جنبلاط ـ حزب الله ـ سوريا: ساعة التخلّي مجدّداً !!

عادت علاقة النائب وليد جنبلاط بحزب الله إلى الصفر، وبسوريا إلى ما دون الصفر. ولكن من دون مواجهة علنية في الوقت الحاضر على الأقل. عادت إليهم ساعة التخلّي. إلا أن الغالبية الحالية ستظلّ تراوح مكانها في ظلّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يتمسّك بها الزعيم الدرزي

ألقي على الزيارة الأخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، السفير جيفري فيلتمان، لبيروت، في 7 كانون الأول، الكثير من ردود الفعل التي نتجت منها، وذُكر أن أفرقاء سياسيين التقوا الدبلوماسي الزائر وسمعوا منه الكثير من الآراء التي رفعت من نبرة حماستهم وحدّتها، وخصوصاً حيال أحداث سوريا.
في اللقاءات التي عقدها، وحضر بعضها أعضاء في الطاقم المرافق له وآخرون من فريق السفارة، بينهم السفيرة مورا كونيللي، رغب فيلتمان في نقل انطباعات إدارته حيال ما يجري في المنطقة، وأورد ملاحظات تلقفها بعض مَن اجتمع بهم، سواء في بيت الوسط أو مع شخصيات في قوى 14 آذار، إلا أن أكثرهم حماسة بإزاء ما تحدّث عنه، كان رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

استنتج هذه الخلاصة حزب الله الذي يعترف بفتور يعتري علاقته بالزعيم الدرزي، من دون إيصاد الأبواب نهائياً في وجهه. لا يكتم الحزب استعداد أمينه العام السيّد حسن نصر الله لاستقبال جنبلاط إذا رغب في الاجتماع به، انطلاقاً من حسابات سياسية لا تدخل في تقويم حزب الله موقف جنبلاط التحالف معه. بات الحزب يعتقد تماماً أنه أصبح خارج الائتلاف السياسي، لا خارج الغالبية النيابية الحالية، ويقول إن الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بجنبلاط صارت نادرة للغاية منذ آخر لقاء جمعه بنصر الله في 13 تشرين الأول، عشية مقابلة تلفزيونية مع محطة المنار، هاجم فيها جنبلاط نظام الرئيس بشّار الأسد.

يتزامن توجّس حزب الله مع الأصداء التي خلّفتها أحاديث فيلتمان في بيروت، وتركزت على معطيات أوردها في أكثر من اجتماع خلال الساعات الـ 48 التي أمضاها:
أولها، تأكيد واشنطن أن الرئيس السوري يوشك على السقوط، وأن نهاية نظامه حتمية، لكن المهلة المرجّحة لهذا السقوط غير واضحة بعد. قد تستغرق شهوراً، ولا تقدير محدّداً للوقت، ولا كذلك لكيفية انهيار النظام.
ثانيها، تعتقد بأن العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية أخذت تعطي ثمارها على النظام السوري الذي بدأ يتحضّر لاستجابة الوساطات، وأخصّها الجامعة العربية، بعد تشديد الضغوط عليه. لكن الإدارة تأمل في فاعلية أسرع للائحة العقوبات هذه في سبيل تقصير عمر الأزمة.ثالثها، أعرب فيلتمان عن رغبة إدارته في أن تكون قريبة من أصدقائها وإلى جانبهم، تصغي إليهم وتستطلع وجهات نظرهم حيال ما يجري في لبنان وسوريا والمنطقة. وهو السبب الذي جعل زيارته لبيروت ضرورية، سواء للاطلاع من المسؤولين على ما يجري هنا، أو مكاشفة الحلفاء هواجسهم ومخاوفهم.
رابعها، أبرز اعتقاد واشنطن بأن الوضع في المنطقة خطير، وقد يتطوّر إلى الأسوأ كلما أوشك نظام الأسد على السقوط. لم يستبعد توتراً أمنياً في المنطقة، مراهناً على تحوّل روسيا والصين عن تصلبهما في الدفاع عن النظام السوري، والوقوف إلى جانب مجلس الأمن. قال أيضاً إنه يعتقد بأنهما يقتربان من التذمّر تماماً من نظام الأسد.
خامسها، تأكيده أن إدارته فوجئت بالثورات العربية التي لم تكن تتوقعها. وكشف أن بلاده لم تخطط لها، وقد هالها الحجم الذي اندفعت به التظاهرات في الدول العربية التي شهدتها. إلا أن واشنطن وجدت من الضروري التعاطي معها بواقعية وتحديد مصلحتها بإزاء ما يحصل.

سادسها، توقعت الإدارة حيال ما شاهدت وصول القوى الإسلامية المتشدّدة وتيّاراتها إلى السلطة في بلادها، ولم ترَ عند مناقشة هذا التطور غير المسبوق سبباً للوقوف في وجهه متى انبثق من الديموقراطية ومن إرادة المتظاهرين.
سابعها، لا تجد واشنطن في وصول التيّارات الإسلامية إلى حكم بلادها خطراً، وهي سارعت إلى فتح حوار مع الإخوان المسلمين وأجرت معهم أكثر من جولة بغية تغليب هؤلاء على التيّارات السلفية. اعتقدت واشنطن كذلك بأن الإخوان المسلمين ورقة يصيب الرهان عليها، نظراً إلى أنهم أقلّ تطرّفاً ويتأثرون بالنموذج التركي.

عند تقاطع هذه المواقف، قرأ حزب الله تصاعد نبرة جنبلاط ورجّح أن تكون قد تأثرت ببعض ما قاله صديقه الدبلوماسي الأميركي، وخصوصاً حيال ما يجري في سوريا. والواضح أن جنبلاط أعاد في اليومين المنصرمين تأكيد افتراقه عن حزب الله في الموضوعين الأكثر سخونة لدى الحزب، وهما: أحداث سوريا والمحكمة الدولية، وتأييده سلاح المقاومة.
بيد أن الحزب يفصح أيضاً عن معطيات إضافية تتصل بعلاقته برئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي:
1 ــ أن جنبلاط وجه إليه إشارات متناقضة. بعد توقعه سقوط نظام الأسد، أرسل إليه رسالة تعكس اختلافاً في مقاربته الوضع السوري، هو أنه يعتقد بأن هذا النظام باق إلى أمد آخر، وأن الرئيس السوري لن يسقط.
2 ــ أرسلت هذه الإشارة أيضاً عبر قنوات غير مباشرة إلى دمشق، وتحديداً إلى معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف. بيد أن دمشق ـــــ في ظل انقطاع كامل للعلاقة مع الزعيم الدرزي ـــــ لم تكتفِ بتجاهل الإشارة، بل تعمّد الأسد استقبال وفد درزي كبير برئاسة النائب طلال أرسلان. عبر الوفد في 50 سيارة إلى الداخل السوري، وقصد السويداء، قبل أن يعرّج على دمشق، في إيحاء إضافي إلى وقوف دروز سوريا إلى جانب الأسد ونظامه.
الواقع أن أكثر مَن يتحدّث في دمشق عن الخيبة من علاقة جنبلاط بها هو اللواء ناصيف والمحيطون به، وقد أُخِذَ على معاون نائب رئيس الجمهورية قوله، في عزّ مصالحة جنبلاط مع دمشق عام 2010، أنه يضمنه إلى جانبه وإلى جانب القيادة 120 في المئة. في ما بعد، قيل لناصيف إنه يُكثر في المبالغة أكثر ممّا اعتاده نظام شكّاك لا يثق بسهولة، ولا يطمئن دائماً إلى كل الحلفاء، ويثابر على امتحانهم مرة تلو أخرى.
3 ــ يلتقي حزب الله وسوريا على أن جنبلاط لم يعد معهما، وأنه عاد إلى قوى 14 آذار. يقول الحزب إنه فقد الأمل في إعادة ترميم الثقة به، لكنه لن يدخل في خلاف علني معه، ولن ينقطع كلياً عنه، ويعرف أن هواجسه الحالية هي مصير النظام في سوريا وقانون الانتخاب في لبنان. بمرارة يقول إنه صدّق الزعيم الدرزي عندما صحب نجله تيمور معه مرة إلى دمشق، ومرة إلى اجتماعه بنصر الله، بذريعة تدريبه على العودة إلى الجذور في الارتباط بالقومية العربية.
4 ــ يتفهّم الحزب ردّ الفعل السلبي لدمشق على كل ما يعلنه جنبلاط حيال أحداث سوريا. بل تذهب دمشق إلى أبعد من ذلك، عندما تخبر زوّارها وحزب الله بأنها ترى في مواقف جنبلاط من دروز سوريا محاولة لتأليبهم على النظام، ناهيك باتصالاته بالمعارضة السورية وأخصها رئيس المجلس الوطني برهان غليون الذي التقاه جنبلاط ساعتين في باريس.
عادت ساعة التخلي من تلقائها، أم أعيدت؟  

السابق
قانصو: الاقتراح الارثوذكسي يعيدنا الى المتصرفية
التالي
اللينو يتهم حماس