سجون النساء في لبنان: مشروع الإصلاح والتأهيل بعيد المنال

أظهر «دليل العمل داخل سجون النساء»، الذي أعدّه «معهد الدرسات النسائية في العالم العربي»، أن أوضاع السجون متشابهة في الدول العربية، لأن معظمها تم بناؤه في نهايات القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين. وقد شيدت في الأصل لكي تكون مراكز شرطة أو ثكنات عسكرية، أو اسطبلات للخيل. وهي تعاني تالياً من تردّي الأبنية بسبب إهمال عمليات الصيانة، وافتقادها الشروط الصحية، كما تعاني من الاكتظاظ حيث يصل معدل المساحة المخصص للسجين إلى متر واحد.
وقد أعدت السجون للرجال، بينما تحتل النساء والأحداث أجزاء منها، لذلك، فهي تفتقد أيضاً الشروط الصحية الخاصة بحياة المرأة. وعلى الرغم من التحسّن الذي طرأ على الشروط البيئية والأحوال المعيشية في سجون النساء في لبنان خلال السنوات العشر الماضية، فإن حقوق السجينات في الرعاية الصحية والطبية، والغذاء السليم، والنظافة، والتهوئة، والتعلّم، غير محترمة بدرجات متفاوتة.

أما هدف تحويل السجون إلى مراكز إصلاح وإعادة تأهيل وتحضير السجناء والسجينات للانخراط في المجتمع بعد خروجهم من السجن فهو لا يزال من الأهداف البعيدة المنال، وما يطالب به المساجين في لبنان حالياً هو الحصول أولاً على الحق بالمحاكمة!
وقد بلغ عدد السجينات، استناداً إلى الإحصاءات الأخيرة، ثلاثمئة وخمس سجينات، توزعت الجرائم التي ارتكبنها، بين إقامة غير شرعية، وتعاطي المخدرات وترويجها، والسرقة، والتزوير، والقتل أو التحريض على القتل، والدعارة، والتعامل مع العدو.
وكان المعهد قد أجرى مسحاً للسجينات في العام 1999 في سجون النساء الأربعة، وهي: بربر الخازن في بيروت، وبعبدا، والقبة في الشمال، وزحلة في البقاع، بالتعاون مع مؤسسة «دار الأمل» وجمعية «مرسي كور انترناسيونال». وتبين من خلال المسح أن السجينات يعانين من الاكتظاظ، بسبب ضيق الغرف، وعدم تأمين سبل التدفئة والتبريد والتهوئة والإضاءة السليمة والأسرة للنوم. كما أنهن محرومات من سبل المحافظة على النظافة الشخصية والحق في التريض والتغذية السليمة والرعاية الصحية والاتصال بالعالم الخارجي، والاختلاء بأفراد أسرهن خلال أوقات الزيارة.

وفي المسح الثاني الذي أجري في العام 2010، سجّل تحسن ملحوظ على صعيد الشروط البيئية والأحوال المعيشية، وذلك بفضل جهود وزارة الداخلية، وفرع السجون في قيادة الدرك، ومؤسسات غير حكومية، لا سيما «الحركة الاجتماعية وكاريتاس ودار الأمل والمرشدية العامة للسجون والمرشدية العامة الإنجيلية ومؤسسة الوليد بن طلال ومؤسسة الصفدي ومعهد الدراسات النسائية». واستطاعت تلك المؤسسات تلبية عدد من مطالب السجينات، بفضل تمويل جهات دولية ومحلية وبعض السفارات الأجنبية، ولا سيما السفارتين الإيطالية والكندية. 
في المسح الأول، كان كل من سجني بربر الخازن وطرابلس، يشكلان جزأين من ثكنتين تابعتين لقوى الأمن الداخلي، بينما كان سجن بعبدا جزءاً من مستشفى بعبدا الحكومي، وسجن زحلة جزءاً من طبقة أرضية في بناء سكني مدني مؤلف من طبقتين.
وفي مسح العام 2010، لم يتغير موقع كل من سجني بعبدا وطرابلس، بينما جرى نقل سجن بربر الخازن إلى مبنى مقابل للمبنى القديم تتوافر فيه شروط معيشية أفضل، ونقل سجن زحلة في العام 2009 إلى قسم من المبنى المخصص للمستشفى الحكومي في زحلة، المعروف بمستشفى المعلقة.
على مستوى الغرف والتجهيزات، كان عدد السجينات يصل في بعض الغرف إلى عشرين سجينة، ولم تكن سبل التهوئة والتبريد والتدفئة والنظافة مؤمنة، وكذلك أسرة للنوم ومقاعد الجلوس، وكانت السجينات ينمن على ألواح من الإسفنج، تفرش على الأرض، ويقارب عرض الواحد منها تسعين سنتمترا، وبعضهن يستخدمن حصيراً خشناً للنوم والجلوس خلال النهار. ولم يكن يتوفر أي مكان خاص للاستحمام، فتستخدم السجينات المرحاض، وفي أكثر الأوقات لا يتوافر لهن الماء الساخن.
وخلال مسح العام 2010، زادت المساحات المخصصة للسجينات في بربر الخازن وبعبدا وطرابلس، كما أصبح عدد الأسرة والفرش كافياً، فتوزعن في بربر الخازن على ثماني غرف تتسع الواحدة منها لاثنتي عشرة سجينة. وفي بعبدا، تتسع كل غرفة لثلاث عشرة سجينة، وفي بعض الأحيان يصل العدد إلى ثماني عشرة سجينة، بينما لا تزال غرف سجن زحلة قليلة العدد ومكتظة، وتفتقد إلى التجهيزات الضرورية، وتنام فيها السجينات على ألواح من الإسفنج والحصير، فتضطر أحياناً ثلاث سجينات إلى تقاسم لوحين من الإسفنج. وقد أعيد تأهيل سجن زحلة بعد المسح، وخصصت فيه ثلاث غرف للنوم، لكنها جهزت بألواح من الإسفنج بدلاً من الأسرة بسبب ضيق المساحة، وتم توفير بطانيات وشراشف فيها. ولوحظ وجود البطانيات والشراشف في السجون الأربعة، وهي مقدمة من الجمعيات.
وبالنسبة إلى حفظ الأطعمة، يوجد براد مشترك تستعمله جميع السجينات في كل من بربر الخازن وزحلة، بينما توجد برادات صغيرة في كل غرفة من غرف السجينات في طرابلس وبعبدا. وقد أصبحت الإضاءة سليمة في السجون الأربعة.
ولا تزال المراحيض على حالها كما كانت في العام 1999، أي غير صحية، وموجودة داخل الغرف، فيما تم إنشاء غرف للاستحمام في بربر الخازن وطرابلس، وأصبحت المياه الساخنة متوافرة في السجون الأربعة، وجرى إنشاء غرف للغسيل في بربر الخازن وبعبدا وطرابلس، وتوفير غسالتين لسجن زحلة.
كما جرى تجهيز غرف السجون الأربعة بأجهزة تلفزيون وهي ضرورية لاتصال السجينات بالعالم الخارجي، وكان ذلك مفقوداً في العام 1999.
ولم يكن يتوفر في السجون الأربعة أي مطبخ مخصص لإعداد الطعام، فتتكل السجينات على الأطعمة التي تؤمنها إدارة السجن، وتعتبر غير كافية، كما أنها تفتقر إلى المكونات الغذائية. وجرى حالياً توفير أمكنة مخصصة للطبخ في السجون الأربعة، لكنها تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتحضير الأطعمة، بينما تتناول السجينات الطعام في غرف النوم.
في غرف المعاينة الطبية وحفظ الأدوية، تم تخصيص غرف في بربر الخازن وبعبدا وطرابلس لمعاينة السجينات من قبل الطبيب، بالإضافة إلى تخصيص أمكنة لحفظ الأدوية. وتبين وجود رضيعين في سجني بعبدا وزحلة، يشاركان والدتيهما الغرفة مع بقية السجينات، وبينهن مدخنات.

وقد أدت جهود الجمعيات إلى تخصيص أمكنة للمرشدات الاجتماعيات في سجني بعبدا وطرابلس، بينما تستخدم المرشدة غرفة العزل في بربر الخازن. وفي زحلة، تفتقد المرشدة إلى المكان المخصص لها. كما أدت إلى تخصيص مساحات صغيرة للنزهة في سجون بعبدا وطرابلس وزحلة، وإنشاء غرف للمواجهة بين السجناء وبين الزوار، بينما لا يزال التواصل يتم في بربر الخازن عبر الشبك الحديدي، ما يمنع الخصوصية.
وجرى تخصيص غرف في بربر الخازن وطرابلس وزحلة لإجراء دورات تدربيبية مهنية، بينما لا تزال توجد في كل من السجون الأربعة غرفة مظلمة جدا وفي داخلها مرحاض، تستخدم لعقاب السجينة التي تفتعل المشاكل أو تحاول الهرب، علماً أن وجود مثل تلك الغرف مخالف لحقوق السجينات، ولا سيما المنصوص عليها ضمن القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والتي تشدد على حظر العقوبة الجسدية والوضع في زنزانة مظلمة.
وحتى تاريخ إجراء المسح، لم تطبق السجون الأربعة نظام الفصل بين المحكومات وبين الموقوفات، وبين السجينات من جنسيات عربية وجنسيات أجنبية، بينما جرى فصل القاصرات عن باقي السجينات وإنشاء معهد خاص بهن في مستشفى ظهر الباشق الحكومي.

وتقوم «الحركة الاجتماعية» في بربر الخازن بدورات تدريبية للسجينات على التطريز والدرزة الصناعية والتزيين النسائي واستخدام الحاسوب، بينما تقوم مؤسسة «دار الأمل» بتنظيم دورات في سجني طرابلس وبعبدا، وتخصص مرشدات اجتماعيات لتحضير السجينات اللواتي أنهين فترات محكوميتهن، من أجل مواجهة المجتمع من جديد. ويقوم مركز «ريستارت» بتنفيذ برنامج تمكين السجينة من التأقلم مع محيطها، ومساندتها على عملية الانخراط مجددا في المجتمع.
وخلال حفل إطلاق الدليل أول أمس في الجامعة اللبنانية – الأميركية، أعلن رئيس الجامعة الدكتور جوزيف جبرا أن «مجتمعاتنا في أمس الحاجة إلى رجال ونساء قياديين ورياديين لمساعدة المجتمع على مواجهة الصعاب التي تهدده في عالم العولمة والتحديات». وأوضح العميد شربل مطر باسم وزير الداخلية مروان شربل، أن «الوزارة أجرت دراسة تقييم الواقع الحقيقي للسجون وتسعى لتحسين ظروف السجناء، وهي تولي أهمية خاصة لأوضاع السجينات، وتسعى لتطبيق المعايير الدولية المتعلقة بهن، بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية».
وأوضحت أسما قرداحي، باسم صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان، الذي شارك في الدراسة، أنه «تم احراز تقدم في اتجاه تحقيق المساواة بين الجنسين، ولكنه يبقى بطيئاً، وقد بذلت في لبنان خطوات كبيرة لتحقيق دور للمرأة، وورد ذلك في البيان الوزاري للحكومة». وأكدت «وجود حاجة ماسة للتعاطي مع المرأة السجينة لتكون جاهزة للاندماج بعد إطلاق سراحها».
من جهتها، رأت مديرة معهد الدراسات النسائية في العالم العربي د. ديما دبوس سنسنغ أن «الغاية من عقوبة السجن هي معاقبة المحكوم عليه وإعادة تأهيله ليعيش حالات طبيعية. ولكن معظم سجون العالم تفتقر إلى المعايير الصحية والحياتية، وهي غير مصممة مثلاً للتعامل مع النساء الحوامل، ولا تستطيع تأمين الاحتياطات الصحية للمرأة»، مشيرة إلى أن «النساء السجينات أكثر عرضة للأمراض النفسية والانتحار».
وتحدثت معدة الدليل أنيتا فرح نصّار، موضحة أن «الدليل ينص على كل الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، ويرسم واقع سجون النساء في العالم العربي ولبنان، وهو لم يصدر صدفة أو عشوائياً، بل استند إلى منهجية علمية ودراسة مقارنة، بعد تشكيل لجنة خبراء لرسم ملامح محتواه».  

السابق
حل تمويل المحكمة ستكون عبر الهيئة العليا للاغاثة
التالي
بوجي: ارجاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة بعد ظهر اليوم