الاخبار: برّي: لا تخافوا من المقاومة بل خافوا عليها

بين المصيلح ونيويورك، توزّع أركان الدولة أمس: في الجنوب رئيسان وبطريرك وحديث عن الاحتلال والمقاومة والحوار والقرار 1701، وفي مجلس الأمن رئيس ثالث ووزيرة خارجية أميركا، وكلام عن الالتزام بالقرارات الدولية من دون انتقائية
لخّصت مأدبة المصيلح التي أقامها رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس تكريماً للبطريرك الماروني بشارة الراعي، صورة المشهد السياسي الداخلي، من جهة «دولة» انتقلت بمختلف ممثلي مؤسساتها وأجهزتها ــــ باستثناء الموجودين في نيويورك ــــ إلى التلة المشرفة على عدد من قرى قضاءي الزهراني وصيدا، واجتمعت حول مائدة وكلمتين للداعي والراعي. ومن جهة أخرى، معارضة وصلت حتى إلى مقاطعة الواجبات الاجتماعية. فبحسب المكتب الإعلامي لبري، حضر إلى المصيلح أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعسكريون ورجال دين وسياسيون «ووزراء ونواب جنوبيون»، ليتبيّن لاحقاً أن النائبين الجنوبيين فؤاد السنيورة وبهية الحريري، اعتذرا عن عدم الحضور، وجاء اعتذارهما في يوم الوليمة نفسه، بل إن أحدهما اعتذر قبل ساعتين فقط.

المأدبة التي سبقتها خلوة بين صاحب الدار ورئيس الجمهورية والبطريرك الماروني، حملت أكثر من إشارة وموقف. فهي أكدت أولاً حرص بري على مأدبة جامعة حتى وإن اعتذر البعض، وثانياً حضور سليمان شخصياً ومع عقيلته، لا الاكتفاء بممثّل عنه، بما يشير إلى حسن العلاقة مع بري وكدلالة رمزية إلى الجنوبيين، إضافة إلى تأكيد الكيمياء الجبيلية التي تجمعه مع الراعي الذي بادله التحية بتبنّيه الدعوة إلى طاولة الحوار المسؤول التي «يطرح عليها الجميع ما لديهم من مخاوف وتساؤلات ومآخذ وتطلعات»، وصولاً إلى بري الذي بدأ بالترحيب بالراعي «في أرض القداسة في جنوب لبنان، جبل عامل، جبل المحبة الذي طرد أبناؤه التجار من أرضه ومن كل هيكل فيه للرب»، ثم حيّا مقاربته «للموقف الناتج من الاحتلال الإسرائيلي»، لينضم ــــ وهو صاحب فكرة طاولة الحوار الأولى ــــ إلى دعوة سليمان والراعي إلى الحوار و«دون شروط»، معلناً التقاءه مع الثاني «في معنى ألا تكون أي علاقة مميزة لأي طائفة مع أي دولة أو مرجعية خاصة بتلك الطائفة أو ذلك المذهب»، بل أن تكون تلك العلاقة من أجل لبنان، وأن تسهم في حل قضاياه وفي دعم استقراره وازدهاره.

في إحدى كلمتي المناسبة، أكد بري التزام لبنان لجهة تنفيذ القرار 1701، مطالباً المجتمع الدولي ودول القرار بالضغط على إسرائيل لإجبارها على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف انتهاكها للسيادة اللبنانية. وقال إن المقاومة نشأت نتيجة عدم احترام إسرائيل للقرارات الدولية، وفي طليعتها القرار 425، وكنتيجة طبيعية للعدوان، وإنها اليوم تستمر «كضمانة لردع أي عدوان ولتأكيد حقوق لبنان في أرضه ومياهه وثرواته الطبيعية في البر والبحر، لذلك نقول، وبصراحة، للأقربين وللأبعدين: لا تخافوا من المقاومة بل خافوا على المقاومة».

وفي ما يشير إلى امتلاكه معلومات عن تدخل لبناني في أحداث سوريا، تمويلاً وتسليحاً، أكد بري «ضرورة وقف أي كلام أو تحريض أو تمويل أو تسليح عابر للحدود، وحذرنا من سايكس بيكو جديد لا يستهدف سوريا فحسب بل عدداً من بلدان المنطقة وصولاً إلى لبنان». وقال «لا فائدة من أن نربح العالم ونخسر أنفسنا. نقول ذلك لأن في لبنان من لا يريد أن يكفّ عن الغضب والسخط، وأن هناك من يواصل إغلاق الستائر لمنع الشمس من الدخول إلينا»، ليخلص إلى «أن لبنان يستحق كل تضحية. إنه يستحق أن نتحلق حوله جميعاً».

وفي الكلمة الثانية، تحدث الراعي عن الجنوبيين الذين التقاهم طيلة الأيام الثلاثة الماضية، مشدداً على ضرورة تثبيتهم «في أرضهم التي سقوها بعرق جبينهم، وحرروها بوحدة صمودهم، وافتدوها بدماء شهدائهم وأغنوها بتراثاتهم، وكتبوا عليها مآثر تاريخهم». وقال إن الجولة التي اختتمها أمس «تكتسب بُعدي الشهادة والالتزام. أشهد لحقيقة العيش الواحد المسلم والمسيحي في كل المدن والبلدات والقرى، مع ما يحتاج لاكتماله في المساواة بالحقوق والواجبات. لقد طوى الجنوبيون صفحة الماضي ومآسيه وجراحه وفتحوا صفحة جديدة من الشركة والمحبة، وإنهم يتوقون إلى أن تمتد على كل مساحة أرض الوطن»، ورأى أن اللبنانيين أصبحوا جاهزين لاستحقاق الحوار «بعد 36 سنة من التضحيات والاختبارات»، مضيفاً أنه «منذ سنة 1975 إلى اليوم وأبناء لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، يسجّلون بطولات في مقاومة الأعداء، وإراقة دماء الشهداء، وبذل الغالي والنفيس، من أجل حماية لبنان سيداً حراً مستقلاً».
 
كلينتون وأولويات الحكومة

لقاء آخر حمل أكثر من رسالة، جمع في مكتب لبنان كرئيس لمجلس الأمن، في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وحضره عن الجانب اللبناني وزير الخارجية عدنان منصور والسفيران أنطوان شديد ونواف سلام، وعن الجانب الأميركي مساعد كلينتون لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، والناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي مايك هامر وعدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية.
وأكد ميقاتي خلال اللقاء أن أولويات حكومته «هي العمل على تحقيق الاستقرار في لبنان وإبعاده عن تأثيرات الأوضاع الخارجية عليه». وجدد «احترام لبنان التزاماته الدولية، لأنه لا يمكن أن نكون انتقائيين في احترام القرارات الدولية».
ونقل المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة عن كلينتون قولها إن الأولويات التي طرحها ميقاتي «لعمل حكومته هي أولويات صحيحة وتقع في مصلحة لبنان العليا». وأشادت بموقف لبنان الأخير في مجلس الأمن، ووصفته بأنه «ذكي ونتفهّمه لجهة تحييد نفسه عن التطورات الحاصلة»، آملة أن يفي لبنان بالتزامه بتمويل المحكمة الدولية. وإذ أعلنت تفهّم بلادها لضرورة الاستمرار بدعم الجيش، أتبعت ذلك بما يشبه الشرط بأنه «في موازاة ذلك لا يمكن أي أطراف مسلحة أن تقوم بدور الدولة أو الحكومة». وما لم تقله وزيرة الخارجية تولّاه مساعدها فيلتمان الذي ذكر أن كلينتون «لفتت نظر الحكومة اللبنانية إلى ضرورة أن يكون لبنان حذراً لجهة تعاطيه مع الوضع في سوريا، وأن لبنان يجب ألا يكون على الحياد حيال فرض عقوبات على الأعمال العنفية التي يمارسها النظام السوري».
كذلك التقى ميقاتي الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي شدد على «استقرار لبنان وضرورة تحييده عن تداعيات الأوضاع في المنطقة».
أما في سير الضنية، فخرج النائب خالد ضاهر ليعرب عن صدمته من مواقف الراعي في باريس، آسفاً لأن هناك في رأيه من «يريدون أخذ هذا البلد إلى تحالف الأقليات»! 

السابق
ملف جديد..
التالي
الراي: ميقاتي لكلينتون: لبنان سينفّذ التزاماته الدولية