هل ينبض قلب اليسار من جديد؟

لن يصدق أي قارئ حتى المتفائلون أن اليسار في سبات و غيبوبة و هم من يظنونه ميتا” منذ زمن، حتى أنهم تقبّلوا فيه العزاء و دفنوا رفاته مع رفاة من إستشهد من الرفاق، أو مع أنظمة بادت و تغيّر وجهها، ظنّ الجميع، يساريون أم لا، أن عهد اليسار قد ولّى إلى غير رجعة، فمنهم من إستعد لتحضير نظام جديد أما القسم الآخر، فعاش على أطلال ما فقد عازلا” و مقوقعا” نفسه عن المحيط، و المتبقون إلتحقوا بالركب الرأس مالي.

يسار عربي يعتاش على ردّ الفعل، خاضع لمساومات و مصالح مع الأنظمة الحاكمة، أو مهمّش منسي لا إعتبار له، لا إن قامت ثورات و لا إن قعدت، فهو الحاضر الغائب الملهي بتراث و أفكار يستحال تطبيقها، لكنه يأبى إلا أن يصرّ على عدم تحديثها أو تجديدها، هل تقوم لهكذا يسار قيامة؟ أم أنه سيفشل و يفشل حتى ينتهي ذكره؟ كيف نعيد اليسار إلى الحياة بعيدا” عن التنظير؟ أسئلة لم أكن لأقوى على إجابتها أو حتى التفكير في حلّها قبل أن أحضر العديد من النشاطات اليسارية الشبابية و التي على غير عادة، لم تكن محاضرات و مخيمات و سهرات تنتهي فور إنتهاء مدة وقتها و يذهب الكل إلى بيته، بل كانت تفاعلا” مع محيطها و مجتمعها و لا أعني حولا أو كفررمان، فليسوا بحاجة إلى تقييم فهمّ من يلمع دائما” في سماء الفكر و الإنجاز، بل أتحدث عن دخول الشباب اليساري إن كان شيوعيا” أم من إتحاد الشباب الديمقراطي مناطق كانت من قبل مركزا” لهم و غابوا عنها، عودتهم إليها بنشاط لا تعني فقط نشاطا” و تم القيام به فنجح و إنتهى مع النهار التالي الكلام عنه، بل تعني نشاطا” يرسي أسس و قواعد لنشاطات أخرى قادمة تمهد لعودة اليسار إلى موقعه الطبيعي، يبدأ الإصلاح بالدوائر الضيقة الصغيرة، أي بالعودة إلى المناطق و الضيع التي إبتعد اليساريون عنها فيشاركون كما غيرهم في نشاطاتها و فعلياتها، يطرحون أفكارهم و رؤاهم كما غيرهم من باقي الأطراف، لعل الخوف كان من تغيّر المجتمع و فرضية رفضه أفكار اليسار، لكن و من بعد كل نشاط و حجم التجاوب من قبل الناس و إعجابهم، تعاد الحسابات و تبنى فرضيات جديدة، بدل “نبذ الناس اليسار” إلى “طوق الناس لملاقاة اليسار المغيّب”.

.
 
سآخذ مثالا” صغيرا” على قياس لبنان المنهك من مشاكل 8 و 14 آذار اليومية و بحث المواطن عن البديل الذي يلبي له أبسط حقوقه و يجعل منها أولوية إن كانت مياه أو كهرباء أو حقوق إجتماعية و مدنية، يعني بشكل غير مباشر، بحث المواطن عن بديل يراعي حقوق المزارعين و العمّال و يعطي الكل حقوقهم دونما فرق طبقي، أي بحث اللبناني عن اليسار من جديد لأنه الحل الذي يطمح إليه، ما قلته في السابق يعدّ من باب التنظير، لكن لم أقله إلا من بعد أن رأيت شباب الإتحاد الديمقراطي و أشبال الحزب الشيوعي يغنّون في النبطية و يقيمون النشاطات في مدينة ربيت على التنوع و إحترام التعددية الفكرية فكان لليسار فيها حصّة الأسد، قبل أن يغيب عنها كتحركات و تنام أحزابها اليسارية في حضن القوى المسيطرة، حتى ألغي الدور اليساري نبطانيا” –و هي مثال على باقي المناطق لكنها حالة تدرس- هذا الواقع كان قبل حملة إسقاط النظام الطائفي و رموزه حيث كانت المدينة السبّاقة في الإعتصام و التظاهر قبل باقي المدن التي تبعتها، فعاد الناس ليسمعوا باليسار من جديد و يستذكروا أيامه، من بعدها تتالت التحركات و بان إسم اليساريين أكثر فأكثر لكن من دون نشاط جديد حتى أن البعض قال أنها موضة و ردّ فعلي يساري و إنتهى كالعادة، لكن أهل المدينة رفضوا خلع ثوب الإنفتاح و إحترام الحريات فواجهوا القوى المسيطرة التي حاولت أن تمارس سياسة الأخ الأكبر و فرضوا إرادتهم عليها بدل ان يتحقق العكس، و أقاموا أسبوع فرح كان برأيي وجود الإتحاد بشبابه و الحزب الشيوغي بأشباله من أبرز اللوحات التي يتوقف عندها المراقب كي يقول، نعم، لقد عاد اليساريون و أصلحوا أنفسهم، فها هم يعملون على بناء جيل جديد مثقف يحمل الشعلة بعج من يحملها اليوم و يبنون للمستقبل، خرجوا من القوقعة و العزلة للتواصل المباشر مع الناس و إيصال أفكارهم بأبسط الطرق، فأغنية راب كافية لتحاكي مواجع اللبناني و ترسم البسمة و الفرح على وجهه في وقت واحد، حتى تتلوها الأغاني الثورية التي إشتاقت إليها النبطية و لم تسمعها منذ زمن، و اللافت أن الحضور لم يقتصر على الشيوعيين و اليساريين القدامى فقط، بل تعداه إلى الكل، كلّ الناس، كأن قلب اليسار عاد لينبض من جديد و تنفس من رئة الشباب أنفاس حرية و ديمقراطية و مساواة، و ما هذا إلى بداية الغيث، غيث عودة الشباب اليساري اللبناني إلى مكانه في الفعل لا ردّ الفعل 

السابق
الان عون: الراعي عبر عن هواجس مشروعة
التالي
مطعم يُغرِّم من لا يُكمل طعامه !