الشاعرة سناء البنا: ابحث عن نكهة الآخر

تميزت سناء البنا كشاعرة بإحساسها المرهف الوجداني لتدخل في ميدان الكلمة الراقية. لغة مكتوبة بحرارة وعاطفة متدفقة وإحساس عميق تستخدم أسلوباً بلغة شاعرية فلسفية صادقة، وببلاغة جميلة. في لقاء معها تتحدث الشاعرة سناء البنا إلى "شؤون جنوبية" عن عالمها الشعري..
• كشاعرة من جبل لبنان كيف تنظرين إلى الجنوب، وهل يعني لك ما يعني لأبنائه؟
أستغرب أن تسأل شاعرة لبنانية عن علاقتها بأرض الجنوب، وكأن تسأل عن علاقة رأسها بجسدها فكل ما يمتلك من مشاعر وطنية أغناها عشقنا وخوفنا واهتمامنا بتلك المساحة المتألمة من أرض الوطن. الجنوب حالة تفوق الحب وتتخطى العلاقة بالأرض، هي نتيجة ما نمتلك من هم رافقنا مدى عمرنا وخوف على حبة التراب ونقطة الدم.
• لنعد إلى الديوان ما هو المقصود من العنوان، ولمن تتوجهي به "آدم وتاء الغواية"؟
كان الخيار نتيجة يقيني أن بين آدم وحواء قصة أثيرية لا تمت للعين بصلة هي أقرب إلى رؤية لا واعية تشد كل منهما للآخر، كيمياء تتميز بالقدرة على التأثير من خلف حواجز الجسد المادية لتكون حالة انجذاب تتمثل بنظرة أو كلمة تحسب غالباً على الأنثى، فالغواية ليست ذبذبات "عيباً" إنما هي ذبذبات حركية تستدعي الآخر، وقد تكون خلف ألف خمار أو في أعماق نظرة صامتة أو حركة خصلة شعر. فهي ليست كما تقول العامة "استدراج نحو الخطيئة".
• الغواية هل تتجسد بالمرأة؟
الغواية تهمة ألصقت بالمرأة منذ الأزل، لكنها ليست عيباً يلحق بحواء، فهي تمثل الجمال ودعوتها الإغوائية إلى آدم مقدمة لفتح باب الحياة الواسع، هنا الغوايات بعيدة عن الجسد هي قراءة روحية للآخر لإثبات إلى أن الروح غاوية أكثر من الجسد.
• هل يوجد حرية للتعبير بالمجتمع العربي؟
وحدوية المجتمعات العربية تفرض محاذير جمة، فالإفصاح لا يمكن أن يبتعد عن القيم، من هنا لا شك أن النص مقيّد بكثير من العثرات، إنما حاولت أن أسكب الواقع بصراحة منمقة تقترب وتبتعد من المحاذير، الحياة هي الحياة والكلمة تأتي من صلب الواقع، لتقول نفسها من دون خبايا، الشعر لغة يتنفسها الشاعر مسقطاً أحاسيسه وشعوره من دون الابتعاد عن حقائق معاشة هي صرخات ألم، ورفض وشوق وحب، تصل إلى حد الجهارة حيث لا يمكن أن يعيد من ابتهالاته وسط لغة واضحة صارخة وصريحة.
• تتكلمين عن لغة واضحة وصارخة وصريحة هل هذا البوح عن الرجل يتقبّله مجتمعنا العربي؟
"آدم وتاء الغواية" نصوص نثرية تحكي قصصاً من واقع الحياة في كل المجتمعات العربية، المشكلة أن الإفصاح ممنوع في بعض الأحيان لكن لا بد من خوض المعركة لإيصال رسائل قد تكون مدرسة اجتماعية. رغم بعض الانتقادات، من هناك وهناك، لم أجد ما يدعو إلى حذر، فالحب والجسد حالة طبيعية بين ثنائي الحياة إنما الابتذال مرفوض، وغالباً هو في الشعر لغة ذكورة لا تليق أن تحاكي بها شاعرة القارئ، البوح ليس محرّماً والجسد لغة ناطقة يفهمها الجميع. دعوتي في كتابي كانت للحب العاقل المتزن.
 الانتظار خير من الوصول
• يلاحظ في "آدم وتاء الغواية" بأنك في حالة انتظار دائمة للرجل وتصفيه بالغائب؟
الانتظار هو شيء من التروي كأنما الخوف يرافق كل محطات اللقاء "خوف من الغيبة" فآدم رمز متكامل للقيم والمبادئ والأخلاق والمحبة فيه شيء من أبوة صادقة وكثير من حب. واحترام التكامل مطلب وجودي لمن تكون ركيزته في احتواء الآخر "العقل" ثمة فلسفة أؤمن بها تقول "الانتظار خير من الوصول"، فالوهج والشوق والرغبة قد تعطل عمل الاختيار، فتنجرف الرغبة باتجاه الخيبة، لا بد من فهم عميق للآخر بكل تفاصيله، والغوص في التجربة حتى آخر رمق لتأتي النتائج بأحلى الصور، الرجل للمرأة هو نصفها الآخر، نصف يتحمّل معها الحياة الشاقة.
إن دعوتي لآدم صرخة أنثى تقرأ نفسها ورغباتها جيداً، تدرك بالفراسة أحلامها الهادئة تدعوه أن يكون مختلفاً في زمن تلوثت فيه العلاقات وأخذت مداراً وسيلة الجسد الذي يدخل دائماً في الرقابة، الرجل حاضر دائماً في أحلامي، غائب عن وجوه تعبرني، وكأنه يرافقني في حياة أعيشها خارج المدار أشتاقه ذرة… ذرة وأحبك كثير من توق، هو الآخر الذي لا يتوفر بين العابرين المُتلهّين بقشور حب مادي وكأنها من دون إرادة دعوة إلى التصوف للاتحاد بمعشوق على شكل غياب.
• تقولين في مقدمة ديوانك يربّيها طاهرة وعلى أسرّة رغباته تستلقي ألف عاهرة ماذا تعنين بهذه الجملة؟
المصادفة أني آتية من مجتمع المبادئ والقيم والمحرّمات اللامحدود، حيث كان ممنوع علينا حتى اختيار كتاب نقرأه، الصدمة كانت في الانفصام بين ما تربينا عليه وبين ما هو مطلوب في المجتمعات والعلاقات بين البشر، مثلي مثل كل أنثى شرقية، واجهت اضطراباً مؤلماً لأتصدّى لكل المغريات، فكان التماشي مع العصر محبوكاً بكثير من الألم والغربة، ما نتج عنه شبه انعتاق وتكون عالم خاص، المقصود بهذه العبارة، دعوة إلى فتح نافذة على طبيعة الحياة العادية أمام الفتاة لتدرك جيداً دربها من دون عقد ولا معاناة، فالرجل يحلل لنفسه ما يحرمه على أهله من دون أن يجيد لغة الحوار.

بحثا عن نكهة الاخر
• كيف تصفين الحداثة في الشعر؟
الشعر هو بن العصر، ونحن في زمن الانفتاح العالمي حيث يتجه كل شيء بخطى ثابتة نحو السلاسة والبساطة والاقتضاب، فكلما "ضاقت العبارة اتسعت الرؤية" من هنا لم يعد للقصيدة وقع المدى اللامحدود المشغول بوزن وقافية، دخلت الصورة المحبوكة بأبعادها كافة لتأخذ رونق القصيدة، بالتأكيد لن تغيب جماليات القصائد العمودية وكل ما تحمله من تراث وموسيقى عن ثقافتنا فهي مدماك شعري لا يزول، إنما حاجة القارئ تماشي العصر ورغبته تتراوح بين محبذ ومعارض، بالنسبة لي تقولني كلمة قصائدي حرّة من أي قيد إلا من مضمون الإحساس العالي، تأتيني من خضم الصخب الداخلي، وتنثر نفسها حرّة على أوراقي حتى نهاية السطر.
• ماذا بعد "آدم وتاء الغواية"؟
الشعر في داخلي لا يتوقف، أتنفسه مع الحياة لأستمرّ، هو نبع حياة وسط الجحيم سأكون دائماً وقريباً على موعد مع كل بوح جميل لأشعر بنكهة الآخر وسط غياب منتظر. سأقلب دوماً في أوجه العابدين لاصطاد قصيدة هواء تمدني بالقدرة على البقاء حيث تتوق نفسي أن تكون هناك عند أدراج الكلمة سأبقى أنتظر القصيدة.
 

السابق
حسين الموسوي: المشاغبون على سلاح المقاومة يعبرون عن التزامهم بالمصالح الاميركية والاسرائيلية
التالي
بري : سياسة النأي بالنفس حكيمة لأن لبنان ينفعل ولا يفعل