الراي: الراعي أمام تحدي إزالة الأضرار على صورته المهتزّة

على اهمية الملفات الداخلية التي تشكل استحقافات واولويات مرتقبة في المرحلة المقبلة لا سيما منها موضوع تمويل حصة لبنان من موازنة المحكمة الدولية الخاصة الذي تبرز في شأنه تباينات واضحة بين اطراف الحكومة ، بدا المشهد السياسي غارقا في عطلة نهاية الاسبوع في الترددات الحادة التي اثارها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عبر تصريحاته المثيرة للجدل في شأن الازمة السورية وسلاح « حزب الله» خلال زيارته لفرنسا التي عاد منها امس الى بيروت .
ومع الكلام المقتضب الذي اعلنه الراعي بعيد عودته الى بيروت امس رافضاً الرد على اي اسئلة وواضعاً ما قاله في اطار «حسّ المسؤولية والموضوعية»، وذلك رغم كلامه عن «اجتزاء» وعن ان البعض «يقرأ بسطحية ويبني على كلمة سراب، وما قيل من تفسيرات ليست في محلها»، لم تتبدّد الاصداء المدويّة التي اثارتها مواقفه في فرنسا ولا الصدمة السياسية الضخمة التي احدثتها والتي ادت الى اوسع فرز من نوعه حول مواقف البطريرك بين معارضين بحدة لها ومؤيدين لها، وهو فرز برز بقوة بين القوى المسيحية نفسها من جهة وبين معسكري 14 و8 اذار عموما من جهة اخرى .

وبازاء سيل ردود الفعل الداخلية وبعض الاشارات الدولية السلبية حيال مواقف الراعي لا سيما من جانب فرنسا والولايات المتحدة ، اعربت مصادر سياسية مسيحية واسعة الاطلاع لـ «الراي» عن خشيتها الواقعية من ان يكون البطريرك الراعي قد ارتكب خطأ كبيراً او سوء تقدير كبير في قياس مواقفه الى درجة التقليل من خطورة ما اعلنه او الوقوع ضحية معلومات ومعطيات من جهات لبنانية وغير لبنانية صوّرت له الوضع في سورية على غير ما كان ينبغي عليه ان يدقق فيه قبل اطلاق مواقفه المثيرة للانقسام .

ورأت هذه المصادر ان هناك «قطبة مخفية» بدت ماثلة وراء هذه المواقف وشكلت نقطة استفهام وتساؤلات وشكوكاً واسعة حيال الدوافع التي حملت البطريرك الى اطلاق مواقفه وما اذا كانت ذات طابع عفوي وارتجالي ام تستند الى معطيات معينة وعندها يتوجب على البطريرك نفسه اعادة التدقيق فيها وتصويب موقفه بسرعة قبل ان يصبح موقفه اسير وضع خاطئ ومضرّ ببكركي وموقعها .

واضافت المصادر ان ما يستدعي الانتباه في هذا الاطار هو مسارعة السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي الى الاشادة بمواقف الراعي وإسنادها الى موقف الفاتيكان في حين ان هناك التباساً كبيراً في ذهاب مواقف الراعي الى حدود الدفاع عن النظام السوري الامر الذي لم تظهر حياله اي اشارة مماثلة من جانب الفاتيكان الذي في المواقف القليلة التي صدرت عنه دان بوضوح القمع الدموي في سورية وعبّر ايضا عن خشيته على الاقليات لكنه لم يعط اي اشارة ضمنية او علنية الى مصير النظام وربْط موضوع الاقليات به ، ما يعني في رأي المصادر ان موقف الراعي لا يمكن ربطه بالكامل بموقف الفاتيكان .

واعربت المصادر نفسها عن اعتقادها ان حجم ردود الفعل السلبية التي اثارها البطريرك سواء في موقفه من الوضع بسورية او من سلاح «حزب الله» الذي ذهب الى حد ربط استمراره بانتهاء الاحتلال الاسرائيلي لاراض لبنانية وعودة اللاجئين الفلسطينيين، رتبت على بكركي استحقاقاً شديد الحساسية والدقة خصوصاً مع مسارعة قوى 8 آذار المسيحية وبعضها الآخر كالرئيس نبيه بري و«حزب الله» الى تلقف مواقف البطريرك كتحول اساسي في خط بكركي لمصلحة هذه القوى، وهو الامر الذي يعد مؤشراً شديد الاذى يمكن ان يلحق بصورة البطريركية المارونية.
ولاحظت في هذا السياق ان كتلة نواب « المستقبل» اختارت التعليق «المدوْزن» على تصريحات الراعي على لسان رئيسها فؤاد السنيورة تاركة ضمناً ضمنا الردود «الأشمل» للنواب والقوى المسيحية في قوى 14 اذار في انتظار اتصالات ستجرى في الايام المقبلة مع بكركي .
وينتظر ان تشهد الساعات المقبلة موجة اتصالات كثيفة لعقد لقاءات عاجلة مع البطريرك لا سيما من جانب النواب الموارنة والمسيحيين وبعض الزعامات السياسية، الامر الذي يتوقع معه صدور توضيحات معينة لاحتواء الضجة الكبيرة التي وإن أمكن احتواؤها لاحقاً، فان أضرارها على البطريرك وبكركي تبدو اكبر من امكان إزالتها بسرعة نظراً الى خطورة الاهتزاز الذي أحدثته في الصورة المعنوية لهذه المرجعية الكبيرة، لا سيما في ظل التحضيرات لمجموعة من شباب المجتمع المدني المسيحي لإطلاق تحرك بعنوان «ربيع مسيحيي الشرق» رداً على مواقف الراعي وللتذكير بان «ثورة الأرز» في لبنان العام 2005 هي التي مهّدت للربيع العربي.
وكان البطريرك الراعي أسف بعيد عودته الى بيروت «لأنَّ معظمنا ينظر إلى الأمور بسطحية وليس بعمق، ويتعلق بكلمة من هنا أو بكلمة من هناك ويبني عليها من كرتون ومن سراب»، معلناً «يجب ألا نكون جماعة انتهاز». 
وقال الراعي من مطار بيروت الدولي: «ان ما قيل من هنا وهناك من تفسيرات (لكلامه) ليس بمحله ولا يتلاءم اطلاقا مع ما كنا فيه هذه الايام من جدية ونظر بمسؤولية للامور»، مضيفاً: «نعم ادركت المسؤولية مع اخواني السادة المطارنة وادركنا انه لا يمكن الا ان نقارب الامور بجدية ومسؤولية».

وبعدما اشار الى «اننا لم نُخْف امام كبار المسؤولين الفرنسيين مخاوف الجميع مما يجري في العالم العربي»، قال: «نعم البطريرك ليس شخصيا عاديا بالنسبة اليهم (الفرنسيين)، وهم يعرفون تماما انه أمين لتراث ولثوابت اظهرتها البطريركية من جيل الى جيل وهم يعرفون ان البطريرك يتكلم بموضوعية من دون اي مصلحة وبكل تجرد. ولذلك من التقينا بهم هناك سألوا عن ادق الامور ولم اكن يوما كما يشاء ربما احدهم او بعضهم ممن يشتكي على احد او يسوّد صفحة احد. انا أمين على الشعار الذي اخذته الشركة والمحبة. وانا احترم الجميع واحب الجميع واريد الخير للجميع. لست رجل لا شكوى ولا تشكي».
واذ تمنى من الجميع مقاربة الامور في لبنان «بجدية ومسؤولية»، دعا الى «عدم الاجتزاء كما فعل البعض على طريقة «لا اله»، موضحاً «ان مأخذي على الاعلام الذي يجتزئ وعلى القراء الذين يكتفون بقراء العنوان».
في هذه الاثناء، استمرت المواقف ما اعلنه الراعي في باريس، وبرز ردّ من الرئيس فؤاد السنيورة الذي قال: «أعتز بصداقتي للبطريرك الراعي لكن من الممكن ان لا نشاركه بهذه المواقف وهذا الامر يجب ان يعالَج بحكمة ورويّة»، مشيراً إلى أنَّ «الرغبة في وجود ديموقراطيّة هدف يطمح إليه المسيحيون والمسلمون ومصلحتهما أن يقفا إلى جانب الانتفاضات العربيّة»، مذكرا بأن «المسيحيّين كانوا قياديين في كل العمليات التغييريّة»، معتبراً أنَّ «هذا الموقف (للراعي) يتناقض مع الدور الذي لعبه المسيحيين خلال الأعوام الماضية اذ كان لهم الدور الاساسي في النهضة العربية والاستقلال الوطني».

وأوضح أنَّ «الموجودين بالواجهة في سورية هم من المجتمع المدني ومفكران، والاسلاميون الذين يتكلمون عنهم فعلاً لا يشكّلون سوى 13 في المئة، وبالتالي فإنّ هذه مؤشرات يحاول البعض تخويف الناس بها ورسم هذا «البعبع» من أجل تخويف الناس للسكون»، مؤكداً أنَّ «الضمانة الحقيقية لمكوّنات أي شعب لا تكون بربط مصائر مجموعة معيّنة بنظام أو بشخص بل بربطها بما يؤمّن استمراريتها من خلال نظام يؤمّن الديموقراطية والحريات».
بدوره أكد مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح وجود اختلاف بوجهات النظر مع البطريرك الماروني، مشيراً إلى «ان ما يحدث في المنطقة العربية خصوصا في سورية هو عملية انتقال لوضع طبيعي لحكم جماعي يطبق مبادئ ديموقراطية»، ومشيراً الى انه «في معرض الدفاع عن قضية حق (تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة وحق العودة) لا يمكن جعل ذلك على حساب قضية حق اخرى هي سيادة الدولة».
ورأى الوزير السابق سليم الصايغ (من حزب الكتائب) ان «على السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي ان يعلم ان زمن الوصاية السورية ولّى الى غير رجعة»، معتبرا «ان تأييد الاخير او رفضه لمواقف البطريرك الماروني يشكل تدخلا في الشؤون اللبنانية الداخلية»، ومؤكدا ان موقف السفير السوري «بمثابة هدية مفخخة ومسممة لتوسيع الشرخ الممكن ان يوجد بين المسيحيين».
وأبدى رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون (من 14 آذار) دهشته «من الفرق الكبير بين خطابات البطريرك الراعي السابقة وخطاباته الحالية في باريس»، مبدياً استغرابه «لهذا التحول المفاجئ»، ومطالباً الراعي «بالتخفيف من تصريحاته لأنه كلّما أطال في الكلام أخطأ».

وفي اول موقف لـ «حزب الله» من كلام الراعي، اعتبر عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض أن الموقف الذي أطلقه البطريرك الماروني «ليس انحيازا لحزب الله، إنما انحياز للمصلحة الوطنية الجامعة بصورة عامة، ولمصلحة المسيحيين بصورة خاصة».
ونوّه فياض بموقف البطريرك، مؤكدا أنه «الموقف المناسب للرد على التحديات التي يواجهها وطننا». وأضاف: «كل من يفكر في مصلحة لبنان واستقرار لبنان، وكل من يريد أن يفكر في مصلحة المسيحيين في ظل هذه التحديات الكثيرة التي تعصف بالمنطقة، فعليه أن يفكر بالطريقة التي فكر فيها البطريرك الراعي».
كما رأى النائب اميل رحمة (من 8 آذار) «ان كلام غبطة البطريرك بعيد كل البعد عن السياسة . وانا عندما اتحدث، اتحدث بمصلحة سياسية وكذلك غيري في المقلب الآخر ولكن هل يصدق احد منكم ان كلام غبطة الراعي فيه مصلحة سياسية؟»، وقال: «بالامس تطلع الى خرافه ومستقبل وطنه وقد اثبت انه صاحب مجد لبنان الذي اعطي له وهو مصلحة المسيحيين في هذا الشرق» 

السابق
مواعيد عاجلة..
التالي
أين كان معمّر القذّافي وأين صار؟