احداث طرابلس.. أين الاعتدال السني من تنامي الحركة السلفية؟

من يرصد اليوميات الشمالية على المستويين السياسي والميداني يدرك فوراً أن هناك ما يُدبر في هذه المنطقة وهو على صلة مباشرة بتطورات الأوضاع في سورية. فما رأيناه على مدى اليومين الماضيين ما هو إلا غطاء لما هو مستور من مخطط جهنمي أميركي ـ عربي بأدوات لبنانية، مطعمة بأياد من مختلف الجنسيات العربية التي تنضوي تحت مسمّى الإسلاميين أو السلفيين أو المناصرين أو المجاهدين، وما إلى هنالك من توصيفات تطلق على هذه الجماعات التي تُستورد من هنا وهناك لتقاتل بالأجرة بهدف تنفيذ أجندات لا تمت إلى العروبة والإسلام بصلة.

فما جرى في طرابلس لم يكن مفاجئاً لا بل إنه كان متوقعاً في أي دقيقة، لا سيما أن هناك من يعمل في السر والعلن لتهيئة هذه الظروف التي يُراد من خلالها جعل منطقة الشمال أرضاً خصبة وممراً آمناً لتهريب السلاح والمسلحين إلى الداخل السوري. والأخطر من ذلك أن هناك من يعمل على وضع معادلة طرابلس مقابل الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي معادلة تبعث على السخرية في جانب، وفي جانب آخر تدل على مدى ارتفاع منسوب النهج الطائفي والمذهبي الذي يسلكه من يعتقد نفسه أنه قيّم على أمور الناس في هذه المنطقة.

وبصرف النظر عن الوقائع الميدانية التي شهدتها منطقة الشمال، لا بد من الإشارة إلى أن زيارة بعض رموز "14 آذار" إلى منطقة عرسال قبل ثلاثة أيام لها دلالاتها إذ لماذا إعادة عرسال إلى الواجهة في الوقت الذي يتقلب فيه الشمال على صفيح ساخن ويقف على عتبة الانفجار؟

ولماذا تسعى هذه القوى إلى تزخيم الصراع في الشارع بدلاً من المبادرة إلى عملية احتواء الصدام؟ ولماذا تستحضر هذه القوى من خلال الزيارة ذات الأبعاد الرمزية إلى عرسال في هذا التوقيت بالذات الخطاب الطائفي والمذهبي تجاه الداخل والتحريضي تجاه سورية؟

ثم لماذا هذا الغياب لقوى "14 آذار" في طرابلس وترك الساحة على مصراعيها ليتحكم بها "الإسلاميون"؟ ولماذا يظهر مفتي طرابلس والشمال بعيداً من الأضواء في الوقت الذي يجب أن يخوض بنفسه معركة الاعتدال لاستيعاب السلفيين لا لمواجهتهم؟ ثم من المستفيد من إحلال منطق "نحن أهل السنة في طرابلس" بدلاً من نحن أهل طرابلس؟ ولماذا لم يبادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حتى هذه الساعة إلى دعوة رؤساء الحكومات السابقين إلى اجتماع في دار الفتوى للتخفيف من حدة الخطاب المذهبي؟ ولماذا لم يكشف النقاب بعد عن الباخرة التي اكتشفت قبالة شواطئ طرابلس والتي كانت معدة لتفريغ ما تحمل من سلاح لتوزيعه في مناطق الشمال وتهريب البعض منه إلى سورية؟

كل هذه الأسئلة تمهد للقول، إن ما يجري في طرابلس من محاولات تهدئة، هو على ما يبدو مرحلي، في ظل اقتناع (سني ـ طرابلسي) باستهداف التيار الإسلامي في المدينة، وهذا يعيدنا إلى مراحل الثمانينات وبداية التسعينات حيث كانت طرابلس تنام وتستيقظ على المعارك المتنقلة، فاللاعبون في طرابلس اليوم باتوا أكبر من اللبنانيين، واللبنانيون باتوا وقوداً في هذه اللعبة، فإما أن يستعيد حكماء طرابلس وحكماء السنة، كما حكماء الشيعة والدروز مسار الميثاق والعيش المشترك وتحييد لبنان عما يجري في المنطقة والتصويب على عدو واحد هو "إسرائيل"، وإما أن ينزلقوا في تصفية حسابات داخلية شكلها سياسي ومضمونها مذهبي وفي هذا أكبر خدمة لـ"إسرائيل".

فهل المطلوب أن ينفلت عقال "العُقّال" في لبنان ويعودوا إلى مرحلة الصدام الطائفي والمذهبي، في حين إنه يجب أن يقوم لبنان ذاته بمبادرة تجاه العالم العربي للاستثمار في منطق الحوار والتسوية السياسية بدلاً من فتح جبهات جديدة من العنف؟

في اعتقاد مصادر سياسية متابعة ان هناك من يعمل في الشمال وفق أجندة تتضمن جدول أعمال محدداً، وأن تنفيذ بنود جدول الأعمال هذه الأجندة لا بد وأن يحصل على مراحل، ومن بين هذه المراحل افتعال المشاكل ووضع منطقة الشمال وتحديداً طرابلس في دائرة التوتر، فالظهور العلني والكثيف للمسلحين في شوارع وأزقة عاصمة الشمال لم يكن عبثياً، إذ إن هناك من أراد استعراض عضلاته حتى ولو بمواجهة الجيش الذي يسجل له بأنه وأد الفتنة في مهدها وقطع الطريق على من حاول استدراجه إلى المعركة كمقدمة لمحاولة إخراجه من المشهد الشمالي. أضف إلى ذلك، أن هناك من يعمل على تهيئة الظروف المناسبة لجعل طرابلس من لون سياسي ومذهبي واحد، وقد برز ذلك بوضوح من خلال إقدام بعض القوى على تخطي خطوط التماس التقليدية بين باب التبانة وجبل محسن، وتوسيع دائرة الاشتباكات باتجاه أفرقاء آخرين لتحقيق أهداف محددة، لم ولن يكتب لها النجاح، وهذه نتيجة طبيعية لسياسة أقل ما يقال فيها إنها سياسة حمقاء.

وتخلص المصادر إلى القول إن "تيار المستقبل" خسر في هذه المعركة كما في كل المعارك التي افتعلها بهدف الاستثمار السياسي منها على أبواب أي استحقاق داخلي، ويجب أن لا يغيب عن بال صقور هذا "التيار" انه ليس في كل مرة تسلم الجرة.. وفهمهم كفاية.

السابق
مكانك راوح
التالي
النهار: بري تبلّغ تحذيرات من اغتيالات مقبلة والحكومة اليوم توفّر اعتماداً للقوى الأمنية