ويسألون: لماذا المحكمة الدولية!؟

محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع، ثمّ اغتيال الزميل المصوّر في تلفزيون «الجديد» علي شعبان، ثمّ محاولة اغتيال الصحافي مصطفى جحا. ثلاثة اعتداءات سياسيّة وإعلاميّة خطرة في خلال أيّام. والقاسم المشترك هو: البحثُ جارٍ…
قبل ذلك، معلومات عن احتمال استهداف الرئيس سعد الحريري وتهديدات للنائب سامي الجميّل. لكنّ شيئاً لا يحرّك المعنيّين للبحث عن مصدر المخاطر. لذلك، يترسّخ انطباع في أذهان الرأي العام، بأن لا رغبة حقيقية في كشف الحقائق. فحتى يثبت العكس، لبنان هو دولة الجُناة الذين يتعذّر دائماً العثور عليهم. إنّه دولة "تجهيل الفاعل". والدليل هو الآتي:

– أوّلاً: ما من جريمةٍ وقعت في السنوات السبع الفائتة، وقبْلها بسبعٍ وعشرين سنة، وتمّ كشف شيء من خيوطها يسمح بالوصول إلى نتيجة.

– ثانياً: كلّ الجرائم، استهدفت خطّاً سياسيّاً واحداً.

بعض مرجعيّات الأمن والقضاء تعاطى مهنيّاً وموضوعيّاً مع محاولة اغتيال جعجع. لكنّ القوى السياسية التي لها تأثير في مرجعيّات أخرى، تعاطت مع المحاولة بالتشكيك والتسخيف. وكذلك، نأت السلطات اللبنانية بنفسها عن مسؤوليّاتها في ملفّ شعبان، وهي مرتاحة لرمي كرة التحقيقات في ملعب سوريا… "فهي تخيّط ونحن نلبس"! عِلماً أنّ رئيس مجلس إدارة "الجديد" تحسين خيّاط كان تحدّث عن تهديدات تلقّاها قبل الاعتداء على فريقه الإعلامي. وكذلك يسود الالتباس محاولة اغتيال جحا، بعد عشرين عاماً من اغتيال والده المفكّر، الذي كان داعماً للخطّ السيادي اللبناني.

المطّلعون يقولون: لا أمل يُرتجى في أيّ من الملفّات الثلاثة. وإذا كان أحد ينتظر ظهور معلومات حقيقية في أيّ منها فهو يتوهّم. والدليل إلى ذلك أنّ عشرات الاغتيالات، على مدى عشرات السنين، من كمال جنبلاط وبشير الجميّل إلى رينيه معوّض ورفيق الحريري… وصولاً إلى شهداء "ثورة الأرز" جميعاً، والشهداء الأحياء، تتعرّض للتعتيم المقصود. وما من جريمة تمّ ارتكابها إلّا وأعقبتها محاولات إخفاء للأدلّة أو تهديدات بإقفال الملف. والأبرز في هذا المجال، المسارعة إلى تغيير المعالم في مكان اغتيال الرئيس الحريري مباشرة بعد الجريمة.

في خلال تلك السنوات، أثبتت الأجهزة اللبنانية أنّها فاشلة فقط في ملفّات دون أخرى. فهي فاخَرَت بإنجازاتها في كشف جرائم عادية صعبة، وشبكات للعملاء وأماكن المخطوفين الأجانب… عندما "تنضج الظروف"، وفي القمع! لكنّها تصبح عاجزة ومشلولة تماماً في ملفّات الاغتيال السياسي. ولذلك بدت مطالبة الأمانة العامة لـ 14 آذار بإحالة ملفّ جعجع إلى المحكمة الدولية في محلّها… إذا كان يُراد فعلاً كشف الحقيقة. والبرهان على ذلك هو أنّ الحكومة، التي تقع عليها المسؤولية، لم تبادر حتى إلى إحالة الملفّ إلى المجلس العدلي. فكيف تكون راغبة في كشف ملابسات المحاولة، إذا كانت لا تتعاطى مع الملفّ بحجمه الحقيقي؟ في بعض المراحل والحالات، انطبق على مرجعيّات وأجهزة معينة توصيف "حاميها حراميها" أحياناً، وتأمين الغطاء أحياناً أخرى. هذا ما يقوله مصدر في 14 آذار. وهو يرى أنّ ذلك هو السبب الذي يدفع هذه المرجعيّات دائماً إلى محاولة الإقفال القسري للملفّات والتعتيم على الوقائع. ومن هنا تصدّي هذه القوى لأيّ محاولة دوليّة للتدخّل، بدءاً من ملف الرئيس الحريري. والحرب الشعواء التي خاضتها هذه القوى ضدّ لجنة التحقيق الدولية ثمّ المحكمة الدولية تبرّرها المخاوف عينها من كشف الحقيقة. والمطلوب إبقاء أسلوب الاغتيال صالحاً للاستخدام السياسي إلى ما لا نهاية.

ويسألون بعد عن الحاجة إلى المحكمة الدولية؟

السابق
مغامرة إيرانية في الخليج؟
التالي
توتر بين قباني وشربل