لماذا لم يفهمها الفرنسيون بعد؟

يثير دومينيك ستراوس – كان حنق جميع الفرنسيين، ليس لما فعله أو لم يفعله في ذاك الفندق النيويوركي من صباح الربيع المشرق، بل لأنه قضى ببساطة باردة على متعة الجميع. لم تعد الأمور على حالها بعد قضية ستراوس – كان، التي تشبهها في ذلك قضية دريفوس، الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي التي ألقت قضيته في نهاية القرن التاسع عشر الضوء على المعاداة الفرنسية للسامية.

التعليقات التي ذيّلت افتتاحية صحيفة «لوموند» الفرنسية أمس على موقعها الالكتروني بعد أن أسقطت محكمة نيويورك جميع التهم عن ستراوس – كان، تكشف التحوّل الذي طرأ على مشاعر الفرنسيين منذ اعتقال المدير السابق لصندوق النقد الدولي. صحيح أنه أصبح بريئاً أمام القضاء، إلا أن ستراوس – كان بات بنظر مواطني بلاده مجرّد «زير نساء مزعج». لقد ترك ستراوس – كان فرنسا بأبهى حلته ليعود إليها، على ما يبدو، كعجوز قذر.

في ظل عدم وضوح شعورها إزاء القضية، فإن «الطبقات الثرثارة» في فرنسا تجهد في التركيز على أمر واحد: هم لا يرغبون بأن يصبحوا أميركا أخرى. وقد تجلّت هذه النية في الدعوة التي وجهتها «لوموند» إلى أميركا كي «تعيد النظر في عادتها البربرية حيث يجيز القانون لوسائل الإعلام تصوير عملية اعتقال المشتبه بهم، في ذلك المشهد الذي يغرق هؤلاء المشتبه بهم بالعار». هذا النوع «الثابت» من المواعظ، غير المباشرة، التي واكبت تغطية قضية ستراوس – كان منذ بدايتها، ليست سوى تعبير عن أن إمكانية استيراد الصراع الجندري من الولايات المتحدة هي هاجس فرنسا «المرعب».

لا تظهر الفجوة الثقافية بين الثقافتين الفرنسية والأنغلو – ساكسونية بهذه الضخامة أكثر مما تظهر فيه عندما يتعلّق الأمر بمسائل المساواة بين الجنسين. ووفقاً لما كتبه الفرنسي باسكال بروكنر، فإن قضية ستراوس – كان فضحت بعد كل ذلك أن أميركا «لديها مشكلة مع الجنس.. فوصفها بالمتزمتة فقط ليس كافياً بل إنها متزمتة بطريقة منحرفة.. تزمت فاسق يخدم هدفاً واحداً.. إدانة الإثارة الجنسية بالوسيلة الأفضل أي إثارة أدق التفاصيل «اللذيذة» عنها من اللسان، والحيوانات المنوية والأعضاء التناسلية وغيرها».

بروكنر يرى ان مثل هذا التصرف ليس عاراً على الرجل فحسب، بل على ثقافة بلاد بأكملها، حيث تبدو أميركا وكأنها تعاقب فرنسا على موقفها من الحرب على العراق، وقضية رومان بولانسكي، وقانون البرقع. أما الهدف غير المعلن، حسب الكاتب الفرنسي، فهو إخضاع هذه الأمة المتمردة بأخلاقها المريبة ونظرتها المعكوسة للعالم. قليلون في فرنسا من يأخذون منحى بروكنر في تفسير الأمور، فالاعتداء الجنسي يبقى اعتداء جنسياً ينبغي أن يعاقب عليه القانون، ولكنهم يتخوفون بشدة من أن تجرّ قضية ستراوس – كان في هذه المرحلة حرباً مقنّعة على مستوى العلاقات التي تجمع الجنسين في فرنسا.

السابق
مشاكل زراعة الحمضيات جنوباً يتصدرها ارتفاع كلفة الإنتاج
التالي
254 ألف دولار و 60 ألف يورو سلبت فجرا في حارة حريك