هل أنا مواطن “نص نص”…من يعلم؟

عندما أطلقنا في "النهار" دعوة الى التصويت لمغارة جعيتا، قال لي أحدهم "je m’en fous"، ورددت عليه بمقالة في "نهار الشباب"، ثم ناقشنا الفكرة في اجتماع التحرير لأني اعتبرت ان التصويت واجب مواطنيّ. لكنني فوجئت بإجابات من نوع "أنا لست مواطناً"، و"لا أشعر بالمواطنة، أنا مقيم في هذا البلد"… من هنا كانت فكرة معالجة "مشكلة" المواطنة في لبنان… وقد انطلقنا بأن
يكتب كل منا فكرته فيجيب عن سؤال "هل أنا مواطن؟". لذا تقرأون اليوم آراء زملاء في "النهار". ماذا يقولون؟ هنا المفاجأة…

غ. ح.
مواطنة في رسم الانتظار!
منال شعيا
هو ذاك البيت في الجبل، الذي ولدت فيه وتهجرت منه وأخطط للعودة اليه بعد تلك الأعوام الـ 30. من شبابيكه الخشبية القديمة، أكوّن مفهومي للوطن. من سقفه القرميد الذي أكلته السنون، احدّد مفهوم المواطنة. هي ليست أنانية، ولا شخصانية، بل عودة الى انتماء سُرِق مني، وباستعادته فقط ارتاح.
ذاك المنزل هو بمنزلة كل لبنان… لبنان الجميل بأخضره، وطبيعته وهدوئه، وحب ناسه الى الارض والعفوية والبساطة. تلك الصورة التي لم يبق منها سوى النزر اليسير.
من ذاك المنزل، اشعر بمواطنتي، بل أحدّدها. هي مفارقة لأن شعور المواطنة يحتاج عادة الى دولة توفر الحقوق قبل ان تأخذ الواجبات، انما في حالتنا لا دولة، بل افراد يصارعون وحدهم لاعادة بناء هدّمه من كان يسمّى "الدولة". لن أشعر بأني مواطنة حقة الا حين اعود الى ذاك المنزل. اليوم، انا مواطنة في الانتظار… قدري ان انتظر اعوام التهجير تنتهي، وان انتظر ترميم بيت سرقوه مني بحجة حمايتنا مع سائر المسيحيين في الجبل… بصراحة لم تعد تهمني مواقف السياسيين ولا مداخلات النواب، ما يهمني هو ان اعيش وحدي مواطنتي الحقة في الجبل، حيث استطيع ان احافظ على الطبيعة واحترم القوانين وارسم صورا جميلة عن لبنان الاخضر، ببيوته الاثرية والارض المزروعة ورائحة التراب وضوء القمر.
عبر ذاك المفتاح الذي احتفظت به أعواماً، سأفتح بوابة الحديد وأدخل البيت. هذه المرة ليس من اجل ان اراه للمرة الاولى في حياتي، او لتمضية بضع ساعات، انما لاشهد عملية ترميم تشعرني بأني مواطنة. ترميم من اموالنا الخاصة، " نكاية" بشح التعويضات ورغماً عمن هجّرني ذات يوم!

لبنانية جنوبية
دانيا شري

لبنانية من أب وأم لبنانيين، وأحمل جواز سفر وهوية لبنانيين. لكنني أقولها وبأسى: أكره لبنان، وأشتمه صباح كل يوم أثناء توجهي الى العمل وأنا "عالقة" في زحمة السير، وأشتم الناس الذين لا يكترثون لاشارات السير ويتجاوزونها من دون تردد او رادع قانوني. أضف الى ذلك انقطاع التيار الكهربائي وأزمة المياه وارتفاع كلفة المحروقات والأسعار، وتدني الأجور، والطرق "المتعرجة" المنخورة بـ "جُوَر" تفتك بأعصابنا.
أشتم المسؤولين الذين لا يتعرفون الينا الا في موسم الانتخابات، وأكره رؤية الشباب يبحثون عن "واسطة" للعمل أو "فيزا" للسفر سعياً الى توفير مصدر عيش. أكره لبنان بانقساماته الحزبية، اذ لا يشبه اللبنان الذي علّمني أهلي ومدرستي حبه والاحتفال باستقلاله كل سنة.
لكل هذا أقول اني "لبنانية جنوبية"، من ذاك الجنوب حيث الطبيعة تحاكي السماء فترسم مجسمات صغيرة عن الجنة، وحيث المقاومة والشعب الذي يتحدى الموت بلا خوف أو تردد… وسأبقى جنوبية على أمل ان نبني وطناً اسمه لبنان، فأنتمي اليه فقط.

"نص نص"
عياد واكيم

"أنا مواطن لبناني"، عبارة أقولها وأتساءل يومياً ما اذا كنت كذلك بكل ما للكلمة من معنى. حس المواطنة حال لا يمكن وصفها، تقارب غرام شخين ببعضهما. هل انا مغرم بوطني أم أنا من سكان هذا المكان الجغرافي الذي يقع في منطقة الشرق الأوسط، دون ارتباط عاطفي أو معنوي يذكر؟
أحياناً أشعر بفخر عندما أسمع أناساً غير لبنانيين يتحدثون عن لبنان، وأحبط تارة أخرى عندما أرى تصرف أخوتي في الوطن حيال طنهم. حالي هي حال كثيرين ضائعين في هويتهم وانتمائهم. "لكم لبنانكم ولي لبناني" قالها جبران خليل جبران وفسّر مفهومه للبنانه. أرددها على مسمعي ولا أعلم ما هو اللبنان الذي أريده.

لبنانية مارونية من كسروان
باسكال عزار
الأكيد انني مواطنة لبنانية وأشعر بانتمائي الى وطني، لكن ولائي للبنان وعاء يحوي ولاءات متعددة أنتفض لها بحسب الموقف والقضية. على المستوى المناطقي، أشعر بالغيرة على كسروانيتي وأفخر بها من دون ان أجد سبباً يبرر ذلك. الى ذلك، أشعر بانتماء ديني قوي يربطني بطائفتي المارونية، ولا أرى في ولائي لها تناقضاً مع ولائي الوطني، لأن الطائفة المارونية من أعمدة لبنان وضربها يعني ضرب الكيان اللبناني. فكما ان مسيحيي الشرق يكونون بخير اذا كان مسيحيو لبنان بخير، فإني أرى أيضاً ان لبنان سيكون بخير اذا كان موارنته بخير.

 
المواطنة… مسؤولية
ريتا صفير

لست ممن يدافعون عن الدولة. هي أساساً غائبة بل مغيبة. ولست من الممتنين لخدماتها. هي طبعاً غير موجودة. أنطلق من ثابتة. المواطنة حقوق وواجبات. تزعجني المطالبة بما لنا وكأن لا مسؤوليات لدينا حيال وطننا. اللبناني "مواطن صالح" في الدول التي يحمل جنسياتها. منتج. كادح. ممتثل للقانون ومتفرعاته. واللبناني نفسه الذي يأتي الى بلده يتحول طالب اعفاءات، وحالماً بـ "وساطات"، وباحثاً عن حسابات ومحسوبيات.
المواطنة تنشئة، سلوك، وممارسة، وانتماء… اسألوا مستقلاً حارب محتلاً لاسترداد أرض، وأسود ناهض أبيضاً لتثبيت حق، وشاباً ثار على متغطرس لوطنٍ حر.

لبنانية… ولكن!
سلوى بعلبكي

عندما سئلت عما اذا كنت أعتبر نفسي مواطنة لبنانية أجبت بلا تردد انني لبنانية. فأنا فعلاً أشعر بفخر لكوني انتمي الى هذا الـ "لبنان" لأسباب عدة لا مجال لذكرها الآن. ولكن، يحز في نفسي ان أعامل في وطني على أساس مناطقي وطائفي لا مواطنيّ.
فهذا الأمر يحصل معي دائماً، وآخرها مع شرطيين للسير، الأول يدعى عباس غض الطرف عن مخالفتي لأننا ننتمي الى الطائفة نفسها، والثاني نقولا الذي قال لي عندما ضبطني بالجرم المشهود أتجاوز الاشارة الحمراء (من دون انتباه) "هلق منظبطها"، لكنه عاد وبدل رأيه، مصراً على تحرير مخالفة ضبط بحقي بعدما أيقن انني لست من طائفته!

أنا مواطنة شمالية!
هنادي الديري
أقولها بصوتٍ عال وبلا خجل أو تحفّظ، وقد زيّنت وجهي ابتسامة مُشرقة تجاور الإنخطاف، ولا تخلو من الأحكام المُسبقة: أنا مواطنة شماليّة!
أشعر بغربة حقيقية في كل المناطق التي تخرج عن نطاق نفق شكا (المُظلم والأقرب إلى رواق افتراضي يقودنا إلى الآخرة!)، وأتعامل مع كل شمالي وكأنه نسيبي، وأتوسل كلمات شماليّة أستعيض بها عن الكلمات البيروتيّة الأنيقة،
فـ "الساندويش" تصبح "لفّة"، و"الصعتر" يتحوّل "زُباع"، والـ "شو بكي؟" باتت "أش بكيه؟"، و"على شو؟" سُرعان ما تتحوّل "وعَ إيه؟"، و"الشباك" يأخذ شكل" القجاز!"، و"على راسي" هي بالـ "شمالي":"عَ روسيه!"، والزاوية بالنسبة إلي هي "الزاموقة!"، وهكذا دواليك…
أنا مواطنة شماليّة، أنفق مئات الألوف (ليرة لبنانية طبعاً!) شهرياً على البنزين لأنني أجد كل الأعذار الممكنة في الكون لأزور الشمال مرات عدة في الأسبوع: لآكل "لفة" السمكة الحرّة عند صديقي القديم الصيّاد أيوب نخلة،
ولـ "أسلّم" على بائع الخضر، ولأشرب القهوة مع الذين أعرفهم ومن لا أعرف عنهم سوى انهم من الشمال، ولأمارس كل الطقوس الجماليّة في طرابلس التي أعرفها "زاموقة زاموقة"، ولأتنقل في الكورة من قرية إلى أخرى، أحياناً بلا هدف، مُستغرقة في جمال الطبيعة القاسية والرائعة الجمال، ولأشرب القهوة عند الأصدقاء في عكار. وكيف أصف سعادتي عندما أسير منتعلة "سكربينتي" المزيّنة بالكعب العالي فـ "أطرطق" على أرصفة الشوارع الشماليّة، وألقي التحيّة على الجميع وأعتد بنفسي لأنني "شعبية" في منطقتي. كما أضيف عشرات "الشماليّين" على "فايسبوك" وإن كنت لا أعرفهم، فهذا تفصيل سخيف لن يقف بيني وبين أبناء "شمالي"! وعندما يُرسل إلي بعض من أضفتهم الى لائحة الأصدقاء على الـ inbox: "عفواً للسؤال ولكن لماذا أضفتنا ومن أين نعرفك؟"، أجيب "أحبائي" بالطريقة عينها: "ولو! أنا من الشمال!".
ما ان أعرف أن أحد الشماليين تفوّق بصنعة أو أخرى، وإن كان "إبداعه" يقتصر على "دقّ المسمار بالحيط بطريقة أوريجينال"، أقتحم مكتب "المدير" وأهتف لاهثة: "لازم نعمل مقابلة مع هذا أو ذاك، لأنو شغلو بطيّر العقل". وغالباً ما يهزّ مديري رأسه مستسلماً، قائلاً بصوت خافت: " وأكيد هوي من الشمال!". وعندما تصل عطلة نهاية الأسبوع، أتنفس الصعداء وأقول لأي شخص أجده في طريقي:" خيّ! بوكرا طولعه عالضيعو". وأعرف جيداً أن الجواب سيكون عينه وإن اختلف الشخص: "ما مبارح كنتي فوق!".

هويتي… غير مكتملة!
نيكول طعمة

لبنانية أجل، كوني أعيش في بلد اسمه لبنان وأحمل جنسيته. لكنني أعيش لبنانيتي تارة في الخيال وطوراً في الوقاع. وغالباً ما أشعر بأن لبنانيتي غير مكتملة، ومواطنيتي منقوصة انسانياً واجتماعياً في مجالات عدة. لا أرغب في ان ادخل لبنان في مقارنة مع بلد آخر، لأقول مثلاً "الانسان في أميركا يشعر بالمعنى الحقيقي لمواطنيته دونما تمييز". يا ليت لبنان يعرف مثل هذا التعامل مع أبنائه. رغم كل ذلك، لن أفرّط بهويتي وانتمائي ريثما تتجسد المواطنة على حقيقتها.
 

السابق
ناشطي الانتفاضة السورية: هكذا يتفكك النظام
التالي
مناورات بالأسحة الثقيلة للعدو في المزارع