المستقبل يُعلن الحرب علـى المفتي

في ليلة أو في نهار، اتخذ تيّار المستقبل قراراً بشنّ معركة إعلاميّة وسياسيّة وشعبيّة على مفتي الجمهورية، الشيخ محمد رشيد قباني، وبدأت ترجمتها بمقاطعة نوابه وقادته لصلاة العيد في جامع محمد الأمين، والدعوة إلى مقاطعة زيارة المفتي لمنطقة العرقوب، وتجييش الإعلام الخليجي في وجهه

لم يكن غياب نواب تيّار المستقبل عن صلاة العيد، التي أمّها مفتي الجمهوريّة الشيخ محمد رشيد قباني، في جامع الأمين حادثاً عابراً، أو محطّة اعتراضيّة تأتي في سياق منفصل. الغياب هو جزء من حملة بدأت منذ أن قرّر المفتي أن نجيب ميقاتي يستحق فرصةً كرئيس حكومة. معركة قرّر المستقبليّون خوضها مع مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة بناءً على معلومات يتداولها الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة بشكلٍ رئيسي، عن أن المفتي قد ذمّ بالحريري خلال زيارته الأخيرة للسعوديّة.

وهو ما تنفيه بشدّة مصادر دار الفتوى، لسبب أكثر من منطقي، وهو أن اللقاءات التي جرت مع المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم الملك، كانت بمشاركة جميع الوفود من مختلف الدول وبحضور محمّد السماك (وهو من المقربين من الحريري) ولم يكن النقاش في أمور تفصيليّة. واللافت هنا، أن الحريري يشعر بضيق من شائعات نشرها مقربون منه عن أن هناك من انتقده في السعوديّة، فيما لا يتوقف المقربون منه عن تأكيد أنه واثق من علاقته بالمملكة.
يُصرّ الحريريّون على وجهة نظرهم ويُضيفون: «المفتي يُريد أن يُمدد ولايته. هناك صفقات ماليّة بين نجل المفتي وميقاتي. المفتي يحصل على تمويل من حزب الله. المفتي غطّى مجزرة حماه، عبر استقباله السفير السوري علي عبد الكريم علي بعد يوم من المجزرة وبعد خطاب سعد الحريري المتضامن مع أهل حماه. المفتي يُساهم في ضرب المحكمة الدوليّة عبر استقباله وفد المجلس السياسي في حزب الله في يوم صدور القرار الاتهامي» (رغم أنه أبلغ السنيورة عن هذا اللقاء أياماً قبل حصوله). وتطول لائحة ما يُعلنه الحريريّون. من هنا كانت مقاطعة صلاة العيد.
لكن حقيقة الأمر لا تقف عند هذه الحدود. مفتي الجمهوريّة سيزور منطقة العرقوب اليوم، وهذا ما يرفضه تيّار المستقبل بالكامل. ففاوض المستقبليّون المفتي لإلغاء الزيارة، فلا يُقاطعون الصلاة «لكنّه رفض الابتزاز»، فأعلن المستقبليّون مقاطعةً مزدوجة، لصلاة العيد (وهي سابقة تاريخيّة) ولزيارة المفتي لمنطقة العرقوب.
لكن، لماذا يرفض المستقبليّون زيارات المفتي المناطقيّة؟ ولماذا يفتتح المفتي زياراته المناطقية من العرقوب؟
من يعرف الحريريّة السياسيّة ومن يُراقب مواقف الحريريين السياسيّة، يلمس مباشرة رفض هؤلاء لوجود «آخر» على الساحة السنيّة. وهم يتصرفون مع جميع المواقع على أساس أن من يشغل هذه المناصب من رجال دين ونواب ووزراء وحتى رؤساء حكومة، هم موظفون لديهم. فإذا تبنى أحد ما موقفاً في السياسة يختلف قليلاً عن موقف الحريريّة، فإنه يُعدّ عدواً يجب تدميره. هذا ما حصل مع حلفاء أمثال النائب تمام سلام وغيره. وعندما قرّر مفتي الجمهوريّة أنه لن يقوم بالتحريض المذهبي، بات عدواً. وعندما قرّر أن نجيب ميقاتي رئيس حكومة، مثل سعد الحريري وفؤاد السنيورة، بات عميلاً؛ ولذلك فإن الهجوم عليه مبرّر. فكيف إذا قرّر المفتي أن يقوم بسلسلة زيارات للمناطق، وهو ما سيعني أن المفتي سيتواصل مع الناس مباشرةً، ما سيجعله أقوى، أو هكذا يُفكّر الحريريّون. كما أن لمنطقة العرقوب خصوصيّة إضافيّة: ففي هذه المنطقة، يُعاني المستقبل أزمة كوادر، ولا يوجد أي نائب يُمثّل المنطقة، ولذلك يدعو المستقبل إلى مقاطعة الزيارة. ومن ناحية دار الفتوى، فإن الجواب على توقيت الزيارة سهل: العرقوب من أكثر المناطق حرماناً، لا يزورها مسؤولٌ ولا يهتم لأمرها أحد، وهي منطقة مرتفعة، ما يعني أن تكون عرضة للثلوج من بداية فصل الشتاء فلا يجوز تأجيل زيارتها، كما أن هناك مسجداً سيجري افتتاحه.
حاول الحريريّون مراراً مع المفتي إلغاء زيارته للعرقوب، ثم حاولوا تأجيلها. وصلت اللغة إلى التهديد مرات. ثم إن هناك من حوّل المشكلة بين الرئيس سعد الحريري والمفتي إلى مشكلة شخصيّة: «المفتي يدعم نجيب ميقاتي». عبارةٌ ذهبيّة تتردّد على ألسنة سعاة الشرّ بين الرجلين. أمّا الرئيس فؤاد السنيورة، فلا يحتاج إلى مبرّر لفعل كل ما تيسّر لإبقاء كلّ مفاصل الطائفة السنيّة بين يديه.
وبحسب متابعين دقيقين لمجرى الأمور بين دار الفتوى وتيّار المستقبل، فإن التيّار يستخدم مبدأ الهجوم الاستباقي لأن المفتي يُقدّم غطاءً سياسياً لنجيب ميقاتي، وهو ما يرفضه المستقبليون قطعاً.
تضيف المصادر إن تيّار المستقبل يُريد أن يخوض معركةً ويفوز بها، لإعادة تأكيد مرجعيته وقيادته للطائفة بعد سلسلة معارك خاسرة منذ تكليف نجيب ميقاتي، فوجد المستقبل بالمفتي خصماً ضعيفاً كونه لا يملك حزباً ولا يسعى إلى أن يكون زعيماً سياسياً، بل إنه مصرّ على موقعه الديني.
في المقابل، فإن ما يُسمع في دار الفتوى مختلف: ينوي المفتي الدعوة إلى انتخاب المجلس الشرعي في نهاية هذا العام، بعد تمديد ولايته، بغض النظر عن مواقف الكتل السياسيّة، وذلك بهدف إعادة الأمور إلى نصابها في دار الفتوى، وجعل عجلة مؤسساتها تسير مجدداً. كما أن المفتي يُجاهر بأنه لا يُريد التمديد لنفسه، لكنّه لا يُريد أن تُحدّد ولاية المفتي الذي سيخلفه بسنّ 72 للكثير من الأسباب «وأهمها أن من يحفظ القرآن لا يُمكن أن يُعاني من الخرف»، وفق ما يُنقل عن المفتي. كما أن انتخاب مفتٍ بديل من مفتٍ على قيد الحياة، يُمكن أن يُساهم في إضعاف المفتي المنتخب، إذ يستمر المسلمون باعتبار أن المفتي القديم هو مرجعيتهم.
إنها معركة قرّر المستقبل خوضها في وجه المفتي، أو في وجه دار الفتوى، بينما يُصرّ المفتي على نقطة واحدة: دار الفتوى مرجعيّة لجميع اللبنانيين ولا يجوز تحويلها إلى طرف سياسي، بل هي ضمانة يجب الحفاظ عليها.

السابق
الجامعة العربية والثورة السورية
التالي
الثورات العربية والتغيير…