ثوابت الرئيس ورهانات الآخرين

في ظل التطورات المتلاحقة في المنطقة وما شهدته وحسب تسمية الدول الغربية لما حصل في بعض الدول العربية من «ربيع عربي» وهو بالطبع ليس ربيعاً عربياً، بقي لبنان حتى اللحظة بعيداً عن هذه التطورات، لناحية عدم حصول تغيير سياسي في نظامه باعتباره البلد العربي الوحيد الذي يمتاز بمواصفات ومعطيات سياسية وطائفية متنوعة، يعتبرها البعض بأنها تشكل حصانة ومناعة للبنان في وجه التغييرات المفتعلة أحياناً في بعض الدول العربية على الطريقة «الأميركية» وما تشهده جمهورية مصر العربية هو مثال صارخ على كيفية تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع هذه التغييرات وركوب موجتها وحرفها عن مسارها وأهدافها الحقيقية خدمة لمصالحها ولأمن «إسرائيل».

ما يهمنا من كل ذلك هو الساحة اللبنانية والتي طبعاً تتأثر سلباً أو إيجاباً بكل ما تعيشه المنطقة بشكل عام وما يجري على الساحة السورية بصورة خاصة، لأن لبنان لا يعيش في جزيرة وكما تحاول بعض الجهات السياسية اللبنانية ترويج أن يبقى لبنان على الحياد حيال ما يجري في المنطقة، مع العلم أن لبنان هو الأكثر تأثراً في أي حدث تشهده دول المنطقة وعلى وجه الخصوص سورية.

وكلام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الأخير يستوجب التوقف عنده باهتمام كبير، فبعيداً عن اللعبة السياسية الداخلية وشد الحبال بين هذا المسؤول وذاك، وبين هذا الفريق السياسي وفريق آخر، المهم في كلام الرئيس سليمان هو الحفاظ على الثوابت والتمسك بها، وفي مقدمتها وحدة الشعب اللبناني والدعوة المستمرة إلى الحوار، وتأكيد العلاقة مع سورية على مستوى المسؤولين في البلدين وتفعيل عمل المؤسسات بينهما بالإضافة إلى تحديد هوية العدو الوحيد للبنان وهو «إسرائيل» ودعم المقاومة في مواجهة أي عدوان صهيوني على الأراضي اللبنانية.

وترى مصادر سياسية، أن كلام الرئيس سلميان في ملف العلاقة مع سورية كان مطمئناً، فرئيس الجمهورية لم يكن يوماً خارج هذا الفهم في العلاقة مع الرئيس بشار الأسد، حيث جرت العادة على التواصل بين الرئيسين بصورة دورية وتكاد تكون أسبوعياً، وكان آخرها الاتصال الذي جرى بينهما يوم السبت الماضي، وطبيعة هذه الاتصالات تقوم دائماً على التشاور والتنسيق في أكثر من ملف يعني البلدين، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية في كلامه الأخير عن تطبيق الاتفاقات المبرمة بين لبنان وسورية وعن طبيعة العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري على مدى التاريخ.

وتضيف المصادر السياسية، وفي السياق نفسه لا بد من ملاحظة كلام الرئيس سليمان حول موضوع مصادرة باخرة السلاح من قبل الجيش اللبناني، وكيف ستتعاطى المؤسسات المعنية بهذا الملف بكل حزم، وبعيداً عن لفلفة الموضوع كما يتوهم البعض، باعتبار أن جهات سياسية لبنانية وعربية ضالعة في الأمر، وتأتي أهمية موقف رئيس الجمهورية بشأن هذا الموضوع عندما أكد أن السلاح المهرَّب إلى سورية يعتبر عملاً إرهابياً وليس بوصفه تجارة سلاح فقط، بل إن الجهة التي كان سيصل إليها هي دولة شقيقة وتربطها علاقات مميزة مع لبنان وفق اتفاق الطائف وما تضمنه من بند واضح حول أن لا يكون لبنان مقراً أو ممراً للاعتداء على سورية والعكس صحيح. وكلام الرئيس سليمان في هذه النقطة تحديداً هو حماية لبنان قبل سورية، لأن وصول مثل هذه الكميات من السلاح إلى المجموعات الإرهابية في سورية سينعكس بصورة أو بأخرى على الأوضاع الداخلية في لبنان، خصوصاً وأن هناك جهات سياسية لبنانية حاضنة لهذه المجموعات وتدعمها بصورة علنية بشتى أشكال الدعم، وهذا ما كان حريصاً عليه رئيس البلاد لناحية الحزم في التعاطي مع عمليات تهريب السلاح إلى سورية.

وأشارت المصادر السياسية إلى نقطة جوهرية أثارها رئيس الجمهورية في الشأن الداخلي وهي النصيحة التي وجهها إلى السياسيين في لبنان بعدم اختيار أي رئيس للجمهورية يحمل طابعاً توافقياً، وهذا يعني أن الرئيس وصل إلى هذه القناعة نتيجة التجربة التي مرّ بها حتى الآن مع الأخذ في الاعتبار أن الظروف السياسية في لبنان والمعطيات الدولية والإقليمية هي التي تتحكم بهذه المسألة، ورئيس الجمهورية عندما توصل إلى هذه القناعة كان يريد أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فعندما تأتي إلى سدة الرئاسة شخصية معينة يجب أن يكون لديها برنامج واضح ينسجم مع مجيء حكومة الفريق الواحد لكي تستطيع أن تترجم برنامجها على جميع الأصعدة، لا كما يحصل اليوم في الحكومة الحالية والتي تضم فرقاء يتحكم في ما بينهم التباين حول الكثير من الملفات وهذا ما يصيب الحكومة بالشلل إلى درجة تفقد مصداقيتها أمام اللبنانيين كما أن البلد بدلاً من أن يتقدم يدور على نفسه يعاني كما هو حالياً من أزمات مالية واقتصادية وإدارية واجتماعية.

يبقى القول إن المسؤولية الوطنية تتطلب من جميع القوى السياسية اللبنانية التوقف باهتمام أمام ما قاله رئيس البلاد حول ملفات جوهرية داخلية وخارجية، وأن يعود الجميع إلى الواقعية والموضوعية وعدم الرهانات الخاطئة على ما يمكن أن يحصل في سورية من تطورات، لأن مثل هذه الرهانات هي التي تحدث حالة إرباك لبنان بغنى عنها، ودعوة الرئيس ميشال سليمان إلى الحوار ما زالت قائمة على قاعدة ان يكون الشعار الرئيسي لأي حوار كيف نحافظ على لبنان وليس شعار الرهان على ماذا سيحصل في سورية، لأن سورية ستخرج من أزمتها أكثر قوة ومناعة باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء والحلفاء. ولذلك على اللبنانيين الاهتمام بشؤونهم وشجونهم وكيف يحافظون على بلدهم في مواجهة الموجات العاتية التي تنتظرها المنطقة وهذا لا يتم إلا من خلال الحوار الجدي والحقيقي والشفاف بعيدا ًعن الأجندات الخارجية والسير في فلكها، والتي تمثلت أخيراً بزيارة جيفري فيلتمان إلى لبنان ولقاءاته العلنية والسرية التي أجراها مع أفرقاء «14 آذار» في محاولة لإدخال لبنان في النفق المظلم من خلال هذه القوى والأدوات، ولكن في المقابل القوى الوطنية بكل شرائحها ومشاربها وكما قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لن تسمح للإدارة الأميركية ومعها جيفري فيلتمان أن يجعلا من لبنان«واحة أميركية» أو نقطة انطلاق ومنصة تستهدف أمن واستقرار سورية.

السابق
في الماضي الراهن!
التالي
تغيير جذري