قوانين الآخرين

«اشتقنا الى الديار»، هكذا يشرح الاسرائيليون الذين يعيشون في الغربة عودتهم الى البلاد. «عدنا الى الديار»، يقول المهاجرون الجدد، ممن يرون «ديارهم» لأول مرة مع هبوط الطائرة التي تجلبهم من المنفى. «البيت لا يترك»، يقول السياسيون، وبعد وقت قصير من ذلك يفرون من «بيتهم» وينضمون الى الحزب الخصم. المستوطنون في ميغرون يحتجون بقولهم «انهم يطردوننا من البيت»، ويستعدون للكفاح. «بيت العالم» يسمى المكان الذي يسجى فيه المرء في مثواه الأخير.
«البيت»، كما ترون ليس مجرد تجسد مادي، ملك عقاري، بل وايضا جوهر مرن، يمكن ان يستخدم لاغراض مختلفة جدا. احيانا يدمج نوعين من «البيت»، النفسي والمادي، لاغراض سياسية. يمزج الناس التمسك النفسي بالبيت المادي كي يثيروا الانطباع لدى الغير عن معاناة من يسكن في البيت ويُجبر على هجره. فهذا البائس لا ينتقل الى شقة اخرى، بل «يقتلع من بيته».

بعد وفاة زوجتي تركت البيت الذي عاشت فيه عائلتنا نحو 30 سنة. أسفي على وداع بيتي لم يستغرق أكثر من بضعة ايام. احيانا أشتاق للاشجار التي غرست وربيت في الساحة، ولكني لا أؤمها. فالثمار يقطفها مستأجرو البيت. أحصيت 16 بيتا بين جدرانها سكنت منذ طفولتي. كانت اماكن سكن أحببتها، ولكني لم أحد أبدا عندما اقتلعني تيار الحياة منها. في احساسي يرتبط «البيت» بالعائلة، باللغة، بالثقافة، بعادات المكان، ببعض الكتب وببعض الصور. وليس بالجدران.
هناك من يقول لي ان سهولة تنقلي هي أمر استثنائي، وأن معظم الناس بصعوبة ينقطعون عن بيوتهم. أنا أعترف بذلك ومع ذلك فإني اعتقد بأن البيت كجوهر مادي يلقى عندنا تقديرا مبالغا فيه. رأيي هو ان معظم الناس لا يتمسكون ببيتهم بقوة إلا اذا كان الانتقال الى بيت آخر ينطوي على تردٍ لشروط حياتهم، خسارة مالية، انقطاع عن أبناء عائلة أعزاء أو وداع جيرة ذات خصال مميزة. وهذه حالات شاذة، إن لم تكن نادرة.
أمر شاذ آخر هو الاقتلاع الاكراهي، الذي ينطوي على الاهانة واحساس الضحية. مصاعب مقتلعي غوش قطيف أتفهمها، لأنه ينطبق عليهم كل الخسائر التي أحصيتها أعلاه. فقد أغروا على التصديق بأن تواجدهم هناك مطلوب من اجل مصلحة الشعب، وأنهم خاطروا بأرواحهم، وأنهم نجحوا من ناحية اقتصادية وأقاموا مجتمعات متماسكة، وأنه سلبت أملاكهم واضطر الكثيرون منهم الى تغيير اعمالهم التجارية. وأنهم تعرضوا للخيانة. بالطبع كان من الأفضل لو لم يصدقوا زعماءهم ممن حملوهم على الايمان بأن يد الرب ستتدخل وتمنع مصيبتهم.

قصة مستوطني ميغرون تختلف جوهريا. هذه مجموعة من أبناء الجيل الثاني من المستوطنين. في بيوت أهاليهم تعلموا بأن بعضا من القوانين التي تنطبق على عموم المواطنين لا تنطبق على اليهود في المناطق المحتلة. ففي المناطق المحتلة يمر القانون عبر عدسة مشوهة والواقع معقد بالنسبة لمن يشاهده مثلما هو معقد للطفلة اليس التي علقت في بلاد العجائب.
وعي من يعيش هناك وربما ولد وتربى هناك يشوه لدرجة ان عالمه يختلف جوهريا عن عالم الآخرين. لو كانوا يعيشون في اسرائيل، لكان عليهم ان يدفعوا لاصحاب الارض مقابل الاستخدام الذي قاموا به بأملاكهم، ولكنهم يعيشون في مجرة اخرى، حيث تبني لهم الدولة بلدة في مكان بديل اختاروه – سفح «تلة المخمر» قرب بسغوت.

تهيئة التربة ستكلف 25 مليون شيقل، من جيبك ومن جيبي. وأفترض ان السكان سيطورون اسطورة «الطرد من البيت» وسيربون عليها اطفالهم.

السابق
وماذا اذا لم تكن كاميرات؟
التالي
الفشل الكوري الشمالي