تماسك الجماعة طائفياً جرثومة فسادها

 

"الجماعة هم أهل الحق وإن قلّوا

والفرقة هم أهل الباطل وإن كثروا"
[كم ضلالة زُخرفت بآية من كتاب الله كما يُزخرف النُحاس بالفضة المموّهة][1].
ليس تغيير الرأي السياسي أو الفكري في قومي ومجتمعي الشرقي العربي الإسلامي من الأمور السهلة واليسيرة والعادية أبداً ذلك أن قومي ومجتمعي (الطائفي) غالباً ما يرون مسألة التغيير والتغيّر في الرأي السياسي أو الفكري نوعاً من الذبذبة أو الردة أو الخيانة للمبادئ أو تتناقض مع الثبات والاستقامة؟!
أو يعتبرها نوعاً من ردّات الفعل الشخصية التي يكمن وراءها الطمع بمنصب او مال أو يراها تنمّ عن خفّة العقل وضيق الأفق ومحدودية الرؤية وانعدام الحكمة و… و… ألخ؟! لأن من يفكّر في المجتمع الشرقي العربي الإسلامي خلافاً لتفكير الأغلبية (داخل طائفته) شاذ عن الجماعة والشاذ عن الجماعة مآله للشيطان كما أن مآل الشاذ من الغنم للذئب أي يُصبح شيطاناً؟!
علماً أنني أؤمن بهذا الحديث لكن بمعنى أن يشذ عنها أمنياً وعسكرياً فيُعرّض الجماعة لمخاطر وخيمة، وليس بمعنى أن يشذ عنها برأي سياسي أو فكري؟! لان الجماعة (غير المعصومة) إن لم يكن بينها رأي فكري أو سياسي شاذ أو مخالف ما هي إلا جماعة تفتح الطريق واسعاً لجرثومة الفساد والموت أي قاتلة للحراك الفكري والسياسي وبالتالي تؤسس لسرطان الاستبداد والقمع بنية حسنة أو سيئة باجتهاد بريء او غير بريء لا فرق وبمعادلات جاهزة ومعلبة كشعارهم السائد اليوم دفاعاً عن كرامة الطائفة الحقّة الناجية حصراً والمستهدفة من الإنس والجن.
ولأنني أؤمن بضرورة التنوّع والتعدد بالآراء الفكرية والسياسية، ولأنني أؤمن بأن قناعة الفرد – (سياسياً أو فكرياً) – ولو خالفت قناعة الجماعة ما هي إلا كنز لا يفنى، ومن أبرز العلامات التي تدل على صدق الإنسان مع نفسه ومع ربّه، ولأنني أؤمن بأن الإنسان الذي يحمل فكرة ما على قاعدة القناعة ولو كانت خاطئة هو أصدق وأفضل (عند الله) من الإنسان الذي يحمل فكرة صحيحة (بالتقليد) على غير قاعدة القناعة (كمن يعبد الله على حرف)، لذلك استلذ بوحشة الغُربة الفكرية والسياسية في مجتمعي الطائفي وأستأنس بقسوة وفظاظة الغُربة الفكرية أو السياسية عن أهلي وطائفتي لأن لذّة القناعة المباحة ومتعتها المشروعة وحلاوتها السائغة تُعوّض عن وحشة الغربة في مجتمعي وقومي وأهلي المتورطين أو المورّطين بعقلية طائفية حادة تسرف في عشق الذات وكراهية الآخر وبقراءات واجتهادات لنصوص دينية ما زالت تُنتج لهم فقهاً وثقافة وشعارات ومعادلات (بعضها) يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان ومع أوضح معاني العدل؟!
أوليس قولهم السائد والمنتشر بصخب وحدّة بأن الفرد يجب أن يُعطّل رأيه السياسي أو الفكري لصالح رأي الجماعة (داخل طائفته) كي لا يكون شاذاً نحو الشيطان!!!
أوليس قولهم هذا دليل على وجود قراءة واجتهادات في نصوص دينية أنتجت لنا فقهاً ومتفقهين وثقافة ومثقفين وطائفة من الأتباع وفرقة من المقلّدين يحسبون كل مخالف لهم في رأي فكري أو سياسي في عداد الذالين والمُضلين كي يعيش تحت نفوذهم عيشة المذعورين المقهورين الصاغرين؟!؟!
(الجماعة هم أهل الحق وإن قلوا
والفرقة هم أهل الباطل وإن كثروا)
روي عن الإمام علي (ع)
وأي عدالة وعدل وقسط وتقدّم وتطوّر وتنمية (وشرعية) سيتمتع بها مجتمعي ما دام المرء يعيش فيه تحت نفوذ الجماعة مذعوراً خائفاً صاغراً لأنه يحمل رأياً فكرياً أو سياسياً مخالفاً لرأيها؟! عجباً لهذا الشرق الذي ما أُنزل عليه دين أو دخلت عليه فكرة جميلة خلاّقة إلا وأولّها النافذون فيه تأويلاً بموسوعات هائلة من الانشائيات اللفظية لا تُثمر إلا حُكاماً وأحزاباً ومتفقهين ومثقفين مجتهدين اجتهاداً فذاً في تبرير كل قمع واستبداد وبؤس وتخلّف ويبرعون براعة عظيمة في تحميل الإمبريالية الغربية مسؤولية كل أزمة وفجوة وثغرة يعاني منها الشرق؟! علماً أنني لا أُبرئ دول الغرب من بعض المسؤولية.
لست أدري كيف شاءت الأقدار الإلهية وجرت الأسباب الطبيعية كي أكون مخلوف (ومنذ صغري) أعشق العمل وفق قناعاتي ولو كانت معاكسة لقناعة الجماعة علماً أنني لست شجاعاً في مواجهة أسياد الجماعة المدججين بالمال والسلاح والذين لا يدعون العصمة إلا أنهم يزعمون بأنهم أفضل من الآخرين دائماً ويدّعون بأن أخطاءهم مغفورة لأن قصدهم الصواب دوماً؟! وأن جهادهم ضد العدو الإسرائيلي صار حسنة لا تضر معها سيئة وأصبح جهادهم مبرراً وطنياً وقومياً ومذهبياً ودينياً لارتكاب الأخطاء وانتهاك حقوق الإنسان.
ومع أنني لست غنياً ولا ميسوراً مالياً حتى أواجه ضغط الجماعة التي تجيد فن الإفقار، والفقر وحش مفترس للروح والأعصاب والعقل حيث الفقر يقهر أغلب الخلق ويجبرهم على التنازل عن قناعاتهم لصالح قناعات الجماعة النقيضة وذلك حرصاً منهم على لقمة الحياة ولوازمها.
وكم قهر الفقر عالماً أو شجاعاً أو مثقفاً أو كاتباً أو شاعراً أو أديباً أو عزيزاً فمسخه وجعله ذليلاً أو مذياعاً أو جباناً أو إنتهازياً أو منافقاً أو مرائياً مسحوقاً أمام ما لا يعتقد فيه ويتظاهر بالكراهية لمن يحبه في قلبه، وبالمحبة لمن يكرهه في فؤاده، وليس كلاماً عادياً قول عليّ (ع):
إن الفقر مدهشة للعقل منقصة للدين ومقت للروح وهو الموت الأكبر وهو الذي يُخرص الفطن عن حُجّته؟!
ولست شجاعاً الى حد التضحية بالروح في سبيل قناعاتي ومع ذلك شاءت الأقدار بالاسباب الطبيعية أن أجنح دائماً لقناعاتي ولو خالفت قناعة الجماعة مؤمناً بأن درجة المرارة والوحشة والغُربة التي يُبتلى بها المرء حينما يخالف قناعة الجماعة ليست بشيء قياساً على درجة راحة الضمير واطمئنان الوجدان وصدق النفس وطهارة الذات التي يحرزها المرء حين يعيش قناعاته المخالفة لقناعة الجماعة أيضاً، ولا نكشف سراً ولا أمراً غامضاً حينما نقول أن ثقافة الشرق ما زالت تفتقر إلى إدراك معنى حرية الفرد وما زالت تجهل عمق هذا المعنى وقداسته وضرورته كشرط للإيمان الصحيح بالله وكشرط لكل تنمية وتطوّر في الحياة، ما زال النافذون (دينيون ومدنيون) في الشرق يُخيفون الجماعة من الحرية الفردية وكأنها جرثومة فاسدة تستهدف الإطاحة يقيمهم الدينية، لتبقى الجماعة متماسكة وممسوكة بأيدي النافذين فيها تُساق وفق أهوائهم السياسية بلا صوت يحاسب ويعترض وينتقد، فتستيقظ الجماعة بعد 14 قرناً أنها جماعة أو أمة من أتعس وأشد خلق الله بؤساً على وجه الأرض وأكثرها تخلفاً وأقصاها مسافة في ضياعها وبُعدها عن معرفة الأسباب فضلاً عن القضاء عليها.

ضفاف – الثانية – تموز 2009 – العدد العاشر



[1]  روي عن الإمام علي (ع) / غرر الحكم/.
 
السابق
تسليم محصول التبغ يتواصل في الجنوب
التالي
بهية الحريري: للمحافظة على احترامنا لإختلافنا