النهار: مأزق الإنفاق يدهم مجدّداً أولويات الحكومة

مع ان مجلس الوزراء تعمد تضمين بيانه الرسمي بنداً ينص على "الطلب من وزير المال الاستمرار في دفع الرواتب والأجور وملحقاتها" على سبيل طمأنة الموظفين والمواطنين الى ملاءة الدولة وعدم سماحه بالاخلال بالانتظام المالي والاداري العام، فان ذلك لم يحجب الدلالة البارزة للصراع الحاد الذي شهدته الجلسة على ملف الانفاق الاستثنائي الذي عاد أولوية ضاغطة للحكم والحكومة من الباب العريض.
فعلى تعدد المواضيع المدرجة في جدول الأعمال وتشعبها، واتسام بعضها بأهمية كبيرة مثل بند اقتراع المغتربين، تمكن مجلس الوزراء من اقرار معظم البنود بسرعة، لكن مأزق مشروع الـ8900 مليار ليرة استأثر بالحيز الأكبر من المناقشات التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات في هذا الموضوع على رغم انه أثير من خارج جدول الأعمال.

وكشفت مصادر وزارية لنا ان وزراء الثلاثي حركة "أمل" وحزب الله" و"التيار الوطني الحر" اندفعوا مرة جديدة في ضغط ضمني على رئيس الجمهورية ميشال سليمان لحمله على اصدار مشروع الـ8900 مليار ليرة العائد الى الانفاق الحكومي عن سنة 2011 بمرسوم بعد انسداد كل السبل التشريعية الممكنة لاقرار هذا المشروع في مجلس النواب، الأمر الذي استدعى موقفاً رافضاً من الرئيس سليمان لاصدار المشروع بمرسوم. وبدا رئيس الجمهورية جازماً في رفض توقيع مرسوم بمشروع يتضمن مخالفات. واذ عدد اوجه هذه المخالفات، بدا في موقفه منتقداً للفريق الضاغط في هذا الاتجاه كما لفريق المعارضة الذي عطل نصاب جلسة مجلس النواب التي كانت ستبحث في المشروع بمعزل عن ملف الـ11 مليار دولار العائدة الى الحكومات السابقة. وأوضح في مداخلته في مجلس الوزراء انه اجرى استشارات واسعة اظهرت ان المرسوم لا يمكن توقيعه في حاله الحاضرة ولو أقره مجلس النواب لكان عرضه للطعن واقترح على وزير المال محمد الصفدي اعادة صياغة المشروع والأخذ برأي لجنة المال والموازنة النيابية لإرسال المشروع بصيغة جديدة الى مجلس النواب.

وقال الرئيس سليمان لنا ليلاً: "انا لا أوقع مرسوماً كهذا لأن ثمة مخالفات قانونية ودستورية تشوبه كما أن ثمة ملاحظات وضعتها لجنة المال والموازنة عليه، وهذه الملاحظات هي جزء من المخالفات. وقد قلنا في الجلسة عدلوا المشروع وارسلوه الى مجلس النواب على ان يتضمن ملاحظات لجنة المال وملاحظات أخرى قد يراها وزير المال بما يكفل عدم الطعن في المشروع دستورياً وقانونياً". واضاف "أنا لا أوقع على أمر سيسقط، ويهمني أن أؤمن الانفاق. وقد برزت نواقص في المشروع ولا بد من وضع مشروع آخر أكثر شمولية يعرض على مجلس النواب، كما لا يجوز تعطيل الجلسة بافقادها النصاب لأن تعطيل النصاب ليس الحل ولو كان حقاً ديموقراطياً. هذا حق يمارس في أمور وطنية وسياسية كبيرة ولكن يفترض الا يحصل التعطيل في امور الناس. وأنا يهمني الا اوقع اي شيء بعيد عن الدستور، كما يهمني انتظام عمل المؤسسات الدستورية. وقد كلفت اشخاصاً عديدين واكدوا لي وجود مخالفات في المشروع فكان لا بد من الموقف الذي اتخذته في مجلس الوزراء".

مواقف وزارية
وعلمنا انه بعد مداخلات للوزراء علي حسن خليل وجبران باسيل ومحمد فنيش، ادلى الوزيران وائل ابو فاعور وغازي العريضي بمداخلتين ايدا فيها موقف الرئيس سليمان. ورد ابو فاعور على مداخلات لمحت الى تحميل رئيس الجمهورية المسؤولية عن عدم توقيع مرسوم الـ 8900 مليار ليرة وانعكاس ذلك على عمل الحكومة، فقال: "لماذا نطالب فخامة الرئيس بالتوقيع على امر غير دستوري؟ اذا كانت لدى الحكومة اشكالات فهذا مرده الى ادائها كما ظهر في التعيينات وقانون الانتخاب والكهرباء وسواها". اما العريضي فقال: "اذا اردنا احترام القانون فيجب ان يتم وفق معايير واحدة لا ان نطالب بالشيء ونقيضه في وقت واحد وخصوصا في ضوء ما تفضل به فخامة الرئيس من معطيات حول عدم دستورية ما يطالب به فريق من الوزراء".

وقال وزير التنمية الادارية محمد فنيش لـ"النهار" ان النقاش في مجلس الوزراء "انطلق للبحث في تحديات المرحلة المقبلة وكيف ستقوم الحكومة بواجباتها بعد الثقة المتجددة بها واهمية قوننة الانفاق وعدم العودة الى الطرق المعتمدة سابقا. وتوزع الرأي بين الوزراء على ثلاثة خيارات: اما لا ننفق او ننفق مخالفين القانون او نقونن الانفاق. وكان موقفنا انه على الحكومة الا تشل نفسها فاقترحنا حلا على فخامة الرئيس باستخدام صلاحياته المنصوص عليها في الدستور والافادة من المادة 58 لمعالجة الخلل القائم".
وردا على موقف الرئيس سليمان قال فنيش "لا اتفق مع الرأي القائل بان المشروع كما ارسل مخالف ومعرض للطعن".
اما في موضوع تمكين المغتربين من الاقتراع، فعلم ان مجلس الوزراء اجمع على ضرورة وضع هذه العملية موضع التنفيذ في الانتخابات المقبلة. لكن الاطر التنفيذية للعملية ستتبلور ضمن قانون الانتخاب الذي ستشرع الحكومة في درسه الاسبوع المقبل.

وكان لقاء جمع امس رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان والنائب ايوب حميد وتناول ملف الـ 8900 مليار ليرة. وافادت اوساط المجتمعين انه جرى التطرق الى التوصية التي قدمتها لجنة المال والموازنة قبل سنة ونصف سنة بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الانفاق المالي منذ عام 1993.
واعتبر المجتمعون ان هذا المطلب يجب ان يعالج بطريقة شاملة. ولم يخض في طرح المعارضة التي تطالب بلجنة تحقيق مالية ايضا.
ويشار الى ان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بدأ مساء امس زيارة لبلجيكا والاتحاد الاوروبي تستمر يومين، واستهلها بلقاء نظيره البلجيكي اليودو روبو.
اما على الصعيد المطلبي والنقابي، وفي ظل كثافة التحركات الاحتجاجية والمطلبية الاخيرة، ينفذ قطاع النقل البري اليوم اضرابا واعتصامات في ظل انقسامات سادت هذا القطاع مساء امس عقب اعلان اتحادات قطاع النقل الاضراب.

الجميل والسنيورة
وعلى صعيد سياسي آخر، برزت امس زيارة الرئيس فؤاد السنيورة للرئيس امين الجميل في بيت الكتائب المركزي التي اعتبرت بمثابة ازالة للرواسب التي تركها طرح النائب سامي الجميل الثقة بالحكومة وانسحاب نواب 14 آذار من الجلسة.
لكن اوساط الرئيس السنيورة قالت لـ"النهار"، انه لم يجر التطرق في اللقاء مع الرئيس الجميل الى ما جرى في مجلس النواب باعتبار ان الموضوع صار من الماضي. واوضحت ان التركيز جرى على آفاق المرحلة المقبلة والعلاقات بين مكونات 14 آذار على عتبة مرحلة سياسية وتنظيمية جديدة وخصوصا في ضوء تأكد اطراف 14 آذار من ان "حزب الله" سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة بالحكومة الحالية للتأثير على نتائجها ورفض ما سبق للرئيس السنيورة ان اقترحه في كلمته في جلسة المناقشة العامة من تشكيل حكومة حيادية. واضافت ان مرحلة جديدة بدأت بعد الجلسة وكانت وجهات النظر بين الجميل والسنيورة متطابقة وسينطلق العمل ضمن فريق 14 آذار في هذا الاتجاه.
ويشار في هذا السباق ا يضا الى ان طلاب حزبي الكتائب والاحرار نفذوا امس اعتصاما في مبنى جامعة القديس يوسف بشارع هوفلان احياء للذكرى السابعة للانسحاب السوري من لبنان.

السابق
السفير: حكومة الشلل المالي تواجه الأزمات بتصريف الأعمال!
التالي
الانباء: اقتراع المغتربين والنسبية خيما على جلسة الحكومة ومعلومات ترجح ابتعاد ميقاتي عن النيابة وترشح تيمور جنبلاط