عن رحلتي في بلاد الأميركان (3): الشعب يتمتع بالكثير من الحرية… والقليل القليل من المعرفة والثقافة

أن تكون أميركياً او أن تمتلك الجنسية الاميركية هدف يصبو إليه معظم الشباب العرب، ولا سيما اللبنانيون منهم، على اعتبار أنها الدولة الأقوى إقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وبالتالي فهي الاولى في توفير فرص العمل بمختلف المجالات القادرة على استيعاب قسم كبير منهم، فيتزاحم هؤلاء أمام السفارة لتقديم طلب الهجرة وإجراء المقابلات المتتالية مع موظفي السفارة لنيل رضا الفيزا والقفز نحو مجهول الحواجز التي تعيق تقدمهم في بلدهم الأم متجهين نحو الحلم… نحو أميركا.

أن تكون أميركياً في أكبر دولة تمتد على طول قارة من قارات الكرة الأرضية هو حلم يجمع في صفحاته صفات النعمة والنقمة، الثواب والعقاب، الحرب والسلم، الحرية والعنصرية .. يجمعها كلها في آن معاً. فهي دولة تقوم على إحترام الفرد، والحريات العامة، فتعطي شعبها كامل الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية. على سبيل المثال الكهرباء والماء والمدارس ليست مشقات وهموم تطرق فوق رؤوس الأميركيين كما هو الحال في وطننا لبنان، بل همهم اكبر.. السعي لمعرفة من يسبق ويحتل المريخ هم ام روسيا!!
  

الحرية كاملة حيث يحق للفرد القيام بما يريد وكيفما يريد، ففي شارع هوليوود استطاع شاب، يكاد لا يبلغ 20 عاماً، افتعال مشكلة لاعتراضه على تصرف قامت به القوى الامنية مع صديقه، وبفعل الحرية والحق في التعبير عما يخالجه، وقف وفوقه طائرات الهيليكوبتر وعشرات من رجال الشرطة تحيط به من كل صوب فأغلقوا الشارع خوفا من اي عمل ارهابي وحاصروا الموجودين، أنا كنت من ضمنهم، وعملوا على القاء القبض على من شارك في هذا الشغب، وكل ذلك كان منقولا مباشرة عبر وسائل الاعلام. والملفت ان هذا الشاب نفسه الذي ارهق واخاف جميع من كان في ذاك الشارع، بانتظار انتهاء التحقيق والسماح للخائفين بالعودة الى منازلهم، عاد بعد يومين على الشارع نفسه طلبا للتسلية!!

كذلك الحقوق فهي مطلقة، حيث يمتلك الفرد الحق في الاعتراض امام الـmayor ونقل كافة الشكاوى والمشاكل امام مجلس الولاية. وتحقيقا لهذه الغاية تعمد معظم الولايات كما هو الحال في new Hampshire الى اعطاء المواطنين الفرصة لاعلام مسؤولي الولاية خلال يوم محدد من قبلهم عن كافة الامور التي تزعجهم وتؤثر عليهم سلبا مهما كانت بسيطة والعمل لحلّها، كأن يشتكي احدهم الازعاج الذي يسببه له كلب جاره .. ويعمد المجلس الى حلّ مشكلته بكافة الوسائل المتاحة.

بعيدا عن هذه النعم من حرية وحقوق يتمتع بها الافراد بالتساوي بالرغم من اختلافاتهم الدينية والاثنية والثقافية والعرقية.. يعيش هؤلاء بمنأى عن "وجعة الراس"، وهنا يكمن التناقض. فأقوى دولة مسيطرة على العالم وتسيّره كما يحلو لها ووفقا لمصالحها، شعبها لا يفقه شيئا في السياسة، حتى من هم في صلب العمل الحزبي تبقى معلوماتهم وقدراتهم محدودة ومقيدة بالمقارنة مع تلك التي يتمتع بها شباب لبنان.

أيضاً الأميركيون بعيدون كل البعد عما يحدث ليس في القارة المجاورة او دول العالم الثالث فحسب، بل مجرد ما يحدث خارج ولايتهم.

قد يعتبر البعض ان بقاءهم بعيدين عن محاور الخلاف السياسي والدولي هو نعمة، ولكن ان يكون شعب اكبر واقوى دولة في العالم جاهل بأمور العالم إلى هذه الدرجة، ولا يمتلك من الثقافة إلا القليل، ولا يعلم بمجريات الامور داخل بلاده او خارجها، فهذا لعلمي نقمة ومؤشر سلبي عن المستقبل.

السابق
مصادر عن الجميِّل: يجب أن يلعب المسيحيون دوراً أساسياً في الربيع العربي
التالي
ينطلق برنامج دعم الاكثر فقراً