أطفال لبنان: نحن لا نزرع الشكوك

توصلت الدكتورة أيمة يقطين في دراسة لها عن تأثير الحرب على الأطفال إلى:
– "خوف وجفل من الضوضاء 72%.
– لعبة الحرب 66%.
– التعدي الجسمي 62%.
– ازدياد تناول الطعام عند زرب الأطفال في المنزل 38%.
– عصبية 35%.
– أحلام مزعجة (كوابيس) 28%.
– ترطيب السرير 25% تبويل لا إرادي.
هذه العينة أخذت من الطبقة العاملة، أما بالنسبة للطبقة الوسطى فقدت أفادت عيّنة واسعة من الأمهات إلى:
– خوف من الضوضاء 82%.
– أسئلة تتعلق بالدين والانتماء السياسي للأهل 80%.
– تهكّم 43% التعدي الكلامي والجسدي.
– قضم الأظافر 18%.
– انزعاجات أثناء النوم 13%.
– عدم الاهتمام بالدرس 7%" انتهى -.
سأضيف إلى تلك الإحصائية: هناك طفلة (8 سنوات هربت من بلدة صريفا إلى صور أثناء حرب تموز طلبت من أمها أن تدفنها في قريتها عند ما تموت. وثانية (7 سنوات) أخبرت والديها أنها لا تثق بهما لأنهما كبار. والكبار مسؤولون عن بدء واستمرار الحرب. وأخيراً أُتهم أحد الأطفال (5 سنوات) مصري الجنسية بأنه يحبّ العملاء (حسني مبارك ونتانياهو) واعتدوا عليه بالضرب.
من أين تفد هذه الأفكار إلى أطفالنا؟ أهي من الأهل، البيئة أو من المدرسة؟
بالطبع إنها تأتي من هذه الثلاثية مجتمعة، ولكنني سأضيف على ما تقدم كتب الأطفال. هناك عدد وفير من المطبوعات الموجهة للصغار، تفوح منها رائحة الحرب منها كتاب (Military Weapons) – أي ترجمة: "الأسلحة العسكرية". الصادر عن دار نشر أجنبية تهتم كثيراً باتجاه عسكرة الأطفال (Prince fine works) بمعنى "أعمال الأمير الجيدة".
سأبدأ بالسؤال: هل تؤدي هذه الكتب الغاية التي وضعت من أجلها؟ وأجيب بـ"نعم" دون تردد؛ مع فارق بين الصبي والبنت، فالأول الذي يعيش أو يصرف أيامه في المدرسة والشارع يتأثر بأدبياتهما فـ"شربل وبشارة" – 10 سنوات – يهتمان بالرياضة ليصبحا أقوى من رفيقيهما "علي ومصطفى". وهذا الاصطفاف المدرسي ينجذب الشارع إليه والعكس صحيح. المهم أن الكتاب (العيّنة) يحتوي على مجموعة هائلة من الأسلحة من قاذفات صواريخ. وطائرات حربية وأسلحة فردية. تعتمد معظم الكتب الموجهة للطفل إلى أسلوب مخادع، وبذكاء، فكل صورة ملونة عن سلاح ما، هناك رسم تخطيطي باللون الأسود الباهت (الرمادي) وفراغات بيضاء على الصغار أن يستعملوا الألوان وبالتالي مقارنتها مع الأصل.
وبغياب الرقابة من الأهل… بل تورطهم في شراء هذه النوعية من الكتب يجهلون هدف تلك الرسومات التي تتسلل إلى اللاوعي، ولكن مع تقادم الزمن سيترجم هذا اللاوعي إلى وعي كامل..
 
والسؤال أيضاً: أين لجنة الرقابة على المطبوعات التي تصرف المال والوقت على اقتطاع صفحة أجنبية أو على منع كتاب من دخول الأراضي اللبنانية منها "The Davic Code" "لغز دافنتشي" ولم تتنبه له إلا بعدما عممت البابوية في روما منعه من التداول. وعلى يقيني أن الرقابة عندنا لا تعرف لغة ثانية، ولو عرفتها لما طال منع الكتاب المذكور لمؤلفه "وان براون". فيما تتسلل كتب الأطفال المشبوهة. أضف إلى ذلك أن نسبة تفوق 70% من لعب الفيديو تحاكي الحروب وعلى اللاعب أن يقتل كل من يعترض طريقة من أعداء وسلاحه الوحيد: رجل خارق بمفرده يستطيع أن يفني ويقتل كتيبة من جيش مزعوم.
من يراقب عن كثب حالة الصغار وهم يمارسون تلك الألعاب سيلاحظ حالات التوتر، القلق والانفعالات إلى جانب ردات الفعل، مشمولة بالشتائم إذا ما قتل بطله.
في مجتمع هزيل كمجتمعنا من السهولة اختراق ما تبقى له من قيم أخلاقية. فرنسا، وهي واحدة من أهم الجمهوريات الديموقراطية في العالم ومنها شرع جان جاك روسو حقوق الإنسان منعت منعاً كاملاً من دخول الألعاب الحربية، وهي في معظمها يابانية وصينية الصنع. الانفلات في عوالم وهمية مركبة وشديدة الإثارة له أثار سلبية على المجتمع ككل، تعطل النمو العقلي وتحد من الانفتاح على الآخرين، فالصبية الذين يقضون ساعات وساعات يراقبون مصير بطلهم الشجاع وهو يقتل ببراعة وتقنية عالية، لا شك أنه سيأتي اليوم المنتظر ويتحول البطل الوهمي، إلى بطل واقعي… الحلم إلى حقيقة. ببساطة، إبن جاري (12 سنة) ووالده ملتزم حزبياً، وضع على كتفيه "علم" على طريقة سوبرمان وقفز من الطابقة السابعة لتتلقفه الأرض ميتاً. العائلة مجتمعة وألعاب الفيديو كاسيت، هما المسؤولان عن هذه الكارثة. الأولى، وعلى مسمع الطفل: غالباً حديثها لا يخرج عن أدبيات حرب تموز: الإقدام، الشجاعة، التضحية والاستشهاد الذي يتقبّله "الله" في رحاب الجنة. الألعاب بدورها حيث دائماً هناك بطل لا يهزم، عززت عند الطفل فرادة جاء إلهامها من الآخرين، فحصد النتيجة المرة، تلك التي لا تراجع عنها: المثوى. تاريخياً، لقد أنشأ بيار الجميل الأب من "الجراميز" – صغار السن دون العاشرة – في كشافة الكتائب جيشاً هائلاً بالاتساع، وقد دفع لبنان الثمن باهظاً في الحرب الأهلية عام 1975. … ومنذ ذاك لا شيء تغير، فالأطفال عموماً هم الضحية تحت عنوان: إلى السلاح در. في زمن متهاوٍ على نفسه، يبدو لي أننا جميعاً نعيش في فوهة البندقية. هناك مقترحات للكاتبة روز غريب:
أ – إنشاء لجنة أو جمعية مختلطة من أصدقاء أدب الأطفال تتخذ المدارس الابتدائية منطلقاً لنشاطها.
ب – تأسيس نشرة أو مجلة تعنى بأدب الطفل.
ج – الدعوة إلى إنشاء مكتبات خاصة بالصغار في القرى والمدن وأيضاً إلى كتابات توجيهية إلى الأب والأم معاً 

السابق
الليسيه حناويه: المراتب الأولى والتميز المستمر
التالي
حوري: سنتعاطى مع خطة الكهرباء على أنها ضرورة للبنانيين