هكذا يصبج جعجع رئيساً ؟!

مرّت عبارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بسلاسة، حين قال «إننا نعيش الأجواء نفسها التي سبقت العام 1982 ورافقته». أشار جنبلاط إلى «رأس حربة» المشروع الغربي الإسرائيلي «الذي أراد تركيع القوى الوطنية بمشروع احتلالي ترجم اجتياحاً إسرائيلياً وقوات متعددة الجنسيات وبمشروع سياسي يضرب كل مقومات العروبة والوطنية من خلال نظام تابع كلياً للإرادة الخارجية».
هذه «التمريرة» الجنبلاطية التي اتبعت بمواقف متلاحقة تثني على سياسة «النأي بالنفس» عن الأحداث في سوريا، فضلاً عن اتخاذ موقف حازم من موضوع العملاء، جعلت مرجعاً لبنانياً يقول «إن مواقف وليد جنبلاط مبنية على مخاوف وهواجس مستندة الى معطيات ومعلومات تشي بأننا أمام سيناريو مشابه لحقبة مطلع الثمانينيات يُرسم على رصيف الأزمات العربية ويحضّر للبنان»…
ويشير المرجع نفسه إلى أن جنبلاط وبرغم موقعه السياسي الذي لا يختلف اليوم عن معظم فريق الرابع عشر من آذار، أي أنه في موقع نقيض لموقعه السياسي في العام 1982، يبدو أكثر تحسساً من غيره، عندما يستشعر عودة ما للخطاب الماروني التاريخي الذي يذكّر بـ«الطائفة المؤسسة». من هذه الزاوية، تصبح حسابات جنبلاط طائفية بحتة، على طريقة كرهه اللامحدود للعماد ميشال عون وقبله اميل لحود وقبلهما بشير الجميل وسمير جعجع الخ…
لا يبدو جنبلاط سعيداً عندما يبادر حليفه سعد الحريري الى ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية في محطة العام 2014، ولا يكون إلا حزيناً حتى العظم، عندما يقرأ أن جعجع قد ارتدى البذلة الرئاسية منذ الآن، وأنه جاهز لهذا الخيار وبالنصف زائداً واحداً اذا طلب منه ذلك.

يستعيد المرجع اللبناني الذي استشهد بعبارات جنبلاط، واقعة حصلت معه شخصياً في حقبة الثمانينيات، ويقول: «في تشرين الأول من العام 1981 قمت بزيارة دولة خليجية مؤثرة بناء على دعوة رسمية، ولم أكن حينها في موقع المسؤولية، وبعد يومين من وصولي التقيت هناك بمسؤول خليجي كبير بادرني بالقول «بالأمس استقبلت بشير الجميل»، فقاطعته قائلاً «كيف تستقبل زعيم ميليشيا تقتل وتدمر و…»، فردّ المسؤول الخليجي بالقول «سيكون لهذا الرجل مستقبل مهم في لبنان».

بعد جواب المسؤول الخليجي، جرى سجال حاد بينه وبين المرجع اللبناني، ويقول المرجع نفسه: «حذّرت المسؤول الخليجي البارز من مغبة ما يسيرون به من مشروع ستكون نتائجه مدمّرة على لبنان، وبعد أسبوعين من عودتي الى بيروت، اعلن بشير الجميل ترشيح نفسه الى رئاسة الجمهورية، ولم تمض سبعة أشهر حتى حصل الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل الى مشارف بيروت في حزيران 1982، فأصبحت العاصمة العربية الثانية بعد القدس التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي».
يضيف المرجع «قبل أسبوعين من انتخابه رئيساً للجمهورية، زار بشير الجميل مجدداً الدولة الخليجية عينها برفقة مدير عام جهاز أمني مشهور والتقى هناك عدداً من المسؤولين فيها (أقلّته وقتذاك طائرة تخص رجل اعمال لبناني)، وهذا يعني ان بشير جاء الى الرئاسة بمشروع أميركي – غربي وفي ظل احتلال إسرائيلي ومن البوابة الخليجية، وأسرد هذه الوقائع لأقول إن التاريخ يعيد نفسه وإن اختلفت الاسماء والدول والأدوار».

ماذا تقصد بهذه المقاربة؟ يوضح المرجع اللبناني أن ترشيح رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للرئاسة الأولى في لبنان هو ترشيح جدي جداً، لأن ثمة حديثاً عن خطة اميركية ـ سعودية ـ قطرية ترمي الى انتخاب رئيس مسيحي في العام 2014 عن طريق النصف زائداً واحداً، لذلك يلاحظ توزيع أدوار بين «المستقبل» و«القوات»، فالرئيس سعد الحريري يدعو للتمسك بـ«قانون الستين» وسمير جعجع يدعو إلى تغييره، والى العمل على تأمين أكثرية نيابية من دون الحاجة الى التحالف مع وليد جنبلاط، ففي العام 2007 كان الاتجاه إلى الخيار ذاته ويومها عرضوا الأمر اولاً على رئيس «حركة التجدد الديموقراطي» النائب الراحل نسيب لحود الذي رفضه رفضاً قاطعاً ثم نقلوا العرض الى النائب بطرس حرب الذي رفضه ايضاً من منطلقات دستورية ووطنية».


يقول المرجع إن «مقاطعة سمير جعجع لجلسة «هيئة الحوار الوطني» تندرج في هذه الخانة، عبر إعطائه مساحة كبيرة من التمايز، عن حلفائه حتى لا يُقال يوماً إنه فاوض أو ساوم على مواضيع ليس مقتنعاً بها من الاساس».
يشير المرجع نفسه الى أن رهان جعجع على سقوط الأسد قبل نهاية العام الحالي، هو رهان سعد الحريري وكل فريق 14 آذار، وثمة من ينقل حرفياً عن جيفري فيلتمان قبل تقاعده وتبوء منصبه الجديد في الأمم المتحدة، أنه لن ينقضي شهر ايلول 2012 إلا ويكون بشار الأسد قد غادر سوريا برفقة حاشية من الضباط والمسؤولين الى موسكو أو طهران.

ويضيف المرجع أنه سمع شخصياً من مسؤولين في «فريق 14 آذار» أنه بعد سقوط الأسد، ثمة سيناريو بأن الإدارة الأميركية الجديدة (بعد الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي)، ستعطي الضوء الأخضر لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وعندها سينخرط «حزب الله» في هذه المواجهة، وسيجد نفسه في نهاية المعركة وقد نضب كل مخزونه الصاروخي الاستراتيجي، وتبقى مسألة سلاحه المتوسط والفردي وهي قضية لن يكون صعباً إيجاد حل لها».

وما علاقة ذلك بأن يكون سمير جعجع رئيساً للجمهورية؟ يجيب المرجع «إذا انتصر المشروع الأميركي في سوريا، فإن سمير جعجع هو الشخص الوحيد الذي يتجرأ على ان يطلب رسمياً من دول حلف «الناتو» إرسال قوات لها الى لبنان لنزع ما تبقى من سلاح «حزب الله»، تحت ذريعة نزع سلاح القوى اللبنانية غير الشرعية والتنظيمات الفلسطينية داخل المخيمات وخارجها، كما يطلب منها الانتشار على طول الحدود اللبنانية السورية».
أما سيناريو الانتخاب، فيقوم على جمع الأكثرية النيابية في الداخل أولاً، واذا تعذر ذلك يحصل الاجتماع في الخارج (قطر او تركيا) ويصاحب العملية الانتخابية، استنفار لشارع «قوى 14 آذار» لا سيما «المستقبل»، ويعود الى لبنان عودة المنقذ عبر مطار القليعات وبحماية دولية يؤمنها «الناتو» او الامم المتحدة لأن الاعتراف الدولي بانتخاب كهذا سيكون جاهزاً وحجة هؤلاء الدستورية أن الرئيس ميشال سليمان انتخب رئيساً للجمهورية من دون تعديل المادة 49»، على حد تعبير المرجع اللبناني الأسبق نفسه.

هذه الحجة، يضيف المرجع «مردودة على اصحابها لأن ميشال سليمان انتخب بإرادة وطنية جامعة وبنصاب نيابي مطلق (127 نائباً حضروا الجلسة)، وحاز على 118 صوتاً اي بإجماع ميثاقي من الكتل النيابية وبإجماع عربي ودولي غير مسبوق، وبالتالي تنتفي مع إجماع كهذا الحاجة الى التعديل الدستوري، بينما النصف زائدا واحدا مخالف كليا لنص الدستور ويضرب النصوص الميثاقية فيه. ومن هنا نعرف لماذا قال سمير جعجع فليحكم «الاخوان» في العالم العربي.. ثم تحوّل الى رأس حربة ضد البطريرك الماروني بشارة الراعي الى حد التخلي عن هذا الموقع الوطني الكبير، ومن هنا يصح التساؤل هل مواقف جعجع من سلاح «حزب الله» تعبر عن قناعته أم أنها انعكاس لإرادة خارجية».

يعود المرجع اللبناني بالذاكرة الى «ما حصل قبل انتخاب بشير الجميل حين نظمت الوفود لزيارته من مختلف المناطق وجرى التركيز على المناطق الإسلامية.. والآن يجري تنظيم الوفود التي تزور جعجع في معراب وليس غريباً ان نرى هناك بعد فــترة من الوقت وفداً من «علماء بيروت والمناطق» أو هيئات أهلية أو حـقوقية أو غيرها من المسميات»، محذراً «من مغبة المغامرة باستعادة تجربة العام 1982 ولكن هذه المرة يحل «الناتو» محل الاسرائيلي و«القوات المتعددة الجنسيات»، ونبّه الى ان «لبنان لا يحكم الا بالتوافق وبرئيس وسطي يرعى توافقاً كهذا، لان الرئيس الماروني على طريقة سمير جعجع يعني أن ننام على رئيس ونصحو على دمار وطن».

«هل فهمتم مغزى تحذير جنبلاط من أننا نعيش الأجواء ذاتها التي سبقت العام 1982؟ والتي لن يكون الزعيم الدرزي إلا في صلب مواجهتها، عندما يتعلق الأمر بالمصير الوطني» يسأل المرجع نفسه، متمنياً ألا يتم التعاطي بخفّة مع هذا التحدي «كما جرى التعامل مع أمور أخرى منذ ما بعد العام 2005 حتى الآن»، مشيراً الى أنه يمتلك معلومات تتحدث عن موقف وطني مسؤول أبلغه وليد جنبلاط للجهات الدولية والعربية والإقليمية المعنية برفضه القاطع لهذا التوجه، حرصاً منه على السلم الأهلي والحفاظ على الوحدة الوطنية والعيش المشترك فيه، لأن تجربة الحرب الأهلية برأي جنبلاط والمغامرات غير المحسوبة التي رافقتها من كلا الفريقين اللبنانيين المتخاصمين كلفت لبنان ليس دماراً لمؤسساته العامة والخاصة وبناه التحتية فحسب، بل أرجعته 50 عاماً الى الوراء، بعدما كان قبلة أنظار العالم وملتقى الحضارات والثقافات بين الشرق والغرب في المنطقة».

ويتوقف المرجع عند ما قاله رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في حديثه لجريدة «السفير» قبل نحو أسبوعين من أن «الأجندة» الخارجية تقتضي بالحفاظ على الاستقرار في لبنان الى حين الانتهاء من سوريا، ومن ثم يأتي دور لبنان، ويشير الى أن هذا الكلام يضع النقاط على الحروف. ويعني أن ثمة من يراهن على اسقاط النظام في سوريا قبل موعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان في ايار 2014 حتى يتسنى له التفرغ نهائياً لخطوة انتخاب جعجع بطريقة النصف زائداً واحداً تمهيداً لضرب المقاومة ونزع سلاحها».  

السابق
طفل بستة قلوب
التالي
مسؤول تركي: القوات التركية تتحرك نحو الحدود السورية