السفير: الجامعة العربية: عقوبات اقتصادية على دمشق … للضغط والمساومة

في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجامعة العربية، أقر وزراء الخارجية العرب بالغالبية، أمس، فرض عقوبات اقتصادية على سوريا، نأى لبنان بنفسه عنها وتحفظ العراق عليها، وثارت الشكوك حول فرص تنفيذها وما اذا كانت ورقة ضغط إضافية على النظام السوري ام ورقة مساومة جديدة معه، بينما حذر رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني دمشق من انه «إذا لم تتمكن الدول العربية من حل الأزمة فقد تتدخل قوى أجنبية أخرى».

وانتقد وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار قرار العقوبات العربية على سوريا، واصفاً إياه «بالمحزن»، مشيراً إلى أن هذه العقوبات ستؤذي كل مواطن عربي يتعامل مع سوريا، إضافة إلى المواطن السوري. وانتقد الشعار، في تصريح لـ«السفير»، حديث الشيخ حمد عن أن العقوبات «موجهة للنظام»، معتبراً أنها تنطوي على «تضليل وإخفاء حقائق». وأوضح أن «قطع العلاقات مع المصرف المركزي سيضر بالمواطن، لأن المصارف المركزية في كل العالم هي وكلاء للمواطنين وليس للأنظمة، وهذا هو الحال في سوريا»، معتبراً أن القرار «سياسي، وسابقة خطيرة» ستلقي بتبعاتها على المواطن في النهاية.

واعتبر الشعار أن السلبيات ستكون متبادلة مع الدول العربية التي لديها نمط متشابه من الاستهلاك، سيتفكك بسبب القرار المذكور. وأكد أنه لا بديل لسوريا «سوى تقوية الداخل، خصوصا أن لدى سوريا اكتفاءً ذاتياً غير موجود في أي بلد عربي».
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي يعقد مؤتمراً صحافياً اليوم، اعتبر، أول أمس، أن قرار الجامعة العربية الذي صدر الخميس الماضي وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم جهود الجامعة العربية في تسوية الوضع المتأزم في سوريا ليس سوى «موافقة ضمنية على تدويل» وضعها و«تدخل في شؤونها الداخلية».
وأقر وزراء الخارجية العرب توصيات وزراء الاقتصاد بفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد سوريا. وتتضمن العقوبات «منع سفر كبار الشخصيات
والمسؤولين السوريين إلى الدول العربية وتجميد أرصدتهم في الدول العربية». (نص القرار صفحة 13).

حمد والعربي
ووصف الشيخ حمد، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بعد إقرار الوزراء العرب للعقوبات خلال اجتماع في فندق «فيرمونت» في القاهرة، «يوم صدور قرار هذه العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة السورية بأنه يوم حزين ومؤسف»، معرباً عن أمله «في أن يسارع الجانب السوري إلى الموافقة على وثيقة بروتوكول بعثة الجامعة العربية إلى سوريا، والعمل على وقف القتل وسفك الدماء وإطلاق سراح المعتقلين وسحب المظاهر العسكرية من المدن والقرى، والبدء في حوار وطني شامل بين الحكومة السورية والمعارضة، ووضع حد للممارسات القمعية ضد المحتجين».
وقال إن «سوريا دولة مهمة ومحورية في المنطقة، وهناك حرص عربي على أن يتم حل الأزمة السورية في إطار البيت العربي لدرء أي تدخل أجنبي»، لكنه حذر في الوقت ذاته «من أن هذا التدخل قد يكون البديل المتاح في حالة عدم تجاوب القيادة السورية مع خطة العمل العربية».
ورداً على سؤال حول اتهام وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أول امس، الجامعة العربية بتدويل الازمة، قال الشيخ حمد «كل ما قمنا به هو لتفادي عمل عسكري او اي تدخل اجنبي»، مضيفاً «اذا لم نتصرف بجدية فأنا لا استطيع ان اضمن انه لن يكون هناك تدخل اجنبي». 
وأوضح انه «كان هناك حرص شديد خلال الاجتماع على تجنيب الشعب السوري لأي تداعيات سلبية من جراء هذه العقوبات التي سيبدأ تنفيذها على الفور»، معرباً عن أمله في «ألا تنعكس هذه العقوبات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على الشعب السوري، وألا يتم الوصول إلى هذه المرحلة بل الانتقال إلى مرحلة مغايرة وفق المبادرة العربية».
وأشار الشيخ حمد إلى «أن القرار راعى ما يمكن أن ينتج عن هذه العقوبات على اقتصاديات دول الجوار، وقرر النظر في تقديم بعض الاستثناءات من هذه العقوبات لهذه الدول»، موضحاً أن «تحفظ العراق يعود إلى طلبه تحديد آلية لتطبيق هذه العقوبات، بما لا ينعكس سلباً سواء على اقتصاده الوطني أو على أبناء الجالية العراقية الكبيرة العدد الموجودة في سوريا».
وأعلن أن «اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية ستجتمع في الدوحة السبت المقبل للنظر فيما ستتوصل إليه اللجنة الفنية التنفيذية المشكلة من كبار المسؤولين والخبراء برئاسة دولة قطر، والتي تتركز مهمتها في النظر في الاستثناءات المتعلقة بالأمور الإنسانية التي تؤثر بشكل مباشر على الشعب السوري، وكذلك المتعلقة بالدول العربية المجاورة» لسوريا.
وأوضح أن تركيا، التي شارك وزير خارجيتها احمد داود اوغلو في اجتماعات اللجنة الوزارية الخاصة بسوريا، «أكدت التزامها بتنفيذ الحد الأدنى من العقوبات التي أقرها المجلس الوزاري العربي»، مشيراً إلى أن «هناك توافقاً على بناء شراكة عربية تركية في التعامل مع الأزمة السورية، بحيث لا تتصرف أنقرة بشكل منفرد».
وعما يمكن عمله في حالة مضي النظام السوري في سياسته الحالية، قال الشيخ حمد «إلى الآن نحن نحاول معالجة الموضوع عربياً، ولكن السؤال هل ستكون هناك نتيجة لذلك أم لا». وأضاف «إن المؤشرات غير إيجابية، وسنستمر عربياً في مناقشة السبل الكفيلة بوقف العنف والقتل والعقوبات لا تزال اقتصادية، ولكن إذا لم يكن هناك تحرك سوري، فإننا كبشر علينا جميعاً مسؤولية تجاه وقف القتل»، محذراً من «أن الوقت ليس في صالحنا».
وأكد أن «الدول التي صوتت بنعم على العقوبات، وهي 19 دولة ستنفذ العقوبات فوراً، ومنذ اليوم (أمس) فهذه مسؤولية أخلاقية، ومن لم يرد التنفيذ كان عليه أن يصوت بالرفض خلال الاجتماع». وأوضح ان «العراق تحفظ على القرار» ولن ينفذه، في حين ان «لبنان نأى بنفسه» عن القرار. وهذه هي المرة الاولى التي تفرض فيها الجامعة العربية عقوبات اقتصادية ضد دولة عضو فيها.
وحول إمكان فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإغاثية للسوريين اذا ما قام النظام بمنع السلع الاستراتيجية من الوصول الى المدن، قال الشيخ حمد «نأمل ألا نصل إلى هذه المرحلة، ونتطلع إلى تعاون حقيقي مع الحكومة السورية لإنهاء الأزمة في أسرع وقت ممكن».

ورداً على سؤال لماذا لم يتم التعامل مع الأزمة في البحرين على غرار ما يجري الآن مع سوريا، قال حمد «إن عدد ضحايا الأحداث في البحرين لم يتجاوز 3 أو 4 قتلى، وقد طلب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث، ووعد بمحاكمة المتورطين، وتجاوب مع كافة المطالب، والوضع ليس هكذا في سوريا».
من جهته، أكد العربي أن «هدف العقوبات التي تم إقرارها هو الضغط على الحكومة السورية لوقف نزف الدماء، والإسراع بإجراء الإصلاحات المطلوبة»، مجدداً دعوته للحكومة السورية «للإسراع بالتوقيع على بروتوكول بعثة المراقبين، خاصة أنها أعلنت قبولها مبدئياً قبل ذلك، وحددت مسؤولاً معيناً للتوقيع، هو نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، لكنها تراجعت عن ذلك».
وشدد العربي على «ضرورة أن يتم تطبيق هذه العقوبات في إطار الحل العربي درءاً لأي تدخل خارجي أو أجنبي، وأن تراعي مصالح الشعب السوري». وقال «إذا قبلت دمشق التوقيع على وثيقة بروتوكول بعثة المراقبين فإنه سيتم عرض الأمر على اجتماع للوزاري العربي للنظر في الموضوع»، مؤكداً أن «الهم الأكبر للجامعة العربية يتمثل في كيفية تجنيب الشعب السوري أي متاعب أو أضرار يمكن أن يتعرض لها نتيجة تطبيق العقوبات».
وكان مصدر عربي مسؤول قال لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن أعمال اجتماع اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا شهدت خلافات بشأن العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية المقرر توقيعها على سوريا والتي أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي أمس الأول، بمشاركة نائب رئيس الحكومة التركية للشؤون الاقتصادية علي باباجان.

وقال المصدر «إن دولتين على الأقل من بين الدول الأعضاء في اللجنة حذرتا من التعجل في إقرار هذه العقوبات نظراً لأن تأثيرها السلبي سيكون كارثياً على الشعب قبل النظام في سوريا». وأوضح أن «الدول المؤيدة للعقوبات، والتي تقودها قطر، ترى ضرورة تطبيقها ولو تدريجاً، مع البحث عن وسائل وآليات تخفف من وقعها على الشعب السوري».
وقالت مصادر عربية «انضم إلى اجتماع الجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا ممثلو الدول المجاورة لسوريا غير الأعضاء في اللجنة، وهي الأردن والعراق ولبنان ودولة الإمارات». وأوضحت أن «اللجنة طلبت مشاركة هذه الدول لسماع وجهة نظرها، وتقييمها لجدوى تطبيق العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية التي أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في اجتماعه أول أمس، والتداعيات السلبية للعقوبات على هذه الدول حتى يمكن اتخاذ القرار المناسب لضمان عدم عرقلته في الاجتماع الوزاري العربي».
وكان سفير الجزائر في مصر وممثلها لدى الجامعة العربية عبد القادر حجار أعلن أن بلاده «ليست متسرعة في اتخاذ أي عقوبات ضد سوريا». وقال «نرجو أن تعجل سوريا بالموافقة على قبول بروتوكول الجامعة العربية الخاص بإرسال مراقبين من الجامعة إلى دمشق حتى تتفادى ما سينجم عن مواصلة تجاهلها لهذه المسألة».

وكان وزير الخارجية الأردني ناصر جودة شدد، أول أمس، أن بلاده تؤيد العقوبات، لكنه شدد على ضرورة أن تكون قرارات الجامعة العربية «منسجمة مع مصالح كل دولة»، مشدداً على أن للأردن «مصالح معروفة وواردات تأتي براً من خلال سوريا».
وأكد الوزير الأردني أهمية الروابط التجارية بين الأردن وسوريا اللذين يشتركان في حدود واحدة. وقال «لنا مصالح معروفة. واردات تأتي عبر البر خلال سوريا وأمور متعلقة بشأن المياه وكذلك طلاب موجودون هناك. نحن مع الإجماع. بعض وسائل الإعلام ذكرت أنه يوجد تحفظ ما. كان هناك تحفظ أردني وسائرون مع القرارات العربية التي تؤخذ من خلال إطار المجلس الوزاري، ولكن سجلت ملاحظة الأردن أن تكون هذه القرارات منسجمة مع المصالح للدول المعنية وخاصة الدول المتاخمة لسوريا».
وأعلن جودة أن حوالى 100 مجند عسكري سوري لجأوا إلى الأردن «بشكل فردي» خلال الفترة الماضية، نافياً وجود مجموعات أو وحدات عسكرية سورية منشقة في الاراضي الاردنية.  

السابق
الوضع اللبناني في خطر··· ولكن؟
التالي
لماذا إسقاط الحكومة؟