متنكر في زي امرأة!

لم أعثر حتى الآن على تفسير منطقي يوضح سبب لجوء "الطاغية الشرق أوسطي"-بعد سقوطه-الى خيارين يبدو ان لا ثالث لهما: يغادر سراً قصره أو حصنه أو ثكنته أو مكتبه متنكراً في زي إمراة, أو يختبئ في حفرة! ولعل ما يمكن أن يفسر هذا الإنحدار الرهيب والسريع في كاريزمية الطاغية الديماغوجي هو التالي: ما بُني على باطل فهو باطل.

وفق رأينا, يخيب سعي الطاغية في حكمه القمعي لأنه لم يترك خلفه طريقاً للرجعة, فهو إما أن يضطهد كل شعبه وجميع أبناء بلده, وإما أن يضطهد كل شعبه وجميع أبناء بلده ! بمعنى آخر, ما يجعل الشرقيين يمقتون طاغيتهم ويتمنون زواله هو إدراكهم زيف عظمته المفبركة وهلامية كبريائه الديماغوجية وحماقة تجبره: فهو إن طغى على الناس فطغيانه وتجبره, سيضطر أكثر بني البشر سلمية أن يكرهه ويحتقره ويرغب في إيذائه.

إضافة إلى ذلك, يبدو أن الطاغية يتنكر في زي إمرأة لأنه يظن أن مجتمعاً تقليدياً مثل مجتمعه الشرق أوسطي لن يؤذي المرأة. فيندر أن يوقف أحد العامة أمرأة ويطلب منها أن تكشف عن وجهها أو يتمعن فيها أكثر من اللازم. ولذلك يراهن الطاغية الفار على أن يفلت من أعدائه بهذه الطريقة المعيبة. أما إضطرار الطاغية للإختباء في حفرة صغيرة لا تكاد تسعه فتفسيره واضح لا شك ولا ريب فيه: قصر نظر الطاغية الشرق أوسطي وسلوكه المنفر حتى مع أقرب المقربيين إليه يحيله إلى كائن ظلامي يخاف أشعة الشمس ويكره الأضواء. ومع أن الطاغية كان في عز جبروته وطغيانه يُدمن أضواء الإعلام ولكنه عندما يكون في مأزق يهدد حياته فلا ضرر بالنسبة اليه للإختباء حتى في برميل أو في صندوق خشبي أو حتى دبة السيارة لكي يفلت من العقاب.

ما يمكن أن نستفيده نحن الشرق أوسطيين من مراقبة سلوكيات وتصرفات الطاغية حين يسقط هو التالي: من يبدو لا خيار له سوى التنكر بزي إمرأة من أجل الهرب من أبناء شعبه الذين ظلمهم ومن يختبئ منهم في حفرة لا يستحق الإحترام, وتباعاً لا يستحق الخوف أو الرهبة منه أو من زبانيته وجلاديه. فلعل وعسى.

السابق
بين النظامين السوري والليبي…
التالي
الحياة: الرئيس سليمان: الجيش منيع حيال التجاذبات السياسية