورية وحزب الله وتقصد تعميمها في الإعلام لا تخرج عن سياق المناورات المكشوفة التي يقوم بها لحفظ ماء وجهه حيال الدول الغربية والخليجية والبيئة السنية في لبنان، فيما باستطاعته لو كان يعي فعلا خطورة المرحلة وعجز حكومته عن مواجهة الفلتان والخطف والفوضى أن يقدم استقالته ليضع الحزب أمام مسؤولياته في إيصاله الأوضاع إلى حافة الهاوية، وبالتالي الدفع نحو تشكيل حكومة انقاذية تفضح المتآمرين وتضع حدا لهذا الانزلاق الأعمى باتجاه تفكك بنيان الدولة اللبنانية.

وفي جانب آخر من حركة الاتّصالات قالت مصادر واسعة الاطّلاع إنّ الاتّصال بين سليمان وبرّي كان مطوّلاً وتطرّق إلى مختلف التطوّرات على الساحة اللبنانية بدءاً بعمليات الخطف وصولاً إلى ما يعني القرارات الأمنية والقضائية التي اتّخذت وكان رئيس الجمهورية واضحاً في إشارته إلى المخاوف التي اعترته أثناء مواكبته لنشرات الأخبار حول وجود "من يهدّد بالخطف، ويفرج عمّن يريد ويهدّد من يريد ويوجّه التهديدات إلى هذه الدولة أو تلك وإلى هذا الزعيم أو ذاك مباشرة على الهواء" وكأنّه ليس في البلاد أجهزة أمنية وقضائية وحكومية أو أيّ مرجع آخر.

وعلى الخط الآخر كان الرئيس برّي واضحاً في رفع الغطاء السياسي والحزبي عن كلّ مخالف مهما علا شأنه، ومشدّداً أنّه يشارك سليمان القلق والمخاوف على المستقبل وما يمكن أن تقود إليه الأوضاع مترجماً الكثير من مخاوفه في البيان الذي أصدره بعد ظهر أمس لملاقاة الرئيس في نصف الطريق.

وتناول الحديث أيضاً موقف "حزب الله"، فعبّر الرئيس برّي عن استياء الحزب داعياً إلى تفهّم الصرخة التي وجّهها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله عن انفلات الشارع، ولاقاه سليمان بالتذكير بكلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على طاولة الحوار الذي شكا من تقصير الدولة في بعض المناطق "تاركين العبء على حزب الله للتصدّي لبعض المظاهر الخطيرة".

وأجرى رئيس الجمهورية اتصالات عدة أيضا شملت وزير الدفاع فايز غصن، وزير العدل شكيب قرطباوي، وزير الإعلام وليد الداعوق والداخلية مروان شربل، مشدّداً على ضرورة تطبيق القرارات التي اتّخذتها الحكومة في مناسبات عدة، ولا سيما ما يتّصل منها بـ"إصدار الاستنابات القضائية" ودعوة "القوى الأمنية إلى توقيف الخاطفين والعمل للإفراج عن المخطوفين السوريّين والأتراك".

واستكمالاً لهذه الاتصالات، تواصلَ سليمان مع قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات العميد ادمون فاضل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، حيث طلب من الجميع الضرب بيد من حديد في مناطق التوتّر في طرابلس كما على طريق المطار، وتنفيذ القرارات السابقة التي أعطت الجيش غطاء سياسياً نهائياً لا رجوع عنه، وهو ما أكّدته قرارات مجلس الوزراء وما أوحت به المناقشات على طاولة الحوار.

وفي سياق متصل سألت مصادر أمنية "لماذا لم تتحرّك الحكومة حتى الآن لتوفير الغطاء السياسي للنيابة العامة لإصدار استنابات قضائية لكي تترك الأجهزة الأمنية والعسكرية لتوقيف الخاطفين والناطقين باسمهم بعد الأضرار الكبيرة التي ألحقوها بالدولة وصورتها وهيبتها ومصالح البلد والمواطنين".

لجنة الأزمة

وفي هذه الأجواء، إلتقى أمس وزير الداخلية والسفير التركي أنان أوزيليدز قبل أن تعقد لجنة الأزمة الوزارية المكلّفة معالجة ملف المخطوفين اجتماعها الثاني في وزارة الداخلية بعد الظهر.

وبعد العرض الذي قدّمه شربل عن زيارته واللواء عباس ابراهيم إلى تركيا وحصيلة لقاءاته تناول مضمون لقائه والسفير التركي قبل الظهر قدّم وزير الخارجية تقريراً عن اتّصالاته التي تولّاها بالجانب السوري والمخارج المحتملة وما يعيق الوصول إلى النتائج المرجوة والعقبات التي تحول دون ذلك في المدى المنظور والمدى الأبعد.

وقال وزير الداخلية لـ"الجمهورية" إنّ اللقاء شكّل مناسبة للتداول في كلّ ما تحقّق إلى اليوم وما يمكننا القيام به. لافتاً إلى أهمية أن تتضافر كلّ الجهود لحلّ هذه الأزمة بما يتوافق ومصلحة اللبنانيين.

وقال عن موعد عودته إلى تركيا: لا تستعجلوا الخطوات فالزيارة لن تكون سرّية وستكون علنيّة.

وعن الاتّصالات الجارية بشأن المخطوفين التركيين قال شربل: أُتركوا لنا بعض المعالجات التي تجري بسرية. فالسرية مطلوبة في الكثير من الخطوات وليس كل شيء في العلن، ولن أزيد أكثر.

حمادة لـ"الجمهورية"

وقال النائب مروان حمادة لـ"الجمهورية" إنّ محاولة الضغط على لبنان وتفجير أوضاعه لم تتوقف منذ أن بدأ النظام السوري يواجه مصيره المحتوم، أي السقوط. ومع سقوطه، يسعى هذا النظام إلى دفع جيرانه نحو مصير أسود مركّزاً على لبنان كالعادة في ترداد لما عشناه على مدى عقود طويلة.

لا التفجيرات في لبنان جديدة، ولا الخطف ـ رحم الله سليم اللوزي ـ جديد، ولا الاغتيال الذي أصبح سمة لأزمة لعهدي آل الأسد، هي جديدة. والحملة التي نشهد اليوم والتي تستهدف لبنان من رئاسة جمهوريته الى آخر أزقّته، مرشّحة للأسف للاستمرار وربّما للتصعيد.

أضاف: "فردّاً على اعتقال ميشال سماحة بالجرم المشهود يعمل النظام السوري على إيصال ردود متتالية، من ابتكار مآثر آل المقداد الذين لا علاقة لهم بالتأكيد بعائلة المقداد الكريمة، إلى معاودة تفجير الأوضاع في طرابلس إلى تكرار الاستنابات القضائية التي لا قيمة لها ولا أثر، وهي مردودة أصلاً كسابقاتها إلى مرسلها.

وأكّد حمادة أنّ مذكرات التوقيف السورية الموعودة سبقتها في سلة المهملات عشرات المذكرات التي نتشرّف بأن استهدفت خيرة شخصيات هذا البلد والتي تحوّلت أضحوكة لدى كل المراجع القضائية والأمنية لبنانياً وعربياً ودولياً. فليسأل بشار الأسد الإنتربول قبل أن يسطّر مَن يسمّى بمدّعيه العام لمذكّرات جديدة، إذ إنّ المذكرة الوحيدة التي ستنفّذ يوماً، هي في حقّه وحقّ أعوانه الذين سيُرسلون حتماً أمام محكمة الجزاء الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

جبهة طرابلس

في هذا الوقت، تلاحقت الاجتماعات واللقاءات لوضع حد سريع لما يجري في طرابلس، لكن كلّ الاتصالات فشلت في احتواء الوضع المتفجّر، واستمرّت الاشتباكات على محور باب التبّانة ـ جبل محسن حتى مساء أمس.

وفي معلومات لـ"الجمهورية"، إنّ عيد دأب على تحريض جماعته لضرب آليات الجيش اللبناني لاتّهام جماعة باب التبّانة بالقيام بهذا العمل، ووصلت معلومات بهذا المعنى إلى الجيش، فصدرت الأوامر فوراً بتطويق منزل عيد، والقبض عليه إذا استمرّ بالتحريض.

فتحرّكت قوّة من الجيش وطوّقت المنزل، مُبقية على جهوزيتها الكاملة لدهمه وتوقيف صاحبه إذا استمرّ في نهجه التحريضي.

وعلى الأثر بدأ عيد الاتّصال بمخابرات الجيش وبنوّاب وبفاعليات من قوى 8 آذار لفكّ الطوق عن منزله، ورفض الجيش أيّ وساطة قبل أن يتوقف التحريض بإطلاق النار. وأعطى إنذاراً أخيراً بأنّ أيّ تحريض أو إطلاق نار من أيّ فريق كان، سيتمّ دهم منزل أيّ مسؤول والقبض عليه لمنع إراقة الدماء وخلق الفتن المذهبية.

الأزمة السورية

وعلى الجبهة السورية التي ظلت مشتعلة، في موازاة التشديد الأميركي على أنّ "السلام لن يتحقّق من دون تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد"، برز تحذير روسي ـ صيني للغرب من اتّخاذ أيّ إجراء من جانب واحد ضدّ سوريا.

في هذا الوقت، أعلن نائب رئيس الحكومة السورية قدري جميل من موسكو أنّ سوريا مستعدة لمناقشة استقالة محتملة للأسد في إطار مفاوضات مع المعارضة.

وقال في مؤتمر صحافي عقده في ختام لقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "خلال عملية المفاوضات يمكن دراسة كلّ المسائل، ونحن مستعدّون حتى لدراسة هذه المسألة".

لكنّه اعتبر أنّ فكرة "الاستقالة كشرط لإجراء حوار تعني أنّه من المستحيل البدء بهذا الحوار".

ولكنّ وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن شكوك كبيرة في احتمال إجراء مشاورات حول استقالة الرئيس السوري. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند "أطلعنا على المعلومات حول المؤتمر الصحافي الذي عقده نائب رئيس الوزراء السوري. بصراحة، لم نرَ فيه أيّ جديد استثنائي".

وكرّرت نولاند أنّ "الحكومة السورية تعلم ما عليها القيام به والحكومة الروسية انضمّت إلينا في جنيف (في نهاية حزيران الفائت) لوضع خطة انتقال (سياسي) بالغة الوضوح".

وأضافت "هذه المشاورات (بين دمشق وموسكو) كانت إذاً فرصة للروس ليشجّعوا نظام الأسد على البدء بالتزام خطّة الانتقال هذه، من دون الحاجة إلى القيام بمناورات كتلك التي بدا أنّ نائب رئيس الوزراء السوري يقوم بها".

في المقابل، طالب رئيس المجلس الوطني السوري المعارض عبد الباسط سيدا المجتمع الدولي بالتدخّل في سوريا بشكل عاجل، خارج نطاق الأمم المتحدة. وقال سيدا في ختام لقاء لوفد من المجلس الوطني مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصر الاليزيه: "نجري مشاورات معمّقة مع مختلف المكوّنات السورية بشأن تشكيل حكومة انتقالية"، مضيفًا: "نحن نعمل جادين للإعلان سريعاً عن هذه الحكومة بعد الانتهاء من المشاورات".

في هذا الوقت، أعلنت تركيا أنّها تنتظر "تدخّلاً إيجابياً للأمم المتحدة، وموقفاً إيجابياً من الجارة والصديقة روسيا، لإيقاف المأساة الإنسانية الحاصلة في سوريا".ولم يشأ وزير الخارجية احمد داوود أوغلو اعتبار "الأحداث في سوريا أزمة داخلية أو إقليمية، بل يمكن توصيفها بالأزمة الدولية التي تُهدّد دول الجوار".  

السابق
الاخبار: بري: رفضت إقفال طريق المطار كما اقتحام السرايا
التالي
الشرق: لماذا يشعلون طرابلس؟