الوضع اللبناني في خطر··· ولكن؟

عاصفة التغيير التي تضرب رياحها أبواب أكثر من عاصمة عربية لن تهدأ سريعاً، ولن تستقر في المدى المنظور، قبل تبلور الصيغة النهائية للأنظمة الديمقراطية الوليدة، بعد عقود طويلة من حكم الديكتاتوريات، والأنظمة الشمولية التي سادت بإرادة الحاكم الفرد، أو من خلال حاشية الحزب الحاكم في أحسن الأحوال!·
وتُثبت الوقائع، يوماً بعد يوم، أن سقوط النظام، وتواري الحاكم خارج البلاد، أو حتى في الدنيا الآخرة، لا يعني انتهاء معاناة الشعوب التي تحمّلت نير القمع والعسف والظلم والحرمان حتى من أبسط الحقوق المدنية، لأن حالة الفراغ السياسي التي تسود عقب انهيار النظام، وعدم وجود التنظيمات والأحزاب السياسية القادرة على ممارسة اللعبة الديمقراطية، يفرض على القيادات الجديدة خوض مراحل انتقالية، يغلب عليها التوتر حيناً، وتسودها صراعات ومواجهات تقودها الانفعالات الآنية في معظم الأحيان·

هذا ما حصل في تونس الثورة حتى عشية الانتخابات النيابية، وهذا ما يحصل حالياً في القاهرة حتى إنجاز عملية انتقال السلطة من المجلس العسكري إلى القيادات المنتخبة في الانتخابات النيابية والرئاسية·

ولعل مثل هذه المخاضات الانتقالية متوقعة أيضاً في كل من ليبيا واليمن، وغيرها من البلدان التي وصلتها رياح العاصفة السياسية الحالية·

ورغم حالة الاستقرار النسبي، التي يتغنى بها أهل الحكم هذه الأيام، إلا أن لبنان هو في عين العاصفة التي تهزّ قواعد أنظمة وجمهوريات، كانت حتى الأمس القريب تُصنّف من <الأنظمة القوية>، ومن <الدول المستقرة>!·

ذلك أن الانقسامات اللبنانية الداخلية أقحمت الوطن الصغير، رغم أنف أهله، في تيارات المدّ والجزر الجارفة التي تجتاح المنطقة، حيث أضاف اللبنانيون إلى قائمة خلافاتهم الطويلة بنوداً تتعلق بتأييد الثورة هنا، والوقوف مع النظام هناك، والتعاطف مع هذا الشعب، وتأييد ذلك النظام·

ومما يزيد من مخاطر الانقسام اللبناني الحالي، أن التنافس بين طرفي 14 و8 آذار من الأحداث الجارية في سوريا، مرشّح للتصاعد ولمزيد من التعقيد والتوتير، مع تنامي حدة المواجهات الدموية اليومية الجارية بين النظام السوري ومعارضيه·

وثمة من يخشى من انتقال المواجهات السورية الحالية، إلى الداخل اللبناني عبر صدامات بين مؤيدي النظام ومعارضيه المؤيدين للمجلس الوطني والثورة، في حال بقيت أجواء الاحتقان على وضعها الحالي من الشحن والتعبئة، وبهدف تخفيف الضغط المتزايد على دمشق عربياً ودولياً، وتوجيه أكثر من رسالة إلى من يعنيهم الأمر، تؤكد قدرة النظام في سوريا على نقل المعركة خارج حدوده، كخطوة أولى لإشعال المنطقة، على نحو ما هدّد الرئيس بشار الأسد أكثر من مرة!·

وعلى إيقاع موجات الخوف والقلق التي تتقاذف اللبنانيين، والتي أدّت إلى الجمود الحالي في الحركة الاقتصادية والتجارية، إلى درجة تراجع نسبة النمو إلى الصفر تقريباً، انتقل الوضع الحكومي إلى حالة من التأزم، قد تؤدي إلى استقالة الحكومة الميقاتية، وتخفيض أداء الدولة إلى مستوى تصريف الأعمال لفترة ليست قصيرة، نظراً للتعقيدات المحيطة بإمكانية تشكيل حكومة جديدة بالسرعة اللازمة، لمواكبة التطورات والمتغيرات المتلاحقة في سوريا والمنطقة·

وفيما حرص الرئيس نجيب ميقاتي على اتخاذ موقف ينسجم مع قناعاته الأساسية، ويتوافق مع تعهداته المعروفة لدوائر القرار العربي، وللمجتمع الدولي، بحيث يقدّم استقالته في حال لم يستطع تمويل حصة لبنان في المحكمة الدولية، فإن ردّة الفعل العونية تجاوزت كل حدود الانفعال المعهودة، وأعادت اللعب بالخطوط الحمراء، والتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية، فضلاً عن محاولات التطاول على الطائفة السنيّة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من عزلة عون وتياره في الأوساط السنية من جهة، في الوقت الذي يُساعد رئيس الحكومة على ترميم قواعده الداخلية، واستعادة علاقاته الخارجية عربياً ودولياً·

أما الوضع الأكثر غرابة فيبقى في هذه الحالة غير المبررة من العداء بين <تيار المستقبل> و <حزب الله>، وما يرافقها من ظاهرة انعدام الحوار، حتى على المستويات المتوسطة بينهما، رغم اعتراف الواحد منهما بحجم تمثيل الآخر على مستوى قواعده الشعبية والمناطقية·

لقد أثبت مهرجان طرابلس بالأمس، أن التيار الأزرق بقيادة الرئيس سعد الحريري، ما زال يُمسك بزمام الزعامة الشمالية بفارق بعيد جداً عن القيادات المنافسة الأخرى، والتي يكاد نفوذها ينحصر في الفيحاء، من دون أن يصل إلى عكار والمنية والضنية والكورة والبترون·

كما يُثبت <حزب الله> في مناسباته المختلفة، أنه صاحب الرصيد الأكبر شيعياً، وقادر على حشد قواعده الشعبية كلما دعت الحاجة لذلك·

فلماذا إذاً لا تكون هناك محاولات جدية لإعادة وصل ما انقطع بين الطرفين، على قاعدة العمل من أجل التوصّل إلى اتفاق على تحييد الوضع اللبناني عمّا يجري في المنطقة، لا سيما عند الشقيقة سوريا، وبالتالي التوافق على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الحالي، ولو بحده الأدنى، تجنباً لأية خضات أمنية، قد نعرف كيف تبدأ، ولكن لا أحد يعرف حتى وكيف تنتهي!·

الوضع اللبناني في خطر··· طالما بقي الانقسام الحالي سائداً، في غياب الحوار بين القوى الفاعلة، وفي ظل افتقاد التوافق على الثوابت الوطنية ··· البديهية!·

رب قائل إن المحكمة تقف حجر عثرة أمام عودة التواصل بين <المستقبل> و <حزب الله>·

لا شك أن المحكمة هي أحد البنود الخلافية الرئيسية بين الطرفين، ولكن حان الوقت لندرك جميعاً أن الخلافات اللبنانية – اللبنانية حول المحكمة، والثرثرات المحيطة بها من بعض الأطراف، لن تقدّم ولن تؤخّر في عمل المحكمة التي تبقى من صلاحية مرجعيتها الدولية، حتى ولو امتنع لبنان عن سداد حصته المالية··· أو حتى لو ركب البعض رأسه وحاول إلغاء، أو حتى تعديل، بروتوكول التعاون المعقود بين لبنان والمحكمة منذ عهد حكومة ميقاتي الأولى!·

الوضع اللبناني في خطر··· فمن يكون المُنقذ هذه المرة؟!·
 

السابق
اللواء: الشمال في مهرجان المستقبل والحريري يتحدث عن خارطة طريق للأيام المقبلة
التالي
السفير: الجامعة العربية: عقوبات اقتصادية على دمشق … للضغط والمساومة