الاخبار: مشروع الـ8900 مليار: سليمان لن يستخدم صلاحياته وبدّو توافق

ستستمر طويلاً الشكوى من عدم وجود صلاحيات جدية لرئيس الجمهورية، إذ إن الرئيس ميشال سليمان قرر عدم ممارسة واحدة من صلاحياته المؤثرة بعدما حانت له فرصة ذلك

خلال الأسابيع الماضية، نفض الزميل أحمد زين في «السفير» الغبار عن المادة 58 من الدستور، بعدما كانت منسية لسنوات. فهي لم تُستخدم مرة واحدة منذ تعديلها في دستور الطائف. وهي واحدة من المواد القليلة التي تنص على وجود صلاحيات تنفيذية ـــ تشريعية لرئيس جمهورية ما بعد الحرب الأهلية. فإذا أحال مجلس الوزراء مشروع قانون معجّل على مجلس النواب، وبدأ الأخير مناقشته، ولم يتمكن من بتّه سلباً أو إيجاباً خلال 40 يوماً، يصبح بإمكان رئيس الجمهورية إصدار المشروع بمرسوم، «بعد موافقة مجلس الوزراء».

طرح زين هذه المادة على بساط البحث الإعلامي والسياسي والتشريعي ربطاً بمشروع الـ8900 مليار ليرة، الذي طلبت فيه الحكومة قوننة إنفاقها الذي زاد على القاعدة الاثني عشرية، أي ما زاد على ما ورد في موازنة عام 2005. وفي مجلس النواب، تعطّل بحث المشروع بفعل «الفيتو» الذي فرضه الرئيس فؤاد السنيورة، طالباً مساواة حكومتيه، وحكومة الرئيس سعد الحريري، بالحكومة الحالية. ما أنفقته الحكومات الثلاث الماضية خارج القاعدة الاثني عشرية، صار مفروضاً على مجلس النواب قوننته. طُرِحَت التسوية التي تضع جميع الحسابات في سلة واحدة، وأعدّت وزارة المال مشروعاً لذلك. بعض قوى الأكثرية الحالية رفض التسوية. فتكتل التغيير والإصلاح وبعض حلفائه يرون في الحسابات غير المقوننة، لحكومتي السنيورة خاصة، ورقة يمكن استخدامها إلى ما شاء الله لاتهام الرئيس الأسبق للحكومة بارتكاب مخالفات أقلها خطورة «إهدار المال العام». ويصل الطموح ببعض العونيين إلى حدّ توقّع إحالة السنيورة وفريقه المالي على القضاء، بالتهمة المذكورة، فيما لو سلك التدقيق المحاسبي طريقه الصحيح، لكشف كل ما أنفق بين عامي 2006 و2010.
عرقل العونيون التسوية، قبل أن يقترح رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان صيغة جديدة لها، «تترك يد السنيورة التي توجعه ممسوكة» من معارضيه. وبناءً على ذلك، قرّر مجلس الوزراء أن يحيل على مجلس النواب مشاريع «قطع حساب» السنوات الماضية، مع تأكيد مرجعية موازنة عام 2005 لاحتساب النفقات. لكن القرار الحكومي أكد أن أرقام «قطع الحساب» تلك غير مدققة. وبالتالي، فإن الجداول المرفقة بقرار مجلس الوزراء ليست بقطع حساب حقيقي، على ما يؤكد أكثر من متابع لهذا الملف.
في خلاصة الأمر، بقي مشروع الـ8900 مليار ليرة رهينة التعطيل الذي فرضته قوى 14 آذار في مجلس النواب. وأضيفت إليه عقدة «قطع الحساب» التي سيضاعف من صعوبة حلها كونها أصبحت في عهدة لجنة المال والموازنة، وديوان المحاسبة. وهي تحتاج إلى أمد غير معروف قبل أن تخرج من المكانين المذكورين، لتسلك طريقها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب.
وأمام حاجة الحكومة إلى إقرار مشروع الـ8900 مليار، أتى ما أثاره زين من إمكان أن يبادر رئيس الجمهورية بعد انقضاء مهلة 40 يوماً على تلاوة المشروع في مجلس النواب، إلى إصدار المشروع بمرسوم، بناءً على صلاحياته الممنوحة له في المادة 58 من الدستور.
قد يسيل هذا الاقتراح لعاب الكثيرين من مدّعي الحرص على صلاحيات الرئاسة الأولى، أو من أولئك الداعين إلى تعزيز تلك الصلاحيات، إذ قلما شعرت الأوساط السياسية بأثر تلك الصلاحيات. فأن يستخدم سليمان ما تنص عليه المادة 58 من الدستور يعطي انطباعاً بأن الأكثرية الحكومية تنوي إثبات كونها أكثرية. وهو يتيح للحكومة أن تتصرف بحرية أكبر، من ناحية الإنفاق المالي، لأنه يرفع سقف إنفاقها القانوني من 10 آلاف مليار ليرة إلى 18900 مليار ليرة. كذلك يسمح إقرار المشروع بمرسوم رئاسي برفع سقف القاعدة الاثني عشرية لعام 2012، «لكن هيهات». فكما في عشرات المحطات السابقة، أبت السلطة الحالية إلا أن تترك زمام المبادرة بين أيدي معارضيها. رئيس الجمهورية ميشال سليمان بحث يوم أمس فكرة المادة 58 من الدستور، مع عدد من المقرّبين منه. جرى التطرق إلى الملف من زاوية سياسية بحتة. فرغم حاجة سليمان إلى أداء دور جدي في العمل التنفيذي، إلا ان تأثير استخدام الصلاحيات المذكورة على علاقة فخامة الرئيس بالقوى السياسية المعارضة، أو بتلك التي تمثل فريق 14 آذار داخل مجلس الوزراء، حسم النقاش في القصر الجمهوري لمصلحة ترك الأمور على حالها. فقرار كهذا «بدّو توافق»، على حدّ قول وزير محسوب على سليمان. ويلفت مقرّبون من فخامة الرئيس إلى أن هذا النص الدستوري لم يُستخدَم أبداً في عهدي الرئيسين السابقين، إميل لحود وإلياس الهراوي، للدلالة على صعوبة استخدامه حالياً. لكن التوافق الذي يريده سيّد بعبدا كان كفيلاً بإقرار مشروع الـ8900 مليار ليرة في مجلس النواب لا خارجه، وبالتالي، انتفاء الحاجة إلى تدخل الرئيس. والمادة 58 ـــ دستور، محفورة حفراً لحالة كهذه، أي عندما يتعطّل دور مجلس النواب من دون أي مسوّغ قانوني يحول دون إقراره لمشروع قانون تطلبه السلطة التنفيذية. في المحصلة، ضاعت فرصة جديدة أمام الأكثرية لتمارس دورها في العمل التنفيذي، وهو ما كان يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى صدور قانون الموازنة الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان. ومن أمام الأخير، ضاعت فرصة التصرّف كحكم بين مجلسي النواب والوزراء، من خلال اتخاذ قرار يحول دون استبداد بعض الأولى بالعملين التشريعي والتنفيذي.
وزير المال محمد الصفدي، «المحروق» على إقرار مشروع قانون الـ8900 مليار، أكد بدوره أنه لن يطلب من رئيس الجمهورية استخدام صلاحياته، رابطاً الأمر بالتوافق بين سليمان وميقاتي ومكوّنات مجلس الوزراء. لكن هذه المكوّنات لن تتوافق على مشروع كهذا، إذ إن من بينها، كالنائب وليد جنبلاط، من ربَط موقفه من الملف المالي بموقف الرئيس فؤاد السنيورة.

السابق
الحدود اللبنانية – السورية
التالي
خلوة المستقبل