ماذا يعني العثور على كنز بترولي مدفون في بحر لبنان ؟

ما إن أقرّت الحكومة اللبنانية، في جلستها الأخيرة، مرسوم تشكيل «هيئة إدارة قطاع البترول»، حتى عبّر السياسيون عن «مفاجآت» واعدة ينتظرها اللبنانيون في «الأيام المقبلة»، وراح البعض الآخر يهنئ «الشعب» بالثروة المدفونة في قعر البحر اللبناني.
ووسط ذلك، يحاول اللبنانيون فك طلاسم التصريحات البترولية، على نحو يتخطى الصعوبة التي تواجههم في حلّ «شيفرة» تصحيح الأجور.
فقد اتسمت التصريحات «البترولية» الرسمية باقتضاب، يفيد بأن «المراسيم قد صدرت»، والخطوة المقبلة تتمثل بـ«تلزيم الشركات بعمليات التنقيب»، ثم يبقى استخراج الكنز من البحر، حتى يتحوّل لبنان إلى بلد بترولي، ويزدهر الاقتصاد، فيعيش المواطنون بخير وهناء اقتصاديين.
وبذلك، تُشرّع بعض الأسئلة: أين لبنان من «الكنز» فعلياً؟ ما هي الخطوات الحالية والمقبلة؟ هل اكتشاف البترول يجري بين ليلة وضحاها، ثم يتم استخراجه في الليلة المقبلة، ويعمّ الازدهار؟ ما هي مهام هيئة إدارة قطاع البترول؟ كيف ينعكس النفع على المواطن؟ هل حماسة السياسيين لاستخراج المنتجات البترولية… بريئة؟

الاستطلاع أولاً..

أولى مراحل الدخول جدّياً إلى عالم البترول، تتمثل بالاستطلاع، حيث يُصار إلى إجراء مسح ثنائي أو ثلاثي الأبعاد في المياه اللبنانية، ثم يقوم الخبراء بمعالجة وتحليل النتائج، قبل البدء بعمليات التنقيب التي تحدّد الكمية الفعلية، وأنواع المواد البترولية في المكمن.
ويحاول الخبراء الرسميون، وغير الرسميين، في ملف البترول (وهو مصطلح يشمل منتجات النفط أو الغاز الطبيعي)، الابتعاد عن التكهن في ما يتعلق بكمية البترول الموجودة في المياه اللبنانية، إلا أنهم لا يخفون تفاؤلهم.
ويستند هؤلاء، بتفاؤلهم الحذر، إلى الكمية التي تم اكتشافها، مؤخراً، في حقل الحوض المشرقي قبالة فلسطين المحتلة (16 تريليون قدم مكعّب من الغاز)، وهو حوض تتشارك فيه المياه اللبنانية.
ويستطيع العدو الإسرائيلي، وفقاً للخبراء، أن يستفيد من الكمية المكتشفة، تجارياً، لأكثر من خمسين عاماً، وهي بالتالي كمية وافرة، ومن غير المستبعَد أن يحظى لبنان بكميات مشابهة.
وينتظر المعنيون الانتهاء من مسح ثلاثي الأبعاد يُجرى حالياً من بيروت إلى الشمال، بعدما سبق وجرى مسح ثنائي الأبعاد دلّ على وجود كميات وافرة من البترول في المياه اللبنانية، إلا أن المسح الحالي يحدّد المعلومات بدقة أكثر تقنية، ويستغرق إتمامه أقل من ثلاثة أشهر.
وفيما تبيّن المعلومات الأولية وجود البترول على بعد حوالى ستين كيلومتراً من الشواطئ اللبنانية، ترجّح احتمالات الخبراء تواجد الكميات الوافرة في عمق المياه اللبنانية جنوباً، بينما تتوزع المنتجات المتبقية على طول المياه اللبنانية في الأعماق، بعيداً عن الشواطئ. علماً أن المسح أُجري بعيداً عن الشواطئ بمسافة خمسة كيلومترات.
وبموازاة الخطوة الأولى، أي الاستطلاع الحالي، يتعين الإعلان عن الأعضاء الستة في هيئة إدارة قطاع البترول، في فترة يُفترض أن تقل عن شهر كحد أقصى، لكي تجتمع، ثم يُصار إلى إقرار المراسيم التطبيقية – التي سبق وتم إعدادها سلفاً وباتت جاهزة الآن – في مجلس الوزراء، وتصدر في الجريدة الرسمية.

التراخيص.. ثم التنقيب

بعد إصدار المراسيم التطبيقية، والتي يبلغ عددها 13 مرسوماً أساسياً، يتولى وزير الطاقة والمياه بالتنسيق مع الوزارات المعنية، وبعد موافقة مجلس الوزراء وبناء على دراسة تضعها الهيئة، إجراء التحضيرات اللازمة لإطلاق دورة التراخيص الأولى أمام الشركات الأجنبية، وفقاً لأحكام قانون الموارد البترولية.
وتكون المراسيم قد لحظت تقسيم البحر اللبناني إلى مناطق («بلوكات») ورقّمت كل منطقة، وبالتالي فإن التراخيص ستُمنح لأكثر من شركة تنقيب عالمية.
وتسبق عملية تلزيم الشركات خطوة أساسية، تتمثل بتحديد نوعية وصلاحيات العقود التي ستبرم مع الشركات، وكيفية تحديدها منافع الدولة والشركة: عقد مشاركة (تأخذ الدولة كمّية من الإنتاج) أم عقد امتياز (مبلغ مقطوع)، أم عقد مشاركة وامتياز (وهو يعد الأفضل لمصلحة لبنان)؟
ومن المعروف في عالم البترول، أن مفاوضي الشركات العالمية يتمتعون بخبرات عالية في المناورة وكسب نقاط الربح، فضلاً عن محاولاتهم «تفخيخ» بعض العقود لضمان رفع أرباحهم، فيما سبق وجرّب لبنان مفاوضين أفضت مفاوضاتهم إلى انتزاع قبرص مئات الأميال من مساحات لبنان البحرية!
وبعد مرور ستة أشهر من فتح باب التراخيص، يرفع وزير الطاقة والمياه تقريراً عن نتائج المفاوضات التي أجراها مع المتقدمين المؤهلين إلى مجلس الوزراء، مرفقة باقتراحاته لتوقيع اتفاقية التنقيب والاستخراج، علماً أن المدة الزمنية لعملية التنقيب يجب ألا تتخطى عشر سنوات، فيما يجب أن لا تتجاوز مرحلة الإنتاج ثلاثين عاماً.
وتستغرق عملية التنقيب، كحد أدنى، حوالى ثلاث سنوات، لا يعود خلالها أي نفع مادي على الدولة، إلى حين تحديد أنواع المنتجات البترولية الموجودة في المكمن ومساحتها، ثم بدء الإنتاج والتطوير، وبالتالي بدء استفادة الدولة من المبالغ المالية من جهة، والمكتسبات المتفق عليها مع الشركات من جهة ثانية.
 

الأنشطة البترولية
تُعرف عملية الاكتشاف، وفقاً للمصطلحات البترولية، بأول تواجد للبترول يُعثر عليه، من خلال حفر بئر، في مكمن في باطن البحر، والذي يمكن استخراجه إلى السطح من خلال الأساليب الحديثة المتبعة في الصناعة البترولية.
أما الاستكشاف، فتتمثل بحفر آبار لاستكشاف أو تقويم محتوى المكمن، وتشغيل واستعمال المنشأة إلى الحد الممكن استعماله لغرض الحفر الاستكشافي.
ويشير الخبراء إلى أن تكلفة حفر بئر واحدة لا تقل عن مئة مليون دولار، وهي تكلفة ترتفع استناداً إلى عمق المياه اللبنانية وطبيعة الطبقات الجيولوجية.
وللعثور على مواد بترولية، يتوجب على شركات التنقيب حفر أكثر من بئر واحد، وبالتالي ترتفع الكلفة المادية، علماً أن نسبة نجاح الوصول، من خلال الحفر، إلى مواد بترولية في المياه اللبنانية هي واحد من خمسة: أي من بين حفر خمسة آبار، يمكن الاستفادة من بئر واحدة. وهي نسبة مقبولة ومشجعة عالمياً.
وبعد عملية الاستكشاف، يُصار إلى عملية الإنتاج: استخراج البترول من المكمن، من خلال حفر آبار الإنتاج إلى المكمن المقصود وحقنه، كجزء من النشاط البترولي، ثم تطوير المنتج وتحسينه ومعالجته، فتخزينه لنقله وشحنه، ومدّ خطوط الأنابيب، ثم الاستثمار.
وتُعرّف المنشأة بأنها محطة (وتُعتبر من المرافق)، أو تجهيزات أخرى مخصصة للأنشطة البترولية، باستثناء المركبات والسفن التي تنقل البترول بالجملة، وتشمل الأنابيب والكابلات المستخدمة للغرض ذاته.

مهام وصلاحيات هيئة الإدارة

يُعيّن مجلس إدارة الهيئة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الطاقة والمياه، وهي تتمتع باستقلال مالي وإداري وترتبط بالوزير، الذي يمارس عليها «سلطة الوصاية»، وفقاً لقانون الموارد البترولية في المياه البحرية.
وتُناط بهيئة إدارة الموارد البترولية البحرية الصلاحيات التالية: وضع دراسات لترويج الموارد البترولية المحتملة في لبنان، ورفع تقرير إلى الوزير حول تقويم مؤهلات وقدرات مقدّمي طلبات الترخيص للحقوق البترولية، وإعداد مشاريع دعوات المشاركة ودفاتر الشروط والتراخيص والاتفاقيات.
ومن صلاحيات الهيئة معاونة الوزير بالتفاوض حول اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج، ورفع تقارير حول نتيجة المفاوضات للوزير، بغية اتخاذ القرار النهائي في مجلس الوزراء.
كما يترتب عليها إدارة ومتابعة ومراقبة الأنشطة البترولية، والإشراف على حسن تنفيذ التراخيص والاتفاقيات، ووضع تقارير دورية فصلية ثم رفعها للوزير للتصديق عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق على الأسماء بات وجيزاً، مع مراعاة التوزيع الطائفي، فيما السؤال المطروح: هل ترجح كفة السياسة على كفة الكفاءات المهنية في انتقاء الأسماء؟ ماذا عن الخبراء الذين واكبوا ملف البترول منذ بداياته، هل من الممكن أن يكونوا ضحايا اللعبة السياسية اللبنانية؟

نفع مباشر.. أو كازاخستان؟

تنص المادة الثالثة من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية أن «العائدات المحصلة من قبل الدولة الناتجة عن الأنشطة، أو الحقوق، البترولية، تودع في صندوق سيادي».
ويُحدّد نظام الصندوق وإدارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات، بموجب قانون خاص، بالاستناد إلى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته، بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة.
وتضيف المادة الثالثة: «يُنفق الجزء الآخر وفقاً لمعايير، تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أي انعكاسات سلبية محتملة، على المدى القصير والطويل».
ووفقاً للمسوحات الأولية، يتفق الخبراء على أن عائدات البترول على الدولة اللبنانية، ستكون قيمتها بمليارات الدولارات إن توافقت مع التحليلات الأولية، وذلك من دون أن ينفق لبنان أي ليرة واحدة، بما أنه صاحب المياه التي يستقرّ «الكنز» في قعرها.
وترافق عملية الإنتاج والتطوير والتصدير، عوامل ومخاطر عدة، أبرزها مكانة العملة المحلية، وتأثر الصادرات غير البترولية، وأوضاع اليد العاملة والنزوح إلى المناطق البترولية، والوضع البيئي، والصراع بين الطبقات السياسية – الطائفية، وغيرها من المخاطر التي تقابلها منافع حتمية.
غير أن هذه المنافع يمكن أن تكون بعيدة عن المواطن اللبناني، كما الحال في كازاخستان، التي أنتجت أكثر من 37 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في العام 2010، ومع ذلك فإن المواطن الكازاخستاني يعيش إلى جانب.. خط الفقر!
وفيما يعوّل كثيرون على تغيّر واقع لبنان الاقتصادي الراهن إلى بلد غنيّ بالبترول، فثمة خبراء يطالبون بضرورة وجود وعي وطني عند المواطن، يخوّله عدم الاتكال على الوعود البترولية وبالتالي الانتظار لأعوام عدة، إذ أن أي تحسّن إيجابي للمواطن يرتبط بأداء الدولة: إما تكون نزيهة وحكيمة، وإما ترضخ لإشباع رغبات وحاجات أمراء الطوائف المالية.
ويؤكد الخبراء توافر عشرات السبل للاحتيال وسرقة أموال المواطنين من دون أي رادع أو رقيب، بدلاً من أن تتحول العائدات إلى صندوق سيادي، ويُستفاد منها كرأس مال لمشاريع تعود بالنفع المباشر على كل المواطنين والأجيال المقبلة.
ومن بين سبل السرقة، إمكانية لجوء جهات رسمية معنية بملف البترول في الدولة، إلى الاستفادة من اتفاقية المشاركة بالكميات، من خلال اتفاق ضمني مع الشركة المنتجة، تنصّ على إعلان كمية وهمية من المنتجات التي يتم استخراجها.
وعلى سبيل المثال: تستطيع الشركة، في حال غياب الرقابة الرسمية أو وجود تواطؤ رسمي هدفه السرقة، أن تدّعي بأنها استخرجت ثمانمئة ألف متر مكعّب (رقم تشبيهي) في فترة زمنية معينة، فيما الرقم الحقيقي يكون مليون متر مكعّب.
وبذلك، يستفيد النافذون في الدولة، أو أصحاب الصفقة، من المئتي ألف متر مكعّب، من خلال تصريفها في السوق السوداء، لقاء منافع تُمنح للشركة، كإعفاءات ضريبية أو غيرها من المنافع… «اللبنانية». 

السابق
زهرا: على الجيش اللبناني ضبط الحدود
التالي
عَبَدة الشيطان ينتشرون في لبنان !!