خطوة لمعالجة آفة المخدرات

لم يعد عدد الجمعيات الأهلية التي تعنى بمكافحة آفة المخدرات في لبنان، وقد أضيفت إليه مؤخراً «الجمعية اللبنانية للتعليم والتدريب والتطوير – دلتا» التي عقدت أمس مؤتمرها الأول تحت عنوان: «نحو استراتيجية وطنية للوقاية من المخدرات». ولكن، في ظل انتشار الآفة، تتضح حاجة متزايدة لدور فاعل يقدم عليه المجتمع الأهلي، يتعدى التوعية ويطال التنسيق مع المؤسسات الرسمية، والدفع باتجاه إقرار عدد من القوانين التي تطوّر الأحكام على المدمنين، علماً أنها حالياً تعاملهم كمجرمين لا مرضى، وتحرمهم من حق الحصول على علاج سري ومجاني، كما أنهم يلاحقون أمنياً، ويسجنون في ظروف لا تراعي أوضاعهم الخاصة.

عقد المؤتمر بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وبحضور وزيرها وائل أبو فاعور، ووزير الداخلية السابق زياد بارود، وبدعم من «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». وقد أضاء على عدد من القضايا التي تعيق إحراز تقدّم في موضوع المخدرات في لبنان، وأهمها: عدم توحيد جهود الوزارات المعنية بين كلّ من وزارات الداخلية والبلديات، والشؤون الاجتماعية، والتربية، والعدل، وطبعاً الصحة. إذ يتوجب على الوزارات المذكورة أن تعمل سوياً على إطلاق خطة وطنية شاملة. ولو تم فعلاً إطلاقها، فسيبدو قطف ثمارها بعيد المنال، نظراً إلى أنه، حتى اللحظة، لا يتوفر إحصاء رسمي لعدد المدمنين والمتعاطين للمخدرات في لبنان، وأكثر الأرقام دقة هي تلك التي تشير إلى وجود مليون مستخدم للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يقارب أربعمئة وستين ألف شخص متعايش مع فيروس نقص المناعة في الدول العربية (تعتبر المخدرات السبب الرئيسي لانتقاله). وقد تضاعف عدد الأشخاص المصابين بالفيروس في المنطقة في أقل من عقد من الزمن، كما ارتفعت وتيرة الإصابات، فشهد العام 2001 إصابة ستة وثلاثين ألف شخص، في حين سجلت العام الماضي خمس وسبعون ألف حالة إضافية. ويُسجّل على منظمي المؤتمر عدم التطرق لمناقشة توجّه لبنان، عبر وزارة الصحة، نحو تشريع استعمال علاج البدائل، علماً أنه قيل إن العمل جارٍ على مكننة طريقة استعمال العلاج وتنظيمها، منعاً للإفراط وسوء الاستعمال. كما لم تتم الإضاءة على إعلان الحكومة اللبنانية، منذ أكثر من خمسة أشهر، عن رعايتها القانونية لاستخدام البوبرينورفين، العلاج البديل بالأفيونيات لمستخدمي الهيروين.
لكن، لا يعني ذلك أن أهداف جمعية «دلتا» في الوقاية من المخدارت، تعتبر سهلة التحقيق، إذ لفت رئيسها خضر الغضبان إلى أنها تحتاج إلى «اكتساب كل المهارات وكل الخبرات وكل الامكانات لتحقيق مهامها، وذلك مع توحيد الجهود والامكانات والتنسيق، ضمن رؤية وطنية جامعة».
وأعاد الغضبان التذكير بأن «تزايد نسب التعاطي في لبنان له أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية عديدة، بالإضافة إلى سهولة الحصول على المواد المخدرة بأسعار «تنافسية»».
وهنا، لفت الوزير وائل أبو فاعور إلى أن «هذه هي القضية الوحيدة التي تساوي بين اللبنانيين، إذ ليس هناك أحد في لبنان بمأمن من آفة المخدرات، وليس هناك أي طائفة أو حزب أو منطقة بمأمن عن المخدرات، وهذه الآفة تطورت وأصبحت في مستوى القضايا الوطنية، أي الخطر الداهم على المجتمع اللبناني». ولكن، عاد أبو فاعور ليقول إن «قضية المخدرات في لبنان لا تزال قضية تائهة في هذا البلد التائه، مثلها مثل الكثير من القضايا».
وتلت الجلسة الافتتاحية سلسلة من الجلسات والنقاشات، التي امتدت طوال النهار، وخلصت إلى سلسلة من التوصيات، بينها: «ضرورة وجود مرشدين نفسيين في المدارس الرسمية والخاصة، ووجود اهتمام أكبر من الإعلام، وضرورة التنسيق بين الوزارات وإنشاء لجنة مشتركة بينها، وتوحيد الجهود بين الجمعيات بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية».

وترأس عميد كلية الصحة العامة في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور إيمان نويهض، الجلسة الأولى حول «الإدمان على المخدرات»، وشاركت فيها الدكتورة اليسار راضي من «منظمة الصحة العالمية»، التي عرضت «للسياسة العالمية للصحة، التي تتضمن تطوير الصحة للشعوب، وتتماشى مع توقعات الشعوب في هذا الإطار»، مشيرة إلى أن «حمايتهم من تعاطي المخدرات تعتبر عائقاً كبيراً في هذا المجال، لما تحتاجه من جهود وتمويل كبير».
وتناولت الباحثة في «الأميركية» ليليان غندور «المبادئ العامة لمنظمة الصحة، التي توجب أن تكون الخدمات فعالة وتوصي بالدمج الاجتماعي لمتعاطي المخدرات، والتركيز على الفئات الشابة عند مكافحة آفة المخدرات، لمنع البدء بالتعاطي».
وذكرت غندور أن «هناك أسئلة أساسية يجب التركيز عليها عند تناول مشكلة المخدرات، وهي من يتعاطى، وأين يتعاطى (في أي بيئة)، وما هي الأسباب التي دفعت إلى التعاطي، وأخيراً ما هي الحلول المقترحة». وأوضحت غندور أنه «لا دراسات دورية، ترصد تغييرات وتطورات هذه الآفة كل فترة».
بدورها، تحدثت رئيسة «لجنة الإدمان على المخدرات» القاضية رندة كفوري عن «الوقاية والحماية في ظل القوانين»، مشيرة إلى أن «سبب عدم فعالية لجنة الإدمان على المخدرات، هو غياب مركز علاجية وبالتالي عدم تعاون وزارة الصحة». وتناولت كفوري «استراتجية الحكومة لمكافحة المخدرات التي تشمل إعداد القرارات، التنسيق بين الوزارات ومكافحة اتجار وزراعة المخدرات، وتشجيع الدراسات البديلة، والوقاية وإعداد البحوث».
وأولت كفوري الأهمية الأساس في هذا الإطار «للتوعية، لتأتي الوقاية والرقابة في المرتبة الثانية».
وحول دور وزارة التربية، لفتت منى الطويل إلى أن «الوزارة أفرزت مرشدين صحيين على المدارس، إنما هناك نقص في أعداد المرشدين التربويين، الذين يتواجدون في 83 مدرسة. وتعمل الوزارة الآن على زيادة أعداد المرشدين التربويين».
بدوره، لفت رئيس «مكتب مكافحة المخدرات» العقيد عادل مشموشي إلى «توفر قانون عصري لمكافحة المخدرات، إنما لا نستطيع تنفيذه لعدم صدور المراسيم التطبيقية». وانتقد مشموشي «بعض البرامج الفكاهية، التي تشجع على استهلاك المخدرات».
وكانت جمعيات «أم النور»، و«سكون»، و«دلتا»، و«مونتور آرابيا»، قد قدمت لبرامجها وعملها في إطار مكافحة المخدرات.

السابق
موسى: الحكومة ستتوصل للحل
التالي
الصادرات تعود إلى طبيعتها.. التفاح اللبناني يصل ليبيا !!