لماذا تحريك الشارع قبل نتائج الحوار؟

أخطر ما في المعركة حول سلاح "حزب الله"، ان تنتقل من طاولة الحوار الى الشارع وهذا ما ينبغي ان تتصدى له الدولة بحزم بكل سلطاتها مع الزعماء، على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم.
فلو ان الشارع كان في استطاعته حسم هذه المعركة لحصل اللجوء اليه منذ زمن بعيد، لكن كل الاطراف في الداخل والخارج دعوا الى معالجة مشكلة السلاح بالحوار مهما طال الوقت.

وما يثير الريبة والشكوك هو ان يصبح موضوع سلاح "حزب الله" مطروحا في الشارع بين من يدعو الى نزعه او وضعه في تصرف الدولة، ومن لديه اسباب تجعله يطلب الاحتفاظ به الى ان تزول هذه الاسباب، فيما هو لا يزال مطروحا على طاولة الحوار في القصر الجمهوري في انتظار الاطلاع على تصور الرئيس سليمان للحل الذي يقترحه لمشكلة السلاح خارج الدولة في اطار استراتيجية دفاعية، كي يكون للمتحاورين رأي فيها. فلا يجوز في هذه الحالة استباق ما سيقرره المتحاورون في هذا الشأن، بافتعال حوادث امنية وصدامات كتلك التي بدأت في الماضي بسبب السلاح الفلسطيني عندما تقرر التفاهم على ايجاد حل له، حتى بعد اقرار "اتفاق القاهرة" لأن هذا السلاح ظل ينتهك السيادة الوطنية في انطلاقه من الجنوب ولم يلتزم ما نص عليه ذاك الاتفاق، فكانت الحرب الداخلية بين لبنانيين وفلسطينيين ثم بين لبنانيين ولبنانيين، الى ان تحولت حرب الآخرين على ارضه، ودامت 15 سنة. فهل هذا ما يريده من يحاولون نقل انقسام اللبنانيين حول سلاح "حزب الله" من طاولة الحوار الى ساحة القتال في الشارع؟

الواقع ان هؤلاء وان كانوا اقلية فهي كافية لاشعال فتنة، وعليهم ان ينتظروا نتائج الحوار في القصر الجمهوري وما سيعرضه الرئيس سليمان من حلول في شأن هذا السلاح في جلسة 24 تموز المقبلة لأنه يجيب فيها عن الاسئلة الثلاثة التي طرحها وهي: من يستعمل هذا السلاح وكيف يستعمل ولماذا يستعمل. فإذا وافق المتحاورون على اجوبة الرئيس عن هذه الاسئلة، فإن الخلاف يكون قد انتهى حول الموضوع لينتقل البحث الى سبل تنفيذ المقررات السابقة واللاحقة للحوار. اما اذا لم تتم الموافقة على هذه الاجوبة ولا سيما من "حزب الله" عندها يكون لكل حادث حديث.

والبحث في اجوبة الرئيس سليمان عن اسئلته الثلاثة يفتح الباب للبحث في اقتراحات عدة منها: وضع السلاح خارج الدولة في كنفها ليكون في امرتها وهي التي تقرر زمان استخدامه ومكانه، او ان يكون هذا السلاح على الحدود فقط، وليس في الداخل حيث لا وجود الا لسلاح الدولة الذي له حق الرد على نار اي سلاح غير شرعي بالنار وعلى سلاح ظاهر بمصادرته واعتقال حامله او بتشكيل لجنة تنسيق بين الجيش والمقاومة، كما كان قد اقترح الرئيس بري، او انشاء مجلس اعلى استشاري يوجه استخدام سلاح المقاومة في الزمان والمكان المناسبين، او اجراء تعديل حكومي اذا نجح الحوار، كما اقترح النائب ميشال المر في جلسة الحوار الاخيرة، وذلك كي تكون الحكومة قادرة على تنفيذ قرارات هيئة الحوار ويكون الجيش هو العمود الفقري للاستراتيجية الدفاعية، او العودة الى وثيقة "حزب الله" التي اكدت الانخراط في النظام السياسي اللبناني لكنها كرست المزاوجة بين الجيش والمقاومة في الدفاع عن الوطن.

يقول النائب وليد جنبلاط في هذا الصدد ان "حزب الله" هو واقع على الارض وسلاحه كان له دور اساسي في الدفاع عن لبنان عام 2006 وتحرير الجنوب عام 2000 ولكن يجب ان يكون في حضن الدولة، وان النقاط التي طرحها الرئيس سليمان في جلسة الحوار الاخيرة ممتازة"، واكد انه لا بد من الحوار مهما طال، مذكرا بما حصل في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت من حروب لم تنته الا بعد 15 سنة، مذكرا ايضا بان السلاح الفلسطيني في لبنان لم يخرج الا بتسوية، فكيف اذا كان هذا السلاح مع مواطن لبناني يشعر بقلق نتيجة الحدث السوري ويعتبر ان ما يجري مؤامرة دولية على وجوده. فلا حل اذاً الا بالحوار وبتدعيم المؤسسات، كي يتم بعد ذلك استيعاب هذا السلاح داخل المؤسسات". ومن قائل بان تحييد لبنان عن صراعات المحاور يعيد مستقبل لبنان الى اشراقته ويلغي الحاجة الى السلاح.

لقد بات "سلاح حزب الله" في حاجة الى حل عاجل ولا يجوز التعامل معه على غرار التعامل مع السلاح الفلسطيني الذي ولّد حروبا داخلية واستدعى اجتياحات اسرائيلية للبنان. ولا احد يعرف الى اين يذهب لبنان اذا ما استمر الانقسام حول سلاح "حزب الله"، كما لا يجوز للحزب ان يتصرف في موضوع سلاحه كما تصرفت التنظيمات الفلسطينية او كما تصرفت سوريا حيال وجودها العسكري في لبنان لأنه لم يعد معقولا ولا مقبولا ان يكون خارج الدولة سلاح يفوق سلاحها قوة، خصوصا انه موجود في يد فئة دون اخرى وهي فئة مذهبية، وان يكون هذا السلاح هو المسؤول عن حماية لبنان من خطر اسرائيل انما ان يتحمل سلاح الدولة هذه المسؤولية، وان يصبح وجوده سببا لانتشاره في ايدي فئات لبنانية بحيث يحل الامن الذاتي محل امن الدولة، فتقع الفتنة بين حامليه، ويتعرض لبنان للفتنة او يصبح السلاح خارج الدولة معطلا لسير عجلتها، ويتعذر الاتفاق على دستور جديد للبنان تحت ضغط السلاح او يصبح من المستحيل التوفيق بين "حزب الله" المسلح ومشاركته في السلطة، بل يجب التوصل بالحوار الى رؤية جيش واحد للبنان له سيادة تامة على كل اراضيه. ان المعركة على سلاح "حزب الله" تبدو ضارية ومقلقة، وهذه المعركة ينبغي ان تبقى على طاولة الحوار، وليس في الشارع والا فمن واجب الدولة والجيش المدعومين من غالبية الشعب التصدي للفتنة البغيضة من اي جهة اتت.  

السابق
هل أدرك أنّ إقصاء المستقبل خطأ؟
التالي
مهلة جنيف الدموية