الحياة: مصادر وزارية ترى المشكلة في التركيبة وفي اصرار بعض حلفاء عوم على مراعاته بري المنزعج من أداء الحكومة يرفع صوته

توقفت مصادر نيابية ووزارية لبنانية أمام مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى إظهار عدم رضاه عن أداء الحكومة وسألت ما إذا كان يتوخى من انتقاداته لها الضغط من أجل حضّها على الانتاجية عبر التصدي للملفات التي ما زالت عالقة لتوفير الحلول لها، أم أنه يستعد لتطوير حملته نحو فتح ملف التغيير الوزاري لأسباب ليست مرئية حتى الساعة، على رغم ان الأجواء في لبنان لا تسمح بإقحامه في مغامرة سياسية لتعذر التفاهم على البديل، طالما ان رئيس "جبهة النضال الوطني" وليد جنبلاط ليس في وارد التخلي عن حليفه الوسطي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
لذلك تستبعد المصادر نفسها أن تكون لدى بري نية في الاستغناء عن الحكومة الحالية فاختار التوقيت المناسب ليطلق عليها رصاصة الرحمة أو أنه يرعى خطة لإطاحتها. لكنها تؤكد انزعاجه من أداء الحكومة بسبب دورانها على نفسها وعدم قدرتها على الخروج من حال المراوحة التي أوقعت نفسها فيها وأدت الى افتقادها زمام المبادرة وما ترتب عليها من انعكاسات سلبية على الإدارة التي هي في الأساس مشلولة.
وتضيف أن بري ليس من الذين يلعبون من تحت الطاولة لإسقاط الحكومة بالضربة القاضية، لكنه قرر أن "ينزلها عن ظهره" بعدما كاد يفقد الأمل في قدرتها على تحريك الملفات العالقة بغية إحداث صدمة تلقى ارتياحاً لدى الرأي العام بدلاً من ان تتلهى في اختلافات داخلية تطغى على اجتماعات مجلس الوزراء.
وتؤكد المصادر نفسها ان لا اختلاف بين بري وميقاتي على سياسة النأي بلبنان التي يتبعها الأخير في تعامله مع ارتدادات الأزمة في سورية على لبنان في محاولة لتحصينه من الداخل في وجه محاولات استيراد الأزمات من الخارج، وما قد تحدثه من تصدع في الحياة السياسية قد يهدد الاستقرار العام.

وتلفت المصادر الوزارية والنيابية الى ان بري أراد ان يطلق صرخة في وجه الحكومة لعلها تسارع الى تدارك الموقف قبل فوات الأوان، خصوصاً ان ما صدر عنه في اليومين الماضيين لم يحمل أي جديد، وهو أراد التحذير من غياب سياسة الحسم في الملفات التي تطرح على طاولة مجلس الوزراء والتي "تعيدنا الى الوراء لأننا لا نحسن استغلال الفرص وتوظيفها من أجل الارتقاء بالحكومة الى مستوى التحديات التي تدعونا للتماسك الداخلي".
وتتابع المصادر أن بري لم يكتم ملاحظاته التي أدرجها في مواقفه التحذيرية عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ولا عن رئيس الحكومة وحلفائه، بالنسبة الى التردد في حسم الأمر لجهة الإسراع في ايجاد الآلية اللازمة للتنقيب عن النفط والغاز واستخراجه، فيما قطعت اسرائيل شوطاً على طريق استخراجه وربما المباشرة بتسويقه في أقرب وقت. ناهيك بأن بري، وفق المصادر عينها، لا يرى من مبرر لتجميد ملف التعيينات الإدارية بذريعة أن المدخل للولوج اليها يكمن في ازالة الاختلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس "تكتل التغيير والإصلاح" ميشال عون حول تعيين الرئيس الجديد لمجلس القضاء الأعلى. وأن من الأجدى للحكومة ان تباشر بإصدار التعيينات على دفعات بدءاً بما هو متفق عليه ولا يتسبب بأزمة داخل الحكومة على أن يتزامن ذلك مع تكثيف الاتصالات للتوافق على الدفعة التي ما زالت موضع اختلاف.
ويحذر بري، كما نقل عنه النواب، من مغبة الفراغ الذي يهدد الجسم القضائي مع اقتراب إحالة المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا على التقاعد في الأول من تموز (يوليو) المقبل، ويسأل: "هل يعقل ان يبقى هذا الجسم بلا رئيس لمجلس القضاء أو للنيابة العامة التمييزية وكيف يمكن لمجلس القضاء الأعلى ان ينعقد أو للمجلس العدلي الذي يصبح مشلولاً بسبب هذا الفراغ!".
كلمة الفصل
ويأخذ بري على رئيس الحكومة أنه يتردد في حسم موقفه من القضايا الخلافية ولا يقول كلمة الفصل فيها، ما يفتح الباب أمام اجتهادات من هنا وهناك تتسبب في غالب الأحيان في تعميق الهوة في الحكومة، علماً أنه – وفق النواب – لم يوفر جهداً للتقريب في وجهات النظر بين المكونات التي تتشكل منها هذه الحكومة.
ويؤكد بري أن عدم الحسم أخذ يستنزف الحكومة ويفقدها ما تبقى لديها من رصيد في الداخل، "وهذا ما يضطرنا الى اطلاق الصرخة تلو الأخرى، ليس لأننا شركاء في هذه الحكومة فحسب، بل لأننا نخشى من أن نقترب من حائط مسدود لا ينفع لتفاديه اعتماد "المسكنات" أو الحلول الموسمية المجتزأة، لا سيما ان البلد سيواجه أزمة ناجمة عن تدني نسبة التغذية بالتيار الكهربائي يمكن ان تنفجر في وجه الجميع مع حلول فصل الصيف".
وهكذا، فإن بري أراد تسليط الضوء على واحدة من الأزمات التي تعاني منها الحكومة، مع انه يعتقد، كما تقول مصادر وزارية، أن المشكلة تكمن في التركيبة الوزارية، ليس بسبب الاختلاف في الموقف من الأزمة في سورية، وانما لإصرار بعض حلفاء عون على مراعاته في كل شاردة وواردة وبالتالي امتناعهم عن الطلب منه ضرورة التكيف باعتبار انه ليس وحده في الحكومة.
وتؤكد المصادر أن عون يتصرف وكأن الانتخابات النيابية ستحصل غداً وهذا ما بدأ يتسبب بتصدع الحكومة من الداخل نظراً الى تصلبه في مواقفه اعتقاداً منه بأنه قادر على حصر التعيينات المسيحية في الإدارة بـ "التيار الوطني الحر" ولا يأخذ في الاعتبار ضرورة الوقوف على خاطر رئيس الجمهورية ورأيه، مشيرة الى ان حلفاءه، وإن كانوا يشاركون الآخرين شكواهم منه، فإنهم يرفضون تظهير مواقفهم الى العلن لئلا يغضب منهم، وإلا ما الجدوى من المآخذ التي يسمعونها في السر للوزراء الذي يشتكون من أداء بعض وزراء "تكتل التغيير" في الحكومة طالما انهم يلوذون بالصمت لدى طرح أي مشكلة على طاولة مجلس الوزراء…
وزراء "النضال الوطني" لا يواربون
وتضيف المصادر الوزارية ان وزراء "جبهة النضال الوطني" وحدهم يقولون في مجلس الوزراء، ومن دون مواربة ومراعاة لهذا أو ذاك، ما لهم وما عليهم وهذا ما يضعهم أحياناً في واجهة الصدام مع "التيار الوطني" الذي يتبع سياسة تقوم على مقايضته لمواقفه الخارجية والإقليمية وتحديداً من الأزمة في سورية الى حلفاء الأخيرة في لبنان لعله يقبض ثمنها في الداخل سواء في التعيينات الإدارية أم في تحسين شروطه في قواعد اللعبة الداخلية.
وتعتبر المصادر ان من الظلم رمي المسؤولية على عاتق رئيس الحكومة وتؤكد انها مشتركة، وربما هناك قوى مسؤولة أكثر منه في اعاقة تحريك عجلة الدولة من جهة، وفي الضغط على الحكومة للتشفي من تيار "المستقبل" من جهة ثانية، اضافة الى ان عون يتبع سياسة في تأييده للنظام في سورية أقل ما يقال فيها انه يزايد على حلفائه لإحراجهم أمام الرئيس بشار الأسد.
وترى ان لبنان يمر بأزمة سياسية خانقة على قاعدة استمرار المبارزة بين رهانين: الأول يتصرف على ان النظام في سورية باقٍ وسيخرج من أزمته، والثاني يعتقد أنه لن يتمكن مهما طال الوقت من البقاء على قيد الحياة بالمعنى السياسي للكلمة، مشيرة الى التأزم الذي أدى حتى الساعة الى شل قدرة الحكومة على إثبات وجودها، ليس لغياب الرؤية الواحدة، وإنما لإصرار البعض على إلزامها بأجندات لا تحتملها وبالتالي للإبقاء عليها في "الأسر" إلا إذا تحولت الى رأس حربة لمشروعه السياسي ولطموحاته "الثأرية" ضد قوى 14 آذار.
وتؤكد ان ميقاتي حريص على تفعيل الحكومة لكن أين خريطة الطريق التي تتيح له تفكيك الأفخاخ المنصوبة له في داخلها بما يفرض على "التيار الوطني" تواضعه بدلاً من التصرف على أنه وحده من يريد الإصلاح والتغيير!  

السابق
الأنوار: حليب واغذية فاسدة للاطفال
التالي
الشرق: اوروبا تفرض عقوبات على نساء النظام