أنقرة لن تتدخل عسكريا.. إلا؟

لا أحد يجادل بأن إسقاط طائرة الفانتوم العسكرية التركية هو تصعيد خطير في العلاقات السورية- التركية المتأزمة بحدة أصلا.
ولا أحد يشك أيضا بأن تركيا مضطرة إلى الرد، بطريقة أو أخرى، بما يحفظ هيبة جيشها
(ثاني أكبر مؤسسة عسكرية في حلف شمال الأطلسي) وقوة الردع لديها.
لكن هذا الرد لن يصل على الأرجح إلى مايتوقعه البعض(وما يتمناه البعض الآخر)، من اعتبار أنقرة حادثة الطائرة فرصة لها لتنفيذ ماكانت تلوّح بها منذ شهور عدة: إقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية.
السبب؟

ثمة سببان:
الأول، تركيا غير مستعدة للقيام بأي خطوة عسكرية "رسمية" تتضمن تدخلاً نظامياً عسكريا، من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، أو قرار من حلف الأطلسي، أو "تحالف مريدين" دوليين- إقليميين بقيادة الولايات المتحدة. وهذا أمر منطقي. إذ أن التحرّك الانفرادي التركي قد يضعها في مواجهة عسكرية حقيقية مع إيران وربما روسيا.
والثاني،(وهو ربما الأهم) أن حكومة أردوغان المدنية لاتثق بأن الجيش التركي (العلماني) مستعد للقيام بهذه المهمة. وحتى لو كان مستعدا، فهي لاتثق أيضاً بأنه لن يعود من مهمته في دمشق إلى أنقرة لتصفية حساباته القديمة مع "العثمانيين الجدد".

الحالة الوحيدة التي قد تدفع الجيش التركي إلى الانغماس بالكامل في المجابهة العسكرية مع نظام الأسد، هي مواصلة هذا الأخير دعمه العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني. وحينها، سيفعل الجيش التركي مافعله في حقبة التسعينيات: حشد جحافله على الحدود السورية، والتهديد بالزحف على دمشق (من دون توقف سوى لاحتساء الشاي، كما قال آنذاك رئيس الأركان التركي)، إذا لم توقف سورية رعايتها لأكراد تركيا.

حتى الآن، لايبدو الدعم السوري للأكراد الترك كبيراً، وإن بدأ يتخذ شكلاً خطيراً مع مصرع ثمانية جنود أتراك مؤخرا. بيد أن عدم توقف هذا الدعم، سيؤدي في النهاية إلى تقاطع مصالح بين الجيش التركي والأردوغانيين: الجيش، لضرب الأكراد "حفاظاً على تماسك الأمة التركية" في خضم العبث الدولي الراهن بخريطة الشرق الأوسط، والأردوغانيين لمواصلة ما انقطع من حلم العثمانية الجديدة.
والحصيلة؟

إنها واضحة: حادثة اسقاط الطائرة التركية لن تفجّر (وحدها) الوضع بين الجارين. لكنها تكشف في الوقت نفسه مدى سخونة الصفيح الذي تتراقص هذه العلاقات فوقه هذه الأيام.
وهي، بالمناسبة، سخونة بدأت تتمدد إلى كل جيران سورية الإقليميين.
  

السابق
انشقاق الحمادة سيرفع نسبة المنشقّين
التالي
بعد لجوء الطيار.. هل ينزلق الأردن إلى الأتون السوري؟