فنّ الإجازة… هل يتقنه اللبناني؟

أن يفكّر اللبناني بإجازةٍ أمرٌ مهم، ولكن أن يجد نفسه قادراً على استثمار تلك الإجازة فهنا بيت القصيد. أما الأهمّ مما سبق فأن يعرف كيف يتحايل على ظروفه وإمكاناته كي لا تُدخِله الضائقة المعيشيّة نفق رتابةٍ لا نهاية له. فالى أيّ مدى يتقن اللبناني المتحايل على دولته وقوانينه وذاته فنّ الإجازة؟

في الحالات والأنظمة "الطبيعية" الإجازة حقٌّ ولكن في لبنان تتحوّل الى فنٍّ يخترع له اللبناني مئات الصيغ و"التفنكات" تحت مسمّى واحد: الإجازة حتى لو في الشارع. أين يمضي اللبنانيون إجازاتهم؟ وما هي سبل تحايلهم على جيوبهم المنكمشة؟

إجازاتٌ غير مكلفة
بعضهم لا يعرف معنى الإجازة عازيًا ذلك الى سببيْن جوهريَّيْن: أولاً ضغوط العمل اليومية التي تحول دون أن يتذوق الكثيرون طعم العطلة مع العائلة ولو ليوم واحد كامل. وثانيًا الهموم المتثاقلة على كاهل أرباب الأسر والتي تمنع الكثيرين منهم ماديًا ومعنويًا من الاستمتاع بإجازةٍ بالمعنى الكامل للكلمة. أما "العيّيشون" فيجدون ألف حيلة وحيلة ليضفوا الى يومياتهم عنصراً جديداً. هي حال هاني، ربّ الأسرة وموظف الدولة الذي غالبًا ما يحرص على استغلال يومي السبت والأحد مع عائلته. يرضخ الرجل لواقع أن "موظف الدولة معاشو عقدّو" فيمدّ رجليْه على قدر بساطه، وغالبًا ما يتّجه الى إجازاتٍ غير مكلفةٍ من قبيل نزهاتٍ نحو الجبال.

السفر موجع
قلّة من اللبنانيين تبحث في إجازتها عن الخروج من البلد ليس بسبب عدم عشق اللبنانيين للسفر بل لأن الواقع الاقتصادي يفرض عليهم توفير متعة 5 أيام في إحدى الدول قد تكلفهم جنى ثلاثة أشهر أو أكثر من دون أن يعرفوا ما ينتظرهم في المستقبل القريب. ففي معادلةٍ بسيطة لما تكلفه رحلة سفر خاطفةٍ الى إحدى دول أوروبا يتضح التالي: أيُّ عائلة من أربعة أفراد ستتكبّد قرابة 3 آلاف دولار قيمة تذاكر السفر ولا نتحدث هنا عن مواسم الذروة كما لم تحسب تلك العائلة حساباً بعد لما ستنفقه في وجهتها الإجازية، وفي النتيجة تعلم الأسرة أنها لن تخرج من أيّ إجازةٍ بعيدة من نطاق البلد بأقل من 5 آلاف دولار، وهو مبلغٌ يمكن أن تعيش منه أكثر من عائلة لبنانيّة شهراً كاملاً بلا عمل.

الخيار الأسهل
أما من لا يضعون السفر نصب عيونهم فغالبًا ما يؤثرون تكرار خياراتٍ بديهيّة يلجأ اليها معظم اللبنانيين: "بروح أنا والعيلة عالبحر" يقول زياد. ولمن لا يعشقون البحر إليكم هذه الوصفة: "المول ثم المطعم ثم البيت. أحلى شي القعدة والغدا مع الولاد بشي مطعم مرّة بالجمعة ومنرجع عالبيت ومنحضر فيلم. أحلى شي عندي لعّب الولاد ويتغنّجوا عليّي كلّ النهار" يقول ميلاد.

إخترعاتٌ وتفنّن
تعكس الهموم التي تُلقى يوميًا على كاهل اللبناني والضغوط التي يعايشُها حاجته الفعلية الى إجازةٍ تنسي عينيْه ما تشاهدانه يوميًا من فوضى، إلا أن اتساع رقعة الهموم وعدم إعفائها زاوية واحدةً من لبنان يحولان دون ذلك ولكن ليس لوقتٍ طويل… فاللبناني أبو الاختراعات و"التفنن" والتحايل قادرٌ على ابتكار إجازته الخاصة، ومتى ضاقت به السبل وغدرته الظروف الاقتصادية لا يمانع في قضاء إجازته في منزله طالما أن الهواتف العملية لن تنهمر على رأسه أقله لساعات.

تسقط… تحيا
إذا، ورغم مراهنة الكثيرين على مخاصمة الإجازة للبنانيين تحت ثقل الضغوط السياسيّة والأمنية التي تصل به حدّ "القرف" من كلّ شيء، تبقى الإجازة سراً مقدّسًا يحتاجها اللبناني أكثر من أيّ شيء آخر… تسقط معادلة السفر تحيا معادلة الضيعة… تسقط معادلة الضيعة تحيا معادلة الخيمة طالما أنها موضة رائجة و"ما في حدا أحلى من حدا"…  

السابق
عيد الجيش يصالح نوال ونانسي
التالي
إنتظر 15 ساعة على الهاتف!