يوميّات الحريّة في مواجهة القتل والتعذيب

بلغ المعتقل قبل أن يبلغ الحلم. كلمة التحريض لا يعرف معناها. لم يتلقها في صفّ اللغة العربية، بل كتهمة رفعت في وجه الطفل البحريني عبد العزيز جعفر (13 سنة): التخريب، التجمهر، الاعتداء على رجال الأمن والتحريض على كراهية النظام. اعتقل عبودي، كما تناديه أمه، خلال مسيرة سلمية جابت منطقة باربار في المحافظة الشمالية حيث يسكن. يوم بدأ زملاؤه عامهم الدراسي، تم تحويله إلى المحكمة، ولم يحترم النظام حتى اتفاقية حقوق الطفل، كما يؤكد رئيس جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان محمد المسقطي. فالمادة 24 من الاتفاقية تنص على أنه «لا يجوز حبس الحدث احتياطياً»، إلا أن عبد العزيز أودع سجن الأحداث.
بعد خروجه الأسبوع الماضي من أسره، يخبر عبودي أمه باكيا: «سيفرح الشهيد بعودتي لميدانه».

معاناة شباب البحرين تتسابق مع تضحياتهم وتسبق حقوقهم، من علي مشيمع (21 سنة)، الشهيد الأول في ثورة «14 فبراير» إلى احمد جابر القطان (16 سنة) الذي استشهد الأسبوع الماضي جراء إصابته برصاص الـ«شوزن» المحرم دولياً، خلال «قمع قوات الأمن المدعومة سعودياً» لتظاهرة في منطقة ابو صيبع غرب العاصمة المنامة، كما يؤكد ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير.
«أريد أن أتنفس»، كلمات أحمد الأخيرة يرويها صديقه الذي هرب من المصير ذاته. يوضح أن أحمد قصد الحرية بكلماته، ويتابع: «عند استشهاده، هلل احد أفراد الأمن من دون خجل، من دون أن يعير وجود أخ الشهيد انتباها». ويفيد ممثل مركز البحرين لحقوق الإنسان يوسف المحافظة «أن السلطات البحرينية حاولت إرغام والد الشهيد على توقيع شهادة طبية تفيد أن سبب الوفاة هو «هبوط في الدورة الدموية»، قبل أن تستدرك إزاء رفضه، ببيان يعترف بأن «تقرير الطبيب الشرعي للنيابة العامة أوضح أن الوفاة كانت نتيجة لإصابة نارية (شوزن)».

«حسن ضيافة» النظام اتسع لفاطمة البقالي، طالبة في كلية المعلمين بجامعة البحرين، تم اعتقالها في 9 أيار 2011. اقتيدت معصوبة العينين إلى مركز احتجاز الرفاع الغربي، لاستجوابها حول كلمة كانت ألقتها في ساحة اللؤلؤة، وحول تعليقات معادية للحكومة كتبتها على الـ«فايسبوك». رسالة إحدى صديقاتها في الأسر تقول: «تعرضت فاطمة إلى صعقات كهربائية في الرأس، يتم ضربها بقسوة بشكل دوري وبوسائل عديدة، أيضا كادوا أن يغتصبوها بقارورة ولكن الله ستر عليها ولم يحدث ذلك. إضافة لذلك تعرضت لإهانات كثيرة، كأن يتم وضع سلة القمامة في رأسها مرارا.. وغير ذلك من الإهانات».
بعد اعتقالها لخمسة أشهر، رئيسة جمعية التمريض البحرينية رولا الصفار تؤكد محتوى «رسالة فاطمة»: «أحسَّست بالهلع لرؤيتي داخل السجن طالبات مدارس وهن في حالة صدمة بعد تهديدهن بالاغتصاب من قبل المحققين. لا أزال قلقة حتى الآن من أن البعض منهن تعرضن للاعتداء الجنسي، ولكنهن خائفات جداً من الاعتراف بذلك. كانت عندهن كدمات في جميع أنحاء أجسادهن». في فترة سجنها، تعتقد الصفار أنها رأت نحو 250 معتقلاً، البعض منهم تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 16 سنة، وقد تم زجهم في الزنازين من غير علاج إصاباتهم.
 
تهمة الطائفية.. والبراءة منها

في العام 1968، أعلنت الحكومة البريطانية إنهاء المعاهدة التي عقدتها مع شيوخ الخليج العربي، فادعى شاه إيران أحقيته بحكم البحرين. البحرينيون ردوا باستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة سنة 1970، صوتوا فيه بالأكثرية الشيعية (85% آنذاك) لبقاء البحرين عربية مستقلة عن أي دولة أخرى، لا سيما إيران، كما يشرح عضو شورى جمعية الوفاق المعارضة إبراهيم المدهون الفار إلى لبنان من قمع النظام. ويضيف: «برغم ذلك لا تزال الثورة تعاني من التهم الطائفية التي يثيرها نظام آل خليفة للتلطّي خلفها والتمسك بالحكم».
ويتابع الأب لأربعة أولاد، حكم على اثنين منهم بالسجن عشرين عاما بسبب مواقفه السياسية: «مطلب المعارضة هو العودة إلى الدستور الذي أقرّ أن الشعب مصدر السلطات.. فأين الطائفية في ذلك؟».
الثورة ليست ثورة طائفة ورغيف، والمطالب كما الشعارات التي ترفع وطنية خالصة، تريد تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية للجميع، كما أن الظلم واقع على الجميع، لذلك لم تكن صدفة أن أول معتقل ومختطف في الثورة كان المواطن محمد البوفلاسة، وهو من الطائفة السنية، تحوّل إلى رمز من رموز الوحدة الوطنية في البحرين. يوضح باقر درويش (21 سنة) أحد قياديي شباب ثورة «14 فبراير» أن «صعود رجل من أهل السنة على منصة ميدان اللؤلؤة ليتضامن مع مطالب المتظاهرين يعني تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة للنظام، ويسحب منه ذريعة الطائفية».

14 فبراير.. انقلاب وثورة

كانت الثورة كالجمرة تحت الرماد، تترقب لحظة الاندفاع والتفجّر، خصوصا مع فشل ما تسمّيه السلطة بـ«المشروع الإصلاحي» الذي انتهى فعليا بالانقلاب على ميثاق العمل الوطني الذي حصل على تأييد بنسبة تصويت بلغت 98.4%، في 14 شباط 2001. يكشف باقر درويش: «من هنا كان توقيت 14 شباط 2011 الذي اختاره شباب البحرين»، ويضيف: «الثورة الحاصلة ليست الأولى، لكن شباب البحرين أوصلوها للعلن. عمموا على شبكات التواصل الاجتماعي نضالهم الذي خاضوه في الشوارع والمعتقلات، بعد أن حاول النظام ووسائل الإعلام القريبة منه التعتيم عليها».
ويؤكد إبراهيم المدهون أن تصدّع مؤسسة الحكم التي تديرها عدة أجنحة (في إشارة إلى الملك ورئيس مجلس الوزراء) انعكس على مؤسسات الدولة التي أثقلها التشطير الطائفي، بالإضافة إلى مشروع التجنيس السياسي الذي يستنزف من ميزانية الدولة الكثير ويعرض الشباب البحراني للبطالة المتزايدة. «كان الشباب يشاهدون هذا الواقع المأزوم وتفاصيله تتعقد يوما بعد يوم، فالوظائف تمنح بحسب الانتماء الطائفي لا المستوى العلمي». مركز البحرين لحقوق الإنسان بين ذلك في شهادات وثّقها، كحال محمد جاسم مثلا، الطالب الذي تخرج بمعدل 98%، وكان يطمح بالحصول على بعثة في الطب أو الهندسة، ولكن أثناء المقابلة سُئل عن علاقة المواطنين بالقيادة لتحديد أهليته للبعثة بناءً على ولائه للقيادة، فخسر المنحة التي يطلبها. ويضيف المدهون: «جاء يوم 14 فبراير ليقرر شباب البحرين انتفاضة تسترد الكرامة المسلوبة، ونحن كجمعيات سياسية سرنا وراءهم».
إلى جانب القتل والاعتقال وقمع الحريات، ردّت السلطة على الثورة بحملة انتقام مفتوحة، ضد كل من شارك في الاحتجاجات أو ساندها. ويوثّق مركز البحرين لحقوق الإنسان «إجمالي المفصولين في القطاعين العام والخاص والمسجلين في قوائم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بنحو 2724 مفصولا حتى تاريخ 27 أيلول 2011، بينما العدد الفعلي للمفصولين عن العمل يظلّ مجهولا».
كل ذلك لم يمنع ثوّار البحرين من التأكيد على مطالبهم: «إن النضال من اجل حريّة البحرين بدأ ولن يقف حتى نيلها، وإن الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية في العالم العربي آيلة جميعها للسقوط لا محالة». 

السابق
بري دعا الى عقد جلسة لانتخاب اميني السر و3 مفوضين وأعضاء اللجان النيابية
التالي
موجة اكتئاب أميركية!