نهاية اللعبة!

لا تضيّع سلطة الأسد الوقت للاستفادة من الوقت وتراكم الزمن. ولا تغيّر مدوّنة سلوكها المعهودة. تعتمد النكران على طول الخط. وتدقّ النفير في كل اتجاه ممكن لمواكبة دبيب آلتها الحربية على أرض سوريا وأجساد السوريين.
لكنها منذ عام تماماً، منذ درعا وأطفالها حتى بابا عمرو وأهلها، وحتى اسطنبول ومؤتمرها، لا تريد تلك السلطة أن تقرّ بأنها تلعب في ميدان مُقفل وان اسطوانتها شُرخت بالتمام. وان سلوكها صار يماثل سلوك الانتحاريين. وان رهانها على الوقت طال كثيراً واختلف عما سبق: كان ورقة في يدها فصار عبئاً على رأسها. ولا مرة كانت بضاعتها السياسية كاسدة الى هذا الحد على مستوى العلاقات الدولية. كما ولا مرّة ظهرت "قصّتها" كما هي من دون رتوش وتزويق: سوريا تعني النظام والعائلة ولا شيء آخر. كما ولا مرّة كانت قوات النخبة العسكرية فيها موزعة ميدانياً بهذا الشكل ومنخرطة الى هذا الحد في مواجهة داخلية لا تعوّض "الانتصارات" العابرة فيها، الهزائم الدائمة والتاريخية. كما ولا مرّة، كانت محاولاتها للعودة الى بلاغات وخطابات وبيانات وثقافات المرحلة السابقة، بائسة ويائسة الى هذا الحد.

.. كل تلك العدّة ما عادت تُشترى وتُقبض من أحد. لا من أهل الداخل المقتولين والمذبوحين والمطاردين، ولا من أهل الخارج المختلفين على "كيفية" تنظيم زلزال السقوط وتزويقه وحصر أضراره، وليس على مبدئية ذلك السقوط وحتميته!
لكن مع ذلك، كان لافتا دبيب السياسة والإعلام والأوهام من قبل السلطة الأسدية في الأيام الأخيرة لتتويج قصّة النكران والايغال في لعبة الايحاء والتمويه: يذهب الأسد شخصياً الى بابا عمرو ويعطي بُعداً أسطورياً لـ"المعركة" فيها ويُطلق من على أنقاضها إشارة الانتصار ومعها لعبة الكلام والأوهام.. وينطلق المدد: من بيروت حيث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الى بغداد حيث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الى طهران حيث "رسالة" خامنئي الى ضيفه أردوغان عن "بقاء الأسد" والوقوف الى جانبه، ومعها سيل من التصريحات والتعليقات المتناسلة من ذلك الجذر اليقيني، الى الرابية وساكنها وضيفها "عبد اللهيان"، مروراً على غيرها من مواقع توابع النسيج البعثي الأسدي، من أصغر صويحف حتى آخر تابع ومرشح لمرتبة تابع.. كل تلك المكونات عزفت على نغمة واحدة ورددت الجملة ذاتها، وان تعددت لهجاتها ولغاتها وتقنيوها ومحلّلوها: بشار انتصر. و"موقعة" بابا عمرو كانت الفيصل البتّار في هذا البيان المصيري!

لعبة قديمة. برعت سلطة الأسد فيها على مدى سنوات طويلة، ولكن فقط لرغبة اللاعبين الإقليميين والدوليين في ممارستها! ولانضباب الاجتماع السوري بكل تلاوينه تحت سطوة الأمن ورعبه وإرهابه.
أما اليوم، فإن الملعب برمّته تدمّر ونُبِشَ وبُحِش، وتحوّل الى مجرّد حقل مفتوح للقتل والاجرام. في وضع كهذا يصبح المصرّ على "اللعب" صنواً للانتحاري، أو للناكر، أو البالف. وفي الحالات الثلاث، لا شيء يمت بصلة الى الواقع العاري الذي يقول اليوم، كما قال منذ الأيام الأولى للثورة: السلطة الأسدية انتهت. طالت أيام تلك النهاية أم قصرت.

السابق
هل تكرر اميركا التقييمات الخاطئة لبرنامج ايران النووي كما حصل في العراق ؟!
التالي
فضيحة باسيل: حيث لا يجرؤ الآخرون