احمد قبلان:بناء البلد لا يكون بالتقاسم والانقسام

ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة وأبرز ما جاء فيها:" بشيء من الإحباط بل بإحباط كبير نستشعر عندما نحاول التطرق إلى الأوضاع في المنطقة وخصوصا في لبنان والسبب في ذلك أو ربما الأسباب وهي كثيرة تعود إلى سوء القراءات وتخبط الرؤى وعقم الاستراتيجيات التي نجد في غالبيتها خدمة جلية تقدم على أطباق من فضة لأعداء هذه المنطقة وشعوبها التي دفعت وستبقى تدفع من أمنها واستقرارها ومصيرها، طالما استمرت هذه الأنماط من سياسة الاستيلاب لمقدرات الشعوب ومصادرة الإرادات وقهر الناس وإذلالها وتجويعها، كل هذا سيبقينا في حالة مرضية دائمة غير قابلة للشفاء والإبلال، لا بل ستسوء أحوالنا وستتعطل مفاعيل حياتنا، فلا بد من إيجاد العلاجات الجذرية ووضع الأسس لانطلاقات حقيقية وجدية تتيح حدوث انقلاب فعلي على كل هذا الواقع الذي لم يعد من المنطق ولا من العقلانية بشيء القبول به أو التعايش معه وبالخصوص في هذا البلد حيث لم نعد نعرف لا نحن ولا من يدعون المعرفة إلى أين ستؤول الأمور، حتى أصحاب السلطة والمعنيون في الحكم والحكومة، لو جاز توجيه السؤال إليهم لما أجابوا بشيء، لأنهم لا يملكون، ولا هم قادرون حتى على التكهن. سؤال يطرح وبات على لسان الكبير والصغير في هذا البلد، متى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي؟ متى نشعر جميعا نحن في هذا البلد بالاطمئنان؟ وبأن الأمور من السيء إلى الأحسن؟ متى يصبح اللبنانيون جميعا بكل فئاتهم وولاءاتهم وانتماءاتهم يدركون بأنهم مجبورون على العيش معا، وأن لا خيار لهم ولا لأي فريق، إسلاميا كان أم مسيحيا، بأن ينسحب من الشراكة الوطنية، كما لا يحق لأي كان بأن يمارس دورا، سرا أو جهرا، على إضعاف شراكة مفروضة على اللبنانيين قبلوا بذلك أم رفضوا والعمل على زعزعتها تحت أي عنوان كان".

وتوجه قبلان إلى الجميع بالقول:"ارحموا الناس أيها السياسيون، اخجلوا، اضبطوا توقيتاتكم وأوقاتكم على ساعة هذا الشعب، هذا الشعب الفقير، هذا الشعب الذي مل تصفيقا، ومل تصديقا، كفى تكاذبا وكذبا عليه، شيء فوق الطاولة، وأشياء تحت الطاولة، صفقات وسمسرات واقتسام مغانم على حساب الناس ومن جيوبهم، ألم تشبعوا بعد؟ ألم تصابوا بالتخمة؟ دعوا الناس تعيش بأمن وسلام اقفلوا أبواب الانقسام والتحريض، أوقفوا الفتنة، فلا تضرموا نارها بأيديكم".

وأكد قبلان "أن هناك وجهتا نظر في البلد وجهة تقول بالمقاومة وقد نجحت هذه الوجهة إلى حد كبير بل هي الوجهة الصحيحة والصائبة والمجدية التي تحمي لبنان وتحمي اللبنانيين، ووجهة أخرى ترى العكس، لأصحاب هذه الوجهة نقول بكل محبة وبكل أخوة من يريد المقاومة لا بل من يريد مشاركة وطنية حقيقية فليقاوم وليدعم المقاومة، أما من لا يريد المقاومة فليصمت وليترك المقاومة تعمل وتتهيأ وتتحضر، لاسيما في ظل هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي ترخي بظلالها على المنطقة، والتي لا أحد يعرف إلى أين تتجه، وكيف ستكون نهايتها. نحن اليوم بأمس الحاجة إلى المقاومة بل يجب أن نكون كلنا مقاومين ولا يجوز لأي كان أن يعترض أو يمانع من خلال بعض الهرطقات والافتراءات الظالمة والباطلة التي توجه إلى المقاومة، فالمقاومة ليست تعويذة سحرية، إنما هي الحصن الحصين للبنان واللبنانيين".

وأضاف:"إن موضوع المقاومة يجب أن يوضع له حد، فلا يبقى موضوعا سجاليا، وبابا من أبواب التحدي، ولينصرف الجميع إلى تدبير الأمور الأخرى التي تهم المواطن، مثل الغلاء وتصحيح الأجور، هذا البند الذي يكاد يصبح كقضية إبريق الزيت، ساعة في مجلس الوزراء وأخرى في مجلس شورى الدولة، لقد ضيعوا الناس وهم يتاجرون بلقمة عيشهم ويتلاعبون بمصيرهم ومصير البلد اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. إن هذه الحكومة أمام تحد عليها أن تؤكد حضورها وتفعل عملها وتكون مقدامة وشجاعة في اتخاذ المواقف بعيدا عن الميوعات والتسويفات والالتفافات التي تراكم الأزمات ولا تحلها، عليها أن تتحمل مسؤولياتها في تطبيق بيانها الوزاري بحيث لا يبقى حبرا على ورق، وأن تكون جدية في تنفيذ ما وعدت به الناس من تحسين لأمورهم المعيشية والاقتصادية، وألا تبقى تتلهى بالخلافات والانقسامات وتوزيع الحصص والمكاسب".

وطالب قبلان "الحكومة بالمسارعة في إصلاح الشأن القضائي وإخراجه من لعبة التجاذبات السياسية وعدم جعله ورقة للابتزاز والمساومات، وما صدر مؤخرا من أحكام قضائية قضت بالإفراج عن عملاء معروفين بعمالتهم للعدو الصهيوني لأمر مستهجن ومستنكر، ويدعونا إلى التساؤل باستغراب عن خلفيات مثل هذه الأحكام وأبعادها، فإذا كان المقصود هو تحصيل مكاسب سياسية وانتخابية فالأجدى لمن يقف وراء هذه الأحكام ويؤيدها ويدعمها أو يتغاضى عنها، أن يقف إلى جانب الناس الذين كانوا ضحايا الفقر والإهمال".

وختم بالقول:"إن بناء البلد لا يكون بالتقاسم والانقسام، إنما بشبك الأيدي وتعاضد الجميع وتعاونهم على قيامة ربيع لبناني حقيقي يصلح ما أفسدته سياسة التحدي والكيد، وينقذ لبنان ويبعده عن لعبة المحاور، ويحمي ساحته من رياح عاصفة ومزلزلة لا يسلم منها أحد".  

السابق
الموسوي والجميل: الصبّاط بين الريف والمدينة
التالي
سمنة و زيت؟! بنفس البيت؟