75 مليون $ لإزالة العنقودية

ختصر محمد، ابن العشر سنوات، في ختام الفيلم الذي عرضه «الائتلاف العالمي ضد الذخائر العنقودية»، في قصر الأونيسكو أمس، بكلمات قليلة، جزءاً أساسياً، وربما الأبرز، من كارثة القنابل العنقودية التي ضربت لبنان، وتحديداً جنوبه وناسه، إثر عدوان تموز 2006. فقد قال في مواجهة كاميرا ومعدّي الفيلم الوثائقي: «آخر شي، بقول لكم بدّي غيّر هالطرف»، مشيراً إلى الطرف الاصطناعي الذي ثبّت في موقع قدمه، بعدما انفجرت فيه إحدى القنابل العنقودية وهو يرعى قطيع الماعز في قريته الجنوبية.

تقول أرقام الأمم المتحدة أن إسرائيل قذفت لبنان بحوالى أربعة ملايين قنبلة عنقودية خلال عدوان تموز 2006، وخصوصاً في اليومين الأخيرين قبل سريان تنفيذ القرار 1701، الذي أنهى عدوان الثلاثة وثلاثين يوماً.
وأمس، نظمت وزارة الخارجية جلسة تعريفية للصحافيين، بهدف تزويدهم بمعلومات حول اتفاقية أوسلو المانعة لاستخدام الذخائر العنقودية، ووضع لبنان على مستوى إزالة الذخائر من مناطقه الملوثة، ووضع ضحايا الألغام. ويأتي ذلك عشية الاجتماع الثاني للدول الأطراف في اتفاقية الذخائر العنقودية الذي تعقده وزارة الخارجية والمغتربين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيروت من 12 إلى 16 أيلول 2011.

وقد شرح، خلال الجلسة، رئيس «المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام» العميد محمد فهمي أن «لبنان تمكن من تنظيف نسبة 67 في المئة من الأراضي الملوثة بالعنقودي، أي مساحة مجملها يقارب 36.5 كيلومترا مربعا، فيما تبقى نسبة 33 في المئة، أي ما مساحته حوالى 18.5 كيلومترا مربعا، من الأراضي الملوثة التي تبلغ مساحتها الإجمالية حوالى خمسة وخمسين كيلومتراً مربعاً من مساحة لبنان».
وإذا كان العميد فهمي قد أوضح أمس انه لا يمكن الانتهاء من تنظيف الأراضي الملوثة بالعنقودي في لبنان قبل العام 2016، ومن الألغام في العام 2021، فإنه ربط ذلك بتوفر التمويل للكلفة التي تصل، بالنسبة إلى «العنقودية»، إلى حوالى 75 مليون دولار.
وكشف فهمي معلومة جديدة تفيد بأن إسرائيل قذفت لبنان بملايين القنابل العنقودية قبل 36 ساعة من توقف الأعمال الحربية، لأنها كانت قد نقلت مخزوناً كبيراً من الذخائر العنقودية إلى الحدود اللبنانية – الفلسطينية، واعتبر إرجاع الخزين إلى مخازن الجيش وإتلافه مكلفاً جداً، فتخلصت منه عبر «فرشه» على الأراضي الجنوبية.
وبينما تصل نسبة الخطأ في انفجار القنابل العنقودية عند قصفها عامةً إلى 4 أو 5 في المئة، فإنها وصلت في لبنان إلى 49 في المئة، وفق فهمي الذي رد النسبة المرتفعة لعدم انفجار القنابل العنقودية إلى كونها من صنع العام 1973، أي انها قديمة جداً ومن المحظّر استعمال العنقودي بعد مضي 15 سنة على تصنيعه.

وفي إطلالة على بعض المعطيات الإيجابية، وسط كارثية المشكلة، أشار فهمي إلى تدني نسبة ضحايا العنقودي في لبنان، سنة تلو الأخرى، إذ اقتصر عدد ضحايا العام 2011 على ستة أشخاص، في مقابل 204 ضحايا في العام 2006 مثلاً. وأوضح فهمي أن عدد مجمل ضحايا القنابل العنقودية قد وصل إلى 408 مصابين حتى اليوم، بينهم 51 شهيداً و357 مصاباً، معظمهم أضحوا من المعوقين.

وقد أكد العميد فهمي أن المجتمع الدولي صنّف لبنان في المركز الأول لناحية العمليات الإنسانية في إزالة القنابل العنقودية، ولكن «التقصير هو في متابعة الضحايا وتأمين احتياجاتهم والدعم المستمر لهم».
وهنا، يمكن الحديث عن غياب المتابعة الجدية للعديد من ضحايا الألغام وعائلاتهم إثر الإصابة. فعندما تنفجر القنبلة العنقودية بأحد الأطفال أو الرجال أو النساء، تتناقل وسائل الإعلام الخبر، وتؤمن الدولة اللبنانية العلاج على حساب وزارة الصحة. وفي معظم الأحيان يحصل المصاب، في حال نجاته من الموت، على طرف اصطناعي مكان اليد أو الساق أو القدم التي فقدها. وتنتهي القصة هنا. فيغيب الجميع تاركين الضحية لوحدها.

ويكمن النقص في المتابعة المستمرة لضحايا القنابل العنقودية والألغام، إذ تحصل عائلة شهيد القنبلة العنقودية على تعويض قدره عشرون مليون ليرة لبنانية إذا كان منتجاً وبالغاً ومعيلاً لأسرته، ولكن من يتابع بعد ذلك عائلة الضحية التي غالباً ما تفقد معيلها، وبالتالي مصدر دخلها؟ وكم من الوقت يصمد مبلغ العشرين مليون في كنف عائلة مؤلفة من خمسة أفراد مثلاً، وكم قسط تلميذ تغطي في المدرسة؟

لا ينفي ذلك وجود جمعيات أهلية تساعد على تأهيل المعوقين من ضحايا القنابل العنقودية، ولكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح حول نوعية الأطراف المستعملة في لبنان، وخصوصاً إذا قورنت بما توفّره الدولة المتقدمة لمصابيها. كما تطرح الأسئلة عن مدى سهولة تغيير الطرف الاصطناعي عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، حيث تكثر في الجنوب الشكاوى من أطراف اصطناعية غير ملائمة، وأخرى استبعدتها العديد من الدول.
أما عن حاجة الضحايا وعائلاتهم للدعم فحدّث بلا حرج. وما رجاء الطفل محمد في نهاية الفيلم عبر قوله بتغيير الطرف الاصطناعي ســــوى مثل صغير عما يتطلبه المصابون من رعاية نفسية واجتماعية.

يذكر أن «الاجتماع الثاني للدول الأطراف في اتفاقية الذخائر العنقودية في بيروت من 12-16 أيلول المقبل، يعقد بالتعاون مع الجيش اللبناني وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، ومن المفترض أن يشارك فيه ممثلون عن أكثر من مئة حكومة، بالاضافة الى منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والناجين من الألغام»، بحــــسب مدير اللجنة المنظمة للاجتماع السفير منصور عبــــد الله. وعرض عبد الله أبرز ما تتضمنه اتفاقية أوسلو، خــــلال الجلسة التعريفية أمس، وكذلك وضع لبنـــان لجهة المناطق الملوثة ووضع ضحايا الألغام والتحديات التي يواجهونها بمؤازرة الجيش والمجتمع المدني.

وبعد عرض فيلم وثائقي عن واقع الحال في القرى الملوثة ومعاناة الضحايا والتحديات التي يواجهونها بالارادة الصلبة، شرحـــــت ممثلة اللجان الوطنية للتوعية من مخاطر القنابل العنقوديــــة ومساعدة الضحايا حبوبة عون عن خلــــفية قيام اتفاقية حــظر القنابل العنقودية وبنودها وأهمية وآلية تطبيقها.

السابق
اليوم…. ذكرى القدس من مارون الراس
التالي
مشاكل زراعة الحمضيات جنوباً يتصدرها ارتفاع كلفة الإنتاج