هل من يُنقذ عون؟

تزداد خسائر رئيس تكتل التغيير والإصلاح السياسيّة، بسبب إدارته لعمليّة التفاوض. لذلك، هناك من يطرح اليوم آليّة جديدة لإدارة معركة التعيينات الإداريّة. يتولّى تنسيق هذه العمليّة البطريرك بشارة الراعي بهدف الوصول إلى تسوية بين رئيس الجمهوريّة وعون حول التعيينات وغيرها من الملفات المطروحة.
مرّة جديدة يفشل النائب ميشال عون وفريقه السياسي في إيصال مشروع محق إلى برّ النجاح. لا يعود سبب الفشل إلى أهميّة المشروع وأحقيّته، بل إلى كيفيّة إدارة المعركة.

فمشروع الوزير شربل نحّاس لتعديل الأجور، أكثر من ضروري ومهم. لكنه سقط. قبله سقطت مشاريع أخرى، وخسر ميشال عون معارك عدّة. لا تبدأ هذه المعارك بملف الموظفين المقربين من آل الحريري ولن تنتهي كما يبدو بملف الأجور.
يضع عون نفسه في كلّ مرّة في مواجهة مباشرةٍ مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو مع رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. في الوقت عينه، لا يُحافظ على علاقته مع الرئيس نبيه بري، بل يدفعها إلى مزيد من التأزم، بعدما قطع شعرة معاوية مع النائب وليد جنبلاط. وإذا صحّ أن عون يُريد إدخال تعديلات جوهريّة على النظام السياسي والاقتصادي، رغم أن بعض العونيين غير مقتنعين بهذه الفكرة، ولديهم من البراهين ما يُثبتها؛ فإنه لا يُمكن الوصول إلى هذه التعديلات بعداء كلّ الطبقة السياسيّة، خصوصاً أن عون ارتضى لنفسه (بل ورسّخ) أن يكون ممثلاً قوياً للمسيحيين في النظام . إذاً، هو دخل المعركة خاسراً ومتخلياً عن جزء من جمهوره الذي تواجد في عكّار وفي مناطق أخرى. كما أن عون قبل اللعبة الديموقراطيّة، أي التغيير من قلب النظام وليس الانقلاب عليه بثورة شعبيّة، بالتالي، لا يُمكن إنجاز هذا التغيير بدون تعاوناتٍ سياسيّة.وصل الأمر في عون، إلى أن وزراءه يُشاركون في حكومة ويُعادون نصف أعضائها. علاقتهم برئيسها أسوأ من علاقتهم بسعد الحريري عندما كان رئيس حكومة.
من جهة ثانية، وصل ميقاتي إلى السلطة، وهو لم يُقدّم أياً من التعهدات والالتزامات التي كان على الرئيس سعد الحريري تقديمها. كما أن أحداً لم يطلب من ميقاتي التزاماتٍ معيّنة. خاض رئيس الحكومة عدداً من المعارك وانتصر فيها، وإذا به يجد في عون أفضل خصمٍ. كل معركة خاسرة، وكلّ هجوم عوني على ميقاتي مربحٌ للزعيم المرتبك في طرابلس. يحصد ميقاتي من هذه الهجمات براءات ذمّة في الطائفة، وهو يسعى لأن تحضنه هذه الطائفة. كما أن ميقاتي مصرّ على أنه لا يُمكن إلّا أن يكون إلى جانب رئيس الجمهوريّة لأنه يُمثّل الشرعيّة.

بدأ بعض العونيين وبعض حلفاء الجنرال في تقديم هذه القراءة. بات هناك من فريق الجنرال من يُردّد: «نحن مدافعون فاشلون عن قضيّة محقّة». يُضيف هؤلاء، أن ميقاتي اليوم أقوى من ميقاتي بالأمس. هو حقق انتصاراً يعتقد أنه يُدين لنفسه في هذا الانتصار لا لأحد آخر. فميقاتي بحسب من يلتقيه من شركائه في الحكومة، يعيش نشوة الانتصار، وهو الذي يعتقد أنه كسر حزب الله في قضيّة حساسة جداً للحزب، أي قضيّة المحكمة الدوليّة، فكيف له أن ينحني اليوم أمام ميشال عون؟ فميقاتي طرح ويطرح ملفات لم يكن الحريري ليجرؤ على طرحها.

يعتقد أصحاب هذه النظريّة أنه لا يزال أمام الجنرال الكثير ليكسبه من معارك، وعلى رأسها معركتا الموازنة والتعيينات. وإذا كانت معركة الموازنة أسهل بكثير من التعيينات، فإنها تحتاج إلى بعض الهدوء والذكاء في إدارتها. فحلفاء ميقاتي من جنبلاط وبري ورئيس الجمهوريّة لا يحملون زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 12 في المئة. وهذا قد يكون المدخل الذي يسمح للعونيين بإدخال جزء كبير من توصيات لجنة المال والموازنة إلى ميزانيّة العام الجاري، خصوصاً أن بعض من في لجنة المال يقولون إن ميقاتي طلب هذه التوصيات مباشرةً للاطلاع عليها بعد الهجوم الحاد الذي تعرّض له الوزير محمّد الصفدي عند طرح مشروع الموازنة. هجوم، وصل إلى أن تسأل وزيرة المال السابقة ريّا الحسن عن توصيات لجنة المال والموازنة وسبب عدم اعتمادها في الموازنة.

أمّا قضيّة التعيينات فهي أصعب وأكثر تعقيداً. يخوض عون معركتها بالمفرق. يُقاتل على مركزٍ هنا، وآخر وهناك، ويخسر . في هذا الوقت يرمي ميقاتي المشكلة بأكملها إلى ملعب عون ورئيس الجمهوريّة. يسأل عن التوافق في ما بينهما. لذلك هناك من يسأل اليوم عن السبب الذي يمنع عون من إنتاج تسوية مع ميشال سليمان على سلّة متكاملةٍ من التعيينات بدون التشبث بمركزٍ هنا وآخر هناك.
يتسلّح من يتبنى هذه النظرية بموقف البطريركيّة المارونيّة، التي يسعى رأسها البطريرك بشارة الراعي إلى إنجاز تسوية مسيحيّة في هذا المجال. ويُضيف أن الراعي وفريقه غير مقتنعين بعدم القدرة على إلغاء رئيس الجمهوريّة، لكون إقرار التعيينات يحتاج إلى توقيعه. في الوقت عينه، يقول هؤلاء إن على ميشال سليمان الاقتناع بأن عون هو الأقوى مسيحياً، وهو الذي يحق له أن يحصل على حصّة الأسد من التعيينات.

وبحسب المعلومات، يعمل الراعي وبعض المقربين من عون وسليمان، على إنضاج هذه التسوية. لذلك فإن الراعي يدرس اليوم الخطوات التي عليه القيام بها للوصل إلى تسوية كهذه. دعوة الجنرالين إلى بكركي تفصيل في هذا المجال.
يجرد بعض العونيين الخسارات التي لحقت بفريقهم منذ عودة الجنرال في السابع من أيار عام 2005، أهم هذه الخسائر الانغماس في الطائفيّة، وأكثرها راحة ابتعاد بعض أصحاب رؤوس الأموال عن محيط الجنرال رغم بقاء ممثلهم الوزير فادي عبود، الطامح سياسياً. 

السابق
حزب الله يكمل حربه الإعلامية على الـسي اي اي
التالي
الخازن: موضوع استقالة وزراء التكتل غير مطروح