الحريري باق في منفاه لأن المخاطر جدية

يراقب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من «منفاه» القسري والمتنقل تطورات الوضع في سوريا ومسار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، آملا في ان تجري الرياح وفق ما تشتهي سفنه، بما يتيح له ان يعود الى السرايا الكبيرة من مطار دمشق.. عاجلا أو آجلا.

ولعل الحريري يتطلع الى ان يوفر عليه تفاعل الاحداث في سوريا وتنامي التناقضات داخل حكومة ميقاتي عناء خوض غمار المعارضة التي تتطلب صبرا طويلا وجهدا كبيرا، مفترضا ان سقوط أول حجارة الدومينو في دمشق – إذا حصل – سيقود حكما الى سقوط الحكومة اللبنانية وتداعي وضعية «حزب الله» الذي سيفقد في مثل هذه الحال الظهير العربي الحيوي، في موازاة محاصرته بالقرار الاتهامي لبنانيا ودوليا.
وعليه، يعتقد الحريري أن نجاحه في الثأر من عملية إقصائه عن السلطة – والمتهم بالتحريض عليها بشار الأسد – يتوقف بالدرجة الاولى على نتائج معركة سوريا، والتي ينظر اليها على اساس انها المحطة الاهم في رحلة قطاره السياسي، بل لعلها باتت تكتسب بعدا مصيريا في حساباته، بالنظر الى تأثيرها الكبير على تحديد مصير مستقبله السياسي الذي بات مرهونا على ما يبدو بمصير نظام الرئيس بشار الاسد.

يدرك رئيس الحكومة السابق ان الخيارات تقلصت وأن هامش المناورة ضاق امامه الى الحد الذي أفرز المعادلة الآتية: «بقاء الاسد في سدة الحكم يعني تلقاتيا بقاءه هو (أي الحريري) خارجها». يعني ذلك ببساطة ان عودة الحريري الى السلطة لا يمكن ان تتم إلا على أنقاض النظام السوري، وإلا فإن بقاءه في صفوف المعارضة الاضطرارية سيطول كثيرا.

وإذا كان من الطبيعي ان يسير موقف الحريري حيال دمشق على إيقاع الموقف السعودي المتشدد الذي خرج مؤخرا من الظل الى العلن وقطع أشواطا في مواجهته مع النظام السوري، فإن العنصر الإضافي الذي يزيد من تعقيدات العلاقة المتدهورة بين الحريري ودمشق يكمن في الاتهامات الموجهة الى بعض شخصيات «تيار المستقبل» وعناصره بالعمل على تهريب السلاح والمال الى الداخل السوري، وهو أمر لا يمكن ان يتهاون فيه النظام المعروف بحساسيته المفرطة تجاه مسألة الأمن.
وانطلاقا من هذه الأهمية الحيوية والمحورية للأحداث المتواصلة في سوريا، يتعامل الحريري مع المشهد السياسي الداخلي من زاوية انه يندرج في إطار التفاصيل المكملة للصورة، ولكنها لا تشكل جوهرها، وذلك على قاعدة انك إذا أردت ان تعرف ماذا سيجري في بيروت فإن عليك أولا ان تعرف ماذا سيجري في دمشق. من هنا، ترك الحريري للرئيس فؤاد السنيورة مهمة إدارة المعارضة في «الوقت الضائع»، مع ما يتطلبه ذلك من تدريب لنواب «المستقبل» على ممارسة فنونها، بعد سنوات طويلة من الإقامة في السلطة.

ولعل الإفطار الملكي الذي شارك فيه الحريري مؤخرا في الرياض بدعوة من الملك عبد الله هو أهم في هذه المرحلة من الجلسات التشريعية في مجلس النواب، او من أي نشاط آخر للمعارضة، لا سيما أن هذا الإفطار انهى «صياما سعوديا» عن استقبال الحريري الذي كان يحتاج الى مثل هذه المبادرة، في هذا التوقيت بالذات، لإسكات أحد مرابض مدفعية الاكثرية والمتخصص في التصويب على علاقته بالسعودية.  
ويؤكد نائب في «تيار المستقبل»، التقى الحريري قبل ايام في الرياض وتناول الإفطار الى مائدته، ان استقبال الملك عبد الله لرئيس الحكومة السابق يؤكد مرة أخرى ما يحظى به لدى القيادة السعودية من محبة واحترام وثقة، خلافا لكل ما يتم ترويجه عكس ذلك، «وإن يكن هذا اللقاء بحد ذاته لم يستغرق في الملفات السياسية، ربطا بالظرف المحيط به».

وينقل المصدر النيابي عن الحريري تأكيده انه باق خارج لبنان فترة إضافية، وحتى إشعار آخر، رابطا قرار الحريري بـ«أسباب أمنية»، ومشيرا الى ان هناك مخاطر جدية يمكن ان تواجهه في حال عودته الى بيروت، «وإن يكن يتعمد عدم التركيز عليها، لانه حريص على البلد وعلى استمرار الثقة فيه».
ويعتبر المصدر ان بيروت هي بالنسبة الينا عاصمة محتلة من قبل «حزب الله»، «وهذا هو لسان حال الرئيس الحريري الذي لا نرى ضرورة لعودته حاليا، خصوصا ان الفريق الآخر لا يريد ان يتعاون معه، علما ان المعارضة تعمل بشكل ممتاز، كما تبين من طريقة مقاربتها لملف الكهرباء في مجلس النواب».

وإذ يؤكد المصدر انه ليس لدى الحريري «عقدة السرايا» كما يروج البعض، يلفت الانتباه الى ان «جرحه» لم يبرد بعد بفعل طريقة إخراجه من السلطة والتي تعكس إقصاء لممثل الاكثرية السنية ولرئيس أكبر كتلة نيابية عن رئاسة الحكومة من دون حفظ ماء وجهه بالحد الأدنى، وصولا الى عزل الطائفة السنية ومحاولة «تكسير رأسها».

ويشدد المصدر على ان «حزب الله» ارتكب خطأ كبيرا بمجاراته الرئيس بشار الاسد في قراره بإقصاء الحريري الذي سبق له ان دافع عن المقاومة في أميركا والعديد من المحافل الدولية، استكمالا لسياسة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدعم المقاومة.
ويتساءل المصدر عما ربحه الحزب من إبعاد الحريري بهذه الطريقة، ناقلا عن الرئيس السابق للحكومة قوله ان «حزب الله».. «مش شايف قدامو» و«لا يحسن تقدير الامور او التعاطي معها بواقعية». 

السابق
سوريا تحتاج إلى وسيط..
التالي
النهار: الحكومة وسيط بين أطرافها في الأزمة وموقف الخارجية من الجامعة يثير مضاعفات