على أميركا التواصل مع حزب الله وتسهيل عملية انتقاله

رأى الباحث فيليبو ديونيجي، الذي يعد دراسة الدكتوراه في كلية لندن للاقتصاد، حول "حزب الله"، أن ثمة دلائل تشير إلى عملية "تطبيع سياسي" يقوم بها الحزب، ليصبح أشبه بالأحزاب الإسلامية التي "تكسب زخماً" يوما بعد يوم في العالم العربي، ما يشكل فرصة أمام "اللاعبين الدوليين" للتواصل مع الحزب بدلاً من عزله بلا طائل.
وقال ديونيجي، في تقرير نشره موقع "اوبن ديموكراسي" البحثي الأميركي، تحت عنوان "لبنان: الهدوء قبل العاصفة؟"، إن الربيع العربي الذي سبغ العام 2011 أنحى بلبنان بعيداً عن دائرة الضوء السياسي، وهكذا "بقيت هذه الدولة التي تعد واحدة من أكثر دول المشرق اضطراباً، مستقرة نسبياً"، لكن "مستقبلها يحمل الكثير من الفرص والمخاطر".
وفي تشريحه لما أسماها "متاعب حزب الله"، قال ديونيجي إن المصادقة على تمويل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري تشير إلى أن "حزب الله بات أضعف"، وأنه "مهتم بالحفاظ على الحكومة كما هي، بدلاً من المجازفة في الانزلاق في أزمة سياسية غير واضحة المعالم والآفاق".
 
وتابع ديونيجي أن وضع الحزب "صعب" حالياً، فهو "مشتت بين هويته السياسية التي ترفع من المقاومة والتحرير شعاراً لها، وبين قيوده الاستراتيجية، التي تجعل منه حليفاً لسوريا وعضواً في محور المقاومة"، ما يجعل من "الصعب التكهن بكيفية خروجه من ظلال أحداث 2011".
ولكن ثمة ما يؤشر إلى "انبثاق "حزب الله" أكثر تسييساً"، على حد تعبير الباحث في "أوبن ديموكراسي"، مذكراً بما قاله له قبل شهرين النائب علي فياض، بأن "الوثيقة السياسية التي أعلن عنها الامين العام السيد حسن نصر الله في 2009، هي جزء من وثيقة أشمل، وهي قيد الحصول على مصادقة مجلس شورى حزب الله".
هذا الحزب "الأكثر تسييساً" يبدو لديونيجي وكأنه "يحاول شق طريق لأجندة سياسية، إعداداً لسيناريو يصبح فيه "حزب الله" أشبه بالأحزاب السياسية التي نراها تكسب زخماً في مصر وتونس" حالياً.
كما ان "إعادة تعريف" مفهوم "المقاومة" على انها "أداة للردع"، يحمل دلالة على "التطبيع السياسي" الجاري داخل الحزب، برأي ديونيجي.
من هنا، دعا الباحث في "اوبن ديموكراسي" "اللاعبين السياسيين الدوليين الى محاولة تسهيل عملية انتقال "حزب الله" الى هذا التطبيع السياسي، بدلاً من عزله أكثر، ومحاولة استفزاز رد فعل من الجناح العسكري" للحزب.
في السياق ذاته، قال الصحافي الأميركي المستقل بيتر آيه بوكسبوم، الذي يكتب منذ 20 عاماً في شؤون الدفاع والأمن، في تقرير نشرته "شبكة الأمن والعلاقات الدولية"، ومقرها زيوريخ إنه "عندما دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض في مطلع 2009، تعهد بتبني نهج جديد في سياسة بلاده الخارجية"، أبرز سمات هذا النهج كان "التواصل مع اللاعبين غير الحكوميين".
ففي العام 2010، أطلقت وزارة الخارجية الأميركية مبادرة غير مسبوقة سميت "المراجعة الرباعية للدبلوماسية والتنمية"، وهي تضاهي في أهميتها، "مراجعة الدفاع الرباعية"، وهو تقرير تعده وزارة الدفاع الأميركية كل أربع سنوات بهدف تحليل الأهداف الاستراتيجية والمخاطر العسكرية المحتملة.
لعل أبرز ما جاء في المراجعة الدبلوماسية التي حملت عنوان "القيادة عبر القوة المدنية"، كان تحديدها لمسار الدبلوماسية الأميركية وضرورة "انخراطها أبعد من الدولة"، بمعنى ان تشمل الجهود الدبلوماسية الأميركية اللاعبين غير الحكوميين، باعتبار ان "حل النزاعات هو غاية مركزية للامن القومي"، حسبما شرح بوكسبوم، في التقرير الذي نشرته الشبكة في 29 كانون الأول الماضي.
لكن وفقاً لتقرير أعدّه المسؤول في الخارجية الأميركية بايتون نوف، ونشره "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي في تشرين الأول 2011، "لم تُبذل جهود كافية لإعداد الدبلوماسيين الأميركيين من أجل تحليل اللاعبين غير الحكوميين الأكثر نفوذاً والمشاركين في النزاعات حول العالم، والتواصل معهم".
عليه، فإن ما تحتاجه وزارة الخارجية الأميركية، برأي نوف، هو "دليل واضح يعلّم الدبلوماسيين الأميركيين لماذا ومتى وكيف يديرون مثل هذه المقاربات للانخراط مع هؤلاء اللاعبين".
ثمة "مشكلة واحدة" تعيق التواصل مع المجموعات المسلحة غير الحكومية، تتمثل في أن هذه المجموعات "غالباً ما تُصنَّف على أنها منظمات إرهابية"، وإن كان تعبير "إرهابية" يستخدم أحياناً "كسلاح سياسي ضد بعض تلك المجموعات". و"التردد" في التمييز بين هذه وتلك، "أعاق بالفعل الجهود للتوصل إلى حلول لنزاعات عديدة، في السنوات الأخيرة"، حسبما قال بايتون نوف.
ومع ذلك، تبقى السياسة الخارجية الأميركية "حتى اليوم مرتبكة إزاء الانخراط مع هذه المجموعات المسلحة"، حسبما قال الصحافي الأميركي المستقل بيتر آيه بوكسبوم، مشيراً الى أن أوباما "أجاز في 2011 الحوار مع حركة طالبان، بعدما كان قد عانى الأمرّين في 2009، في التمييز بين فوائد الانخراط مع المجموعات المسلحة غير الحكومية، بخلاف الدول – العدو مثل إيران".
وكان أوباما قد قال في حديث لإذاعة "ناشيونال بابليك" إن "إيران دولة – أمة كبيرة ومهمة"، أما "حزب الله" و"حماس" فليسا كذلك. ولا أعتقد أن علينا أن نقارب هذين الكيانين بالطريقة ذاتها".
هنا، رأى بوكسبوم أن "التمييز الذي رسمه أوباما (بين إيران من جهة و"حزب الله" و"حماس" من جهة اخرى) له دوافع سياسية"، فـ"الانخراط مع حماس قد يثير معارضةً في الداخل الأميركي وقد يؤثر على العلاقات مع إسرائيل، والسلطة الفلسطينية وغيرهما".
أيّده في ذلك بايتون نوف، الذي لفت الانتباه إلى أن "السياسة حتماً ستدخل في المعادلة" لدى الانخراط مع مجموعات مسلحة غير حكومية، داعياً إلى "جعل تقييم التبعات السياسية لأي عملية انخراط، جزءاً من مجموعة عوامل تحدد تكاليف مثل هذا الانخراط وفوائده".
نوف يروّج لمقاربة ثلاثية الأركان لإقرار ما إذا كان يتعين الانخراط مع مجموعة مسلحة دون غيرها، أولها تحديد لمحة عن المجموعة، وتحديد الهدف الأميركي من هذه المجموعة، ووزن تكاليف الانخراط مع هذه المجموعة والفوائد المرجوة منه.
وأوضح نوف ان هناك "سبع مميزات أساسية من أجل فهم بنية مجموعة مسلحة"، هي: قيادتها، وفاعليتها العسكرية، وجمهورها، ومدى سيطرتها على الأرض، وقاعدتها السياسية، ورعاتها، واحتياجاتها.
وفي ختام حديثه لـ"شبكة الأمن والعلاقات الدولية"، حثّ نوف "صناع القرار إلى الأخذ بعين الاعتبار بأنه، منذ الثمانينيات، كان عدد النزاعات التي انتهت باتفاق سلمي اربع مرات أكثر من عدد النزاعات التي انتهت بنصر عسكري. ونظراً إلى كثرة المجموعات المسلحة غير الحكومية المشاركة في النزاعات الراهنة، فإن الانخراط معها، قد يكون أكثر فاعلية من العزل أو العمل العسكري". 

السابق
الأسد ربح الجولة الأولى لكن الحرب طويلة!
التالي
محاضرة في مرجعيون عن الإختصاصات الجامعية