إعدام العقيد

الانطباع السائد عن إعدام العقيد معمر القذافي أن المشهد نُفِّذ بالاتفاق بين المجلس الانتقالي وحلف «الناتو»، لتصفية الرجل فور العثور عليه، والخلاص من تبـــــعات وجوده حياً. قتله على أيدي الثوار، ومن دون إذن من أحد، رواية يصعب تصديقها، وتعدد روايات القـــتل، وأسماء المنفذين، يكرّس الشك بأن قاعدة «لم نأمــــر بها ولم تسؤنا» لا تنطبق على ما حصل، فضلاً عن ان قتل نجله المعتصم بالله، الذي ظهر بصحة جـــــيدة، هادئاً يدخّن ويشرب الماء، يشــــير الى ان المجلس الانتقالي قرر إلغاء وجود الحقبة القذافية، وقطع دابر صاحبها وأنجاله، وعدم الانشغال بمحاكمة تفتح ملفات ينبغي حرقها، وبتكرار تداعيات التجربتين العراقية والمصرية. خطوة الاستعجال هي البداية، وإن شئت النهاية، لكنها خطوة مفرطة، ومرتبكة، ومشوّهة.

الخلاف على الطريقة التي قُــــتل بها القذافي، أثار خلافاً على مشروعية إعدامه، بين من رأى انه يستحق القتل بأي طــــــريقة، مهما كانت قاسية ووحشية، وهي نهاية طــــبيعية لطاغية مــــثل العــــقيد، وآخر تمنى محاكمته، وثالث تعامل مع المسألة على قاعدة «بشِّر القاتل بالقــــتل»، وأن ما حصل كان حتمية تاريخية صنعها القذافي بنفسه. لكن نهايته خفَّفت قسوة عهده المضرّج بالإرهاب والبطش والدماء، والتنكيل بشعب كامل. الـــعهد الجـديد غيَّب الحديث عن استــــبداد القذافي وظــــلمه، واستبدل الثأر والانتقام بالعدل… مؤسف ان تبدأ الثورة عهدها بتغييب الحقيقة، فضلاً عن العدالة.

لا شك في ان إعدام القذافي بهذه الطريقة جعل الثورة تمارس عنفاً قاتلت من أجل وقفه، وضحَّت بآلاف الأبرياء، وهي بدت، بصنع نهاية خاطفة وغامضة للطاغية، كأنها كانت تقاتل شبحاً، وليس طاغية مستبداً، ونظاماً دموياً عنيفاً. مشهد قتل القذافي كان لحظة ضعف درامية في رواية حافلة بأحداث بشعة ومروّعة وشرسة.

لا شك في ان نهاية معمر القذافي ذكّرتنا بنهاية زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، كلاهما قُتل خطفاً. مروّع هذا العبث بشهود الاستبداد، والإرهاب، والقتل الذي نعيشه منذ عقود. خطير خطف فرصتنا لفهم الماضي ومصادرتها، وطمس المشاهد والصور والحقائق التي تحرّضنا على السؤال.  

السابق
نصرالله: لا إحراج ولا إخراج لميقاتي.. ولا تمويل للمحكمة
التالي
الراي: شتائم وتهديدات في الشارع وتحت قبة البرلمان والسبب… سورية