من يربح المليون إذا جرت الانتخابات الآن؟

بدءاً من آذار 2005، تحوّلت الساحات في لبنان الى "بارومتر" لمقياس الحالات الشعبية. نزل فريق "شكراً سوريا" بالآلاف الى الساحة إثباتاً للحضور. وكاد يستنتج الرأي العام العالمي أنّ الغالبية الشعبية في لبنان هي تلك التي ظهرت في 8 آذار. ووجد فريق "لِتخرجْ سوريا" نفسه أمام مواجهة حاسمة، فكان نزوله مدوّياً في 14 آذار. وبعد ذلك، جرت من الفريقين عمليّات استعادة للمنازلة الآذارية. فبقي الشارع ميداناً لعرض العضلات، خصوصاً أنّ انتخابات 2005، بتحالفها الرباعي، نسفت فرصة نقل "البارومتر" الى صناديق الاقتراع. لكن الانتخابات النيابية في 2009 كانت أشدّ تعبيرا عن موازين القوى الشعبية. وقد حسمت فيها 14 آذار حيازتها الغالبية الشعبية.

اليوم، تبدو القوى السياسية وكأنّها قد أعادت "العدّادات" الى الصفر، انتظارا لمنازلة 2013. فلا فريق 8 آذار قادر على ادّعاء الغالبية، وهو يرى أنّ تحالفه مع "قدامى 14 آذار"، كالنائب وليد جنبلاط و"التكتل الطرابلسي"، يهتزّ بفعل التباعد في النظرة الى الاستحقاقات. ولا فريق 14 آذار مطمئنّ الى أنّ الذين يمسكون بالسلطة الآن سيتيحون له، بملء إرادتهم، الفوز في الانتخابات المقبلة، بما ترتديه من أهمّية للسيطرة على مفاصل السلطة لسنوات، بما في ذلك الإتيان بسيّد بعبدا المقبل.

الماكينات ناشطة

من هنا، وفي موازاة الاستنفار لإنتاج قانون للانتخابات، تنشط ماكينات الأحزاب والتيّارات لدراسة الواقع الشعبي لكلّ منها، واستنتاج ما هو القانون الأنسب لها. ويتحدّث المطّلعون عن مفاجآت أُصيب بها بعض القوى عند اطّلاعه على تدهور شعبيته، في مقابل نموّ في شعبية الخصوم. وقد تسرّبت هذه الأجواء الى أوساط مختلفة. ولذلك، يهمّ هذه القوى أن تجد السبيل لحماية حضورها.

ويتقاطع الباحثون في الشأن الانتخابي على عناصر مشتركة في عملية سَبْر الواقع الشعبي لدى القوى الداخلية الأساسية. وفي إجابتهم عن السؤال: "مَن يربح المليون صوت إذا جرت الانتخابات اليوم؟" يستنتج معظم هؤلاء أنّ هناك ثباتاً واضحاً في وضعية الزعامة الدرزيّة لمصلحة النائب وليد جنبلاط. وما زال الثنائي الشيعي "أمل" و"حزب الله" يستقطب الغالبية الشعبية في الطائفة. كما أنّ "تيار المستقبل" ما زال يمسك بالغالبية في الوسط السُنّي عموماً، على رغم تحسّن حقّقته "الجماعة الإسلامية"، وكذلك "التكتّل الطرابلسي" في عاصمة الشمال منذ وصول الرئيس نجيب ميقاتي الى السراي. ومن شأن اعتماد النسبيّة ان يسمح بوصول قوى "كامنة" في الأوساط الدرزيّة والشيعية، والسُنّية الى حدّ ما. لكن الباحثين يسجّلون تبدّلاً واضحاً في المزاج المسيحيّ. والانتخابات في لبنان باتت في العقود الأخيرة معركة بين المسيحيّين في الدرجة الأولى.
 إلى ما دون النصف

فالاستطلاعات تؤشّر الى أنّ الخط البياني الذي سلكته شعبية العماد ميشال عون، أي التراجع من "زعامة الـ70 %" من المسيحيّين في انتخابات 2005 إلى نسبة شبه متوازنة بين مسيحيّي 8 آذار ومسيحيّي 14 آذار في 2009، ما زال مستمراً إلى ما دون النصف. وفي الأرقام، تشير الاستطلاعات الأخيرة الى أرجحيّة مسيحيّة لفريق 14 آذار، مضافاً إليها حجم القوى المسيحيّة الوسطية، كتلك التي تتأثر برئاسة الجمهورية وبكركي وممثّلي العائلات والبيوتات. وهي على الأرجح ليست في وارد الانضمام الى عون في الانتخابات المقبلة، كما أنّها لم تفعل قبل اليوم، لأنّ ذلك سيؤدّي الى "تذويبها" ومحْوِها عن الخارطة السياسية. وقد دلّ بعض التجارب السابقة في العديد من الدوائر، الى فشل التعايش بين القوى الوسطية أو العائلية و"تكتل التغيير والإصلاح". ولو جرت الانتخابات الآن في الوسط المسيحي لأظهرت استكمالاً لنمو العديد من القوى على حساب شعبيّة العماد عون.

لذلك، يجهد "الجنرال" في العمل على خطّين متوازيين: "ترتيب" قانون للانتخاب يلائمه في ظلّ الحكومة الحالية، وتدعيم العلاقة مع "حزب الله" وسائر الحلفاء، بما يضمن تسمية مرشّحيه في اللوائح. لكنّ الغموض يكتنف قدرة القوى السياسية على إنجاز قانون يراعي المتناقضات في المدى المنظور.

وفي انتظار أن يتحوّل "المليون" إلى حساب الصناديق بعد عامين، قد تنتهي "فَوْرة" البحث عن قانون للانتخاب بتأجيل جديد، إلى ان يقرّر الأقوياء ما يناسبهم، فيتكرّر "السلق". ومعظم الأقوياء يفضّلون الانتخابات "مسلوقة"، لأنّ نتائجها سريعة الهضم! 

السابق
يمنع اللون الواحد
التالي
موظفو المستقبل