سعد الحريري عُد فوراً

بقاؤك خارجاً بدأ يعني أن لا وجود في هذه الدولة لجهاز أو مرجع يحميك أمنيّاً. وبدأ يعني أنّ أنصارك غير قادرين على الدفاع عنك لا في بيت الوسط، ولا في فقرا، ولا في طرابلس، ولا في مجدليون. وأصبح التفسير السياسي والنفسي لهذا "السفَر"، أنّ هذه الدولة سقطت بيد "حزب الله". وهذا تفسير خطأ وخطير، لكنّه انطباع يسود. وفي السياسة، كثيراً ما كان الانطباع أهمّ من الحقيقة.

ليس ثمّة سابقة، حسب معلوماتي، لقائد سياسي "سافر" أو ابتعد أو نُفي، وكان له أكثرية برلمانية، وإن متأرجحة، معطوفة على مراجع أمنية بعضها محايد، وبعضها موثوق به. أنت اسمك سعد الحريري، لا علي عبدالله صالح!

حلفاؤك من القادة السياسيين لن يُخاطروا بمطالبتك أو حثِّك على العودة، فيما محاولات الاغتيال تتوالى منذ سفرك. لكنّ ثمّة شيئاً كبيراً يحصل في لبنان وسوريا، وهنالك أطراف محلّيون وخارجيّون، يبحثون كيف سيكون وضعهم بعد عام أو خمسة أعوام. هؤلاء الأطراف، إذا وصلوا إلى اقتناع "القاتل أو المقتول"، فقد تتساوى أخطار "عودتك" بسفرك. إن لم يكن هذا السبب كافياً لعودتك السريعة، فثمّة أسباب أخرى.

أنت وبعض من أركان 14 آذار، خضتم وتخوضون معركة كبيرة، هي "معركة مصير"، بكلّ ما تعنيه هاتان الكلمتان من معنى. لكن، بعد نحو الشهر على "ثورة الأرز" العام 2005، تصرّفتم من واقع "ردّ الفعل"، إن في الدعوة إلى التظاهرات أو إلى مآتم الشهداء، أو إلى خوض الانتخابات. اعتقد مناصروك ومناصرو حلفائك، أنّ الثورة بدأت في 14 آذار، فيما أنتم تصرفتم وكأنّ الثورة قطفت ثمارها، وانتصرت بعد أن عادت الجموع إلى بيوتها. أخصامك، اشتروا الوقت لأنّكم بعتموهم من هذا الوقت.

أخصامك مدّوا يداً، وأخفَوا يداً أخرى. وعلى رغم ما حصل من تعطيل للمؤسسات، وتهويل إعلامي وعصيان على قرارات محلية ودولية، وتخريب اقتصادي وانقلابات عسكرية وبرلمانية، ثمّة "انطباع" أنّك واجهت هذه الضربات برحلتين: واحدة إلى دمشق، وثانية إلى باريس. فالرياض!

اعرف أنّ الحكمة لا الخوف، كانت وراء الرحلتين، ولكن عندما يفرض خصمك شروط "معركة مصير"، يجب أن تكون الحكمة السياسية في خدمة الإقدام والمبادرة لا التأجيل وشراء الوقت. يجب أن تردّ على استراتيجية واضحة الأهداف، بمثلها، لا بتكتيكات وبمواقف آنية.

سفرك أنت، يا دولة الرئيس سعد الحريري، وتمهّلكم أنتم يا بعض قادة 14 آذار، غيَّرا صورة المعركة وبدّلا في عناوينها الكبيرة. كانت معركة حرّية وسيادة واستقلال، فحوّلتموها معركة صرف مبالغ في الموازنة، وانقطاع كهرباء. كانت معركة محكمة دولية، فأصبحت معركة مجلس عدلي لضبّاط في الجيش. كانت معركة ربيع شعب، فذبل زهر الربيع بفعل حرارة الدواليب المحترقة في الأزقّة. هذا في العناوين.

الأخطر هو في الأضرار التي لحقت بالصورة. صورة رفيق الحريري أصبحت ضمن إطار صنعه إمام جامع صيداوي! حتى الصورة الإعلامية تبدّلت كثيراً. حارق مدخل قناة "الجديد"، يكاد يحظى إعلاميّاً بما لم يعُد يحظى به جبران تويني وسمير قصير. سلفيون في طرابلس وشاب من عائلة المولوي، سحبوا البساط من تحت كتلة المستقبل النيابية التي تحاول التوفيق بين عبارات النأي بالنفس وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري. كأنّ مَن يُقتل في حمص وحلب، يريد خبزاً في عكّار، لا موقفاً تاريخيّاً.

يوم أقلّت سيارة نجيب الميقاتي الشاب شادي المولوي من مركز اعتقاله إلى مركز محمد الصفدي، خفت من مراسل حاذق أن يسأل الميقاتي: هل تضمن سلامة سعد الحريري فتصطحبه بطائرتك؟ يا لوجع السؤال! ويا لوجع الجواب أيّا كان الجواب! سعد الحريري على سفر، وفي الصورة، خالد الضاهر وحده يواجه على ستّ جبهات: نظام الأسد والسلفيون والجيش والعونيون والميقاتي و"حزب الله". تكاد تكون المعركة في عكّار "خالد أو بشار"!

منع النظام السوري رفيق الحريري من أن يطأ أرض عكّار، واليوم يمنع ابنَه سعد من أن يطأ بيروت. أين كنّا، وأين اصبحنا؟ لماذا هذا التمادي في فتح جبهات خاطئة أو جانبية؟ لا المعركة هي مع الجيش اللبناني، ولا "داتا الاتّصالات" ستحسم المعركة المصيرية. كلّنا يعرف الجهات الجانية، التي تحرّكت في معراب وبدارو، فلماذا يقف قطار المصير أمام أشخاص أُمروا فنفّذوا وفشلوا. كلّنا عرفنا أسماء متّهمين بقتل الحريري، فماذا فعلنا؟ وبماذا استفدنا؟

صورة المعركة يشوبها التشويش والتشويه. من 2005 إلى 2012، سبع سنوات عجاف. كنا مع القرار 1701 صرنا مع جبران باسيل في قضية "المياومين". كنا ضدّ النظام الأمني السوري اللبناني، صرنا ضدّ نقولا الصحناوي.

كنّا في ساحة الشهداء، صرنا في سوق للخُضَر في صيدا. كنّا وليد عيدو شهيداً، أسوة بأنطوان غانم وبيار الجميل، وصرنا سامي الجميل يردّ على محمد قباني. وصرنا، أمين الجميل يتكلّم على الحياد.

وماذا يريد حلفاء الأسد اجمل من هذا الكلام؟ نصرالله وعون يقولان في سرّهما: نحن مبادرون ومندفعون ومساعدون ومتورطون إلى جانبك يا بشار في المعركة، ومن إنجازاتنا أنّنا فرضنا الحياد على أخصامنا وأخصامك في لبنان. كم تغيّرت الصورة؟

عُد فوراً يا سعد الحريري. "حزب الله" لن يتوانى عن فرض وقائع ميدانية أو حكومية، يصعب تغييرها لاحقاً. "حزب الله" ربح في النقاط ، في 7 أيّار وفي الانقلاب الأكثري، وها هو يعدّ للضربة القاضية، إذا قُضي على بشار الأسد. يا سعد الحريري لا نريد أن يُعيد سمير جعجع موقفه الشهير فيقول ويزيد: "العدو من أمامكم والبحر من ورائكم… ووراء البحار حليفكم"!

السابق
مقاتلون سوريون في الضاحية
التالي
معلومات