عن حكومة لبنان المنحنية أمام الغرب

لم تعترض الحكومة اللبنانية بعد، ولا فعل وزير الخارجية المعين من قبل حزب الله وحركة امل عدنان منصور، على الزيارة المرتقبة لناظر القرار 1559 تيري رود لارسن الى لبنان خلال هذا الاسبوع برفقة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون. فقط ثمة موقف صدر عن رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك اعلن باسم اللبنانيين ان بان كي مون ولارسن غير مرحب بهما. والجدير ذكره ان لارسن، الذي انقطع عن زيارة لبنان منذ نحو اربع سنوات، بسبب تصاعد نبرة الاعتراض من قبل حزب الله وفريق 8 آذار عموما على المطالبات الدولية بتنفيذ القرار 1559، يعود اليوم الى بيروت، على ما اعلنت دوائر الامم المتحدة والسلطات اللبنانية. لكن لم تتضح بعد درجة الاعتراض التي عبر عنها الشيخ يزبك، وإذا كان سيصل عدم الترحيب اللبناني بالعائد بعد غياب الى حد تنظيم الاحتجاجات الشعبية وتسيير التظاهرات العفوية او المنظمة الى مطار بيروت او سواه.

وقد تحدثت صحيفة "النهار"عن علمها أن "حزب الله" بصدد إصدار بيان رسمي مماثل لتصريح يزبك، الذي استبق به الزيارة الدولية المقررة في 13 كانون الثاني الجاري.
ولعلّ من المفارقات ان ينجح الغرب الاستعماري، بشعبتيه الاميركية والاوروبية، في ان يقيد حركة الحكومة بثوابتها في لبنان، واي حكومة؟ تلك التي شكلها النظام السوري وحزب الله، أي حكومة "رأس حربة" محور الممانعة.
ومن كان يصدق، حين اطل السيد حسن نصرالله "مبشرا" بسقوط سعد الحريري وحكومته وتسمية بديله الرئيس نجيب ميقاتي وحكومة الممانعة قبل اكثر من عام، ان هذه الحكومة، التي حققت "إنجازات مهمة"، بحسب رأي السيد نصرالله قبل اشهر قليلة، سيكون اهم انجازاتها هو تمويل المحكمة الدولية، على ما يتباهى رئيسها والمحيطون به امام جمهوره وامام الخارج. فقد اقر التمويل بجهد سياسي اقل مما بذل ويبذل اليوم لاقرار مرسوم تصحيح الاجور، وبالتأكيد اقل مما يصرف من وقت ومقايضات داخل الحكومة في ملف التعيينات الادارية. علما ان المحكمة الدولية هي "مؤامرة اميركية اسرائيلية على لبنان"، إستنادا الى الاكثرية في الحكومة، فيما تصحيح الاجور، مهما تضمن، لم يصل احد الى وصف اقراره او تعديله او الغائه بأنّه "مؤامرة"…
الغرب الاستعماري بشعبتيه الاميركية والاوروبية هو نفسه الذي شكرته ايران على انقاذ بعض البحارة الايرانيين من أيدي القراصنة الصوماليين قبل يومين، وهو نفسه الذي شكره معظم حلفاء ايران في العراق على اسقاط نظام البعث في هذا البلد قبل سنوات، هو نفسه أيضا يفرض ثوابته في لبنان.
فهذه الحكومة، التي يفترض ان تشكل المتنفس للنظام السوري بسبب الموت البطيء الذي يعانيه، إستطاع هذا الغرب ان يقيد حركتها ويفرض عليها ان تعلن انها بمنأى عما يجري في سورية، وجعلها في موقع العاجز عن تأدية دورها بمبادلة النظام السوري بشيء يسير مما قدمه لها: وجودها. حتى انها اربكت حيال استجابة الحكومة الايطالية الغربية لزعيم المعارضة السورية برهان الدين غليون فارسلت منتصف الشهر المنصرم طائرة محملة مساعدات عينية الى مطار بيروت للنازحين السوريين في لبنان (اللواء-الجمعة)

بطبيعة الحال يحاول بعض اطراف الحكومة التعويض عن هذا التقصير بدعم النظام من خارج الحكومة، ولكن "حذار استخدام الحكومة وسلطاتها الدستورية على هذا الصعيد"، يقول الغرب "الاستعماري"، وتلتزم الحكومة صاغرة في نهاية الامر.
غريب في هذا البلد، حيث تنطح كثيرون من اصحاب الرؤوس الحامية في وقت سابق لمواجهة التآمر الغربي والعربي، تصطك ارجلهم (ربما بسبب ثقل ما في جيوبهم) حين يعطي هذا الغرب اشارة الى انه يمكن ان يعتمد بعض الاجراءات الاقتصادية حيال بعض البنوك، وقبل ان يتحدث حتى عن مسلسل عقوبات اقتصادية او سياسية.

زيارة لارسن الى بيروت بعد غياب جزء من الاشارات السياسية الدولية الى لبنان تتلقاها الحكومة اللبنانية بطيبة خاطر، رغم المواقف الصارخة من خارجها، وهي تذعن لكل المتطلبات الدولية الفعلية. فالمجتمع الدولي الذي يحمل الى لبنان المزيد من طلبات الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية يستبعد، بحسب المراقبين، التدخل العسكري في سورية، في ظل كلام تردد مفاده ان لارسن يأتي إلى لبنان لنقل جزء من اصحاب القبعات الزرق الى الحدود مع سورية لمراقبة الحدود وضبطها.
فالإماتة البطيئة للنظام السوري تتم عبر تشتيت المركزية المكانية للثورة، وتراجع حجم المتردّدين في الانخراط بالثورة، الذين بدأوا يلمسون يأس النظام، والاماتة البطيئة تتم عبر تضييق الخناق عليه وزيادة الحصار الاقتصادي، وهو السيناريو الذي يجعل النظام وحلفاءه أمام عجز متماد عن حسم الامور، وعرضة لخسائر متزايدة على مستوى الشعب والمؤسسات وبالتالي السلطة. وهو في نهاية المطاف مسار يصبّ في صالح المعارضة باعتبارها لا تملك ما تخسره الا الثبات على الموقف الذي يشحن طاقته ويثبته دم السوريين ونضالاتهم منذ اكثر من عشرة اشهر… وفي لبنان المرآة لا يبدو ممثلو النظام أكثر حظا أو قوة.

 

السابق
سرقة زيت زيتون بقيمة 3000 دولار من منزل في يارون
التالي
اللواء: سليمان اطّلع على خطة تعيين عمداء اللبنانية ويرعى اليوم مؤتمر لبنان والنظام النسبي