31% فقط نسبة نجاح البريفيه

بعد جلستين عقدتهما اختصاصية في علم النفس مع تلامذة مدارس رسمية في الضاحية الجنوبية، فاجأ فتى في صف «البريفيه» الاختصاصية بالقول: «أفرح كثيراً لوجودك، لأنك تظهرين احترامك لنا، تقفين عندما أدخل إلى القاعة وتسلمين علي، وذلك سلوك لم أعتد عليه، لا في المنزل ولا في المدرسة ولا بين أصدقائي».
وعندما راح أستاذ متخصص في مادة الرياضيات يشرح للتلامذة درس الرياضيات في ساعات التدريس الإضافية، نهض أحد التلامذة من مقعده وقال له: «أتعرف يا أستاذ، لقد اكتشفت أني استوعب الرياضيات، ولست كسولاً كما كنت أعتقد، فأنا أفهم عليك ولا أفهم على أستاذ المدرسة.. هو لا يسمح لنا بسؤاله عن الأمور التي لا نستوعبها، إلا نادراً. وغالباً ما تكون إجابته على أسئلتنا: خلص، ما بدي إسمع صوت».

مبادرة أهلية

لا يشكل التلميذان سوى عينة بسيطة من المشكلة الكبرى التي تعيشها مدارس التعليم الرسمي في الضاحية الجنوبية، ولم يذكر إسماهما ولا إسم المدرسة لأن المشكلة أكبر وأشمل من أن يتم حصرها في مدرسة واحدة. أما أساتذة التعليم الإضافي والاختصاصيات في علم النفس فقد استعان بهم «الملتقى النسائي لمساعدة التلامذة المقصرين في دروسهم».
وقد ظهر حجم المشكلة التي تعيشها المدارس المتوسطة في نتائج امتحانات شهادة «البريفيه» التي جرت في مطلع الصيف الحالي، إذ بلغ معدل النجاح فيها 31،64 في المئة فقط. لذلك، بادرت «هيئة النهوض بالمدرسة الرسمية في ساحل المتن الجنوبي»، وهي هيئة أهلية تضم مدراء مدارس رسمية وأساتذة جامعيين، إلى الدعوة للقاء موسع سوف يعقد في الضاحية بعد انتهاء شهر رمضان، يشارك فيه «اتحاد بلديات ساحل المتن الجنوبي»، من أجل البحث في كيفية إنقاذ المستوى التعليمي في مدارس التعليم المتوسط.
وسوف تطرح في اللقاء نتائج دراسة أجراها «الملتقى النسائي»، برئاسة الدكتورة علوية فرحات، وبموافقة وزارة التربية، وأشرف عليها الأستاذ في كلية التربية حسان قبيسي.
واستندت الدراسة إلى استمارة تم توزيعها في العام الماضي على مدارس ساحل المتن الجنوبي الابتدائية والمتوسطة، وعددها ثلاث وعشرون مدرسة، وأنجزت بالتعاون مع مدراء تلك المدارس، علماً أن مدرسة واحدة فقط امتنعت عن المشاركة في الدراسة.
وأظهرت أعداد التلامذة الذين يقصدون المدارس الابتدائية والمتوسطة، تناقصاً كبيراً لصالح المدارس الخاصة ونصف المجانية. إذ من المعروف، كما ورد في الدراسة، أن الضاحية استقطبت بدءاً من العام 1975 أعدادا كبيرة من المواطنين الذين نزحوا إليها من الضواحي الشرقية لبيروت بسبب الحرب الأهلية، ومن الجنوب والبقاع، إما هرباً من الحروب الإسرائيلية، أو سعيا وراء العمل في بيروت وضواحيها.

ارتجال في التعامل مع ازدياد التلامذة

نظراً لكون النازحين من ذوي المداخيل المحدودة، فقد لجأ عدد كبير منهم إلى تعليم أبنائهم في المدارس الرسمية، باعتبارها مدارس منخفضة الكلفة. فقامت وزارة التربية باستئجار أبنية سكنية وإضافتها إلى المدارس القائمة، بدلاً من بناء مدارس جديدة، وبلغ عدد المباني المستأجرة خمسة مبان.
لكن عدد السكان شهد قفزات كبيرة خلال ثلاثين عاماً، وتضاعف بحسب الأرقام التقديرية ست مرات خلال تلك الفترة، من مئة وعشرين ألف نسمة إلى ثمانمئة وخمسين ألف نسمة. وبالتالي، لم تتمكن المدارس الموجودة من استيعاب تلامذة المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فعمدت وزارة التربية إلى حل ارتجالي آخر، قضى باستخدام مبنى المدرسة الواحدة لدوامين مدرسيين قبل الظهر وبعده.
ومع انهيار مستوى التعليم في المدرسة الرسمية، وتناقص أعداد التلامذة، تمكنت وزارة التربية من دمج الدوامين خلال العام الدراسي 2009 – 2010 في تسع عشرة مدرسة، وبقيت ثلاث مدارس من دون دمج.
فقد كان عدد تلامذة المدارس نفسها في العام 1990 -1991 يقارب 21 الف تلميذ، بينما كان عدد السكان يقارب أربعمئة ألف نسمة. وتراجع العدد في العام 2006 -2007 إلى ثلاثة عشر ألف تلميذ، بينما كان عدد السكان يقارب ستمئة ألف نسمة.
ويبلغ عدد التلامذة الذين ينتسبون إلى تلك المدارس حالياً 9498 تلميذا وتلميذة، يتوزعون بين 4419 تلميذا و5079 تلميذة، بينما يقارب عدد سكان الضاحية ثمانمئة ألف نسمة.
في المقابل، يبلغ عدد المدرسين 1150 مدرساً، يتوزعون بين معلمي الملاك والمتعاقدين: 832 معلم ملاك، بينهم 405 أساتذة من متخرجي دور المعلمين والمعلمات، و67 أستاذاً من حملة إجازة كلية التربية. يضاف إليهم 318 متعاقداً، لم يتلقوا أي إعداد أو تدريب على التعليم.

فضيحة برسم وزارة التربية

كانت المفاجأة التي نقلتها الدراسة، في أعمار المدرسين. فقد تبين أنهم جميعاً بلغوا أعماراً تفوق الثلاثين عاماً، باستثناء سبعة وسبعين معلماً فقط. وانقسم باقي المعلمين مناصفة بين من تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين عاماً، وبين من تزيد أعمارهم عن الخمسين عاماً.

يدل ذلك بوضوح على أن الهيئة التعليمية في المدارس الابتدائية والمتوسطة هي من فئة كبار السن الذين تقادم عليهم الزمن وقلت قدرتهم على التعليم والتعامل مع أطفال المراحل الابتدائية.
أما حصة كل معلم من التلامذة، المعروفة بمؤشر معلم – تلميذ، فقد بلغت ثمانية تلامذة تقريباً لكل معلم، وهي تسري على مؤشر معلم – تلميذ في جميع المدارس الرسمية، بينما تتراوح النسبة في التعليم الخاص بين ثمانية عشر وخمسة وعشرين تلميذاً لكل معلم.

وتدل تلك النسبة إلى نتيجة مضحكة – مبكية، فبدلاً من أن تساهم قلة عدد التلامذة في زيادة الاهتمام بهم، فإن ما يسجّله الواقع هو تعليم رسمي مكلف من جهة، وغير مجد من جهة ثانية.
وما تدني نسب أعداد الناجحين، وخاصة في امتحانات شهادة البريفيه التي جرت خلال الصيف الحالي، إلا خير دليل على ذلك، فقد تقدم إلى الامتحانات 1523 تلميذا، ونجح منهم 482 تلميذا، أي بلغت نسبة النجاح 31،64 في المئة، وهي نتيجة أقل ما يقال فيها: فضيحة برسم وزارة التربية.

أسباب تدني نسبة النجاح

ترد في الدراسة مجموعة من الأسباب التي تقف خلف تدني مستوى التعليم الرسمي، وأهمها: النظام السياسي الطائفي الذي يعيد نفسه اجتماعياً من خلال نظام ثنائي التعليم، الأول يكمن في وجود مدارس الطوائف الخاصة المدفوعة الأقساط التي يرتادها أبناء الطوائف القادرون على دفعها، والثاني يكمن في التعليم الرسمي لفقراء الطوائف.

يضاف إلى ذلك، ضعف اهتمام المؤسسات والتشكيلات الاجتماعية الأهلية بالمدرسة الرسمية، وفي مقدمها البلديات، واعتبار المجتمع الأهلي أن المدرسة الرسمية هي مدرسة الدولة المسؤولة عنها حصريا، وعدم وجود سند طائفي أو سياسي أو اجتماعي للفئات الفقيرة والمعدومة.

ونتيجة لذلك، وصلت أزمة التعليم الرسمي في ساحل المتن الجنوبي إلى مرحلة لم يعد من الممكن التغاضي عنها، فما يحصل هو هجران متزايد للتعليم الرسمي نحو سوق العمالة الرخيصة أو المدارس الخاصة نصف المجانية، بسبب القناعة الراسخة لدى المواطنين التي تفيد بتردّي التعليم الرسمي وخاصة الابتدائي والمتوسط منه، بينما يعرف الجميع، كما جاء في الدراسة، نوعية المدارس الخاصة التي تنتشر في أحياء وزواريب الضاحية من دون حسيب ولا رقيب. وكثير منها يكون عبارة عن دكاكين تتاجر باسم التعليم، وتمارس أبشع أنواع الاستغلال وأرخصه، ولا تتوانى عن ترفيع التلامذة من صف إلى صف، من دون أن يكون التلميذ قد اكتسب شيئاً من منهاجه المدرسي، ليصل إلى صف «البريفيه». وعندها، تظهر الكارثة، إذ يرسب معظم هؤلاء، ومن ثم يتسربون من المدارس، لانعدام إمكانية الاستمرار في التعلم، سواء في «العام» منه أو في «الخاص»، فهم قد أضحوا أشبه بالأميين في أعمار المراهقة.

ومن ضمن هؤلاء أنفسهم، يتحول قسم إلى عمال بناء وميكانيك سيارات وأجراء مياومين، أو بائعي خضار، أو ينضوون في جيش ناقلي طلبات الوجبات الغذائية والنراجيل «الدليفري». بينما يتحول قسم آخر منهم إلى عاطلين عن العمل، يتسكعون في الشوارع، أو يهربون إلى المخدرات بسبب عشوائية الحياة التي كبروا فيها بين المدرسة وبين العائلة.

وفي انتظار وعي وزارة التربية لتلك الحالة المأساوية، ترى «هيئة النهوض التربوي» أنه يمكن مساعدة المدرسة الرسمية من خلال مساندة المجتمع المحلي، وهو المتضرر الأول من تخريج شبان وشابات إلى سوق البطالة، وتأتي على رأس المجتمع المحلي البلديات، تليها الأطراف المتواجدة في المنطقة.
وأوضحت الهيئة أن العمل من أجل النهوض بالمدرسة الرسمية يتطلب أكلافاً مادية لا تتوفر لها. لذلك، سوف تتوجه إلى المؤسسات الرسمية والبلدية والهيئات الأهلية المحلية والعالمية من أجل طلب مساعدتها على تحقيق المشروع.
وقد سبق أن حصلت الهيئة على تبرعات لإجراء تحسينات على أبنية المدارس، وكان آخرها حصولها على تبرعات عينية لـ«مدرسة تحويطة الغدير الرسمية»، هي عبارة عن مئة وخمسين مقعداً مزدوجاً للتلامذة، وست عشرة طاولة معلم.
ويقول الدكتور قبيسي إنه توجد تجربة ناجحة شبيهة في رفع مستوى التعليم الرسمي نفذها اتحاد بلديات ساحل كسروان، الذي يضم أربع عشرة بلدية، «وتلك التجربة، تجب الإستفادة منها

السابق
مسيرة للقوى الوطنية الجمعة رداً على الجماعة والسلفيين في صيدا
التالي
السائقون العموميون إلى الإضراب والتظاهر في 15 أيلول