شادي ما اشتغل…بس “عِلِق” بالقروض

لم يفكر شادي كثيراً قبل ان يتوجه الى المصرف طالباً قرضاً لشراء سيارة جديدة هي احدى لوازم عمله الجديد. في اقل من شهر حصل على المال. اشترى السيارة وبدأ العمل. بعد شهر ونصف شهر توقف عن العمل، فباع السيارة بأقل مما اشتراها، وبقيت أقساط القرض وفوائده.

بهذه البساطة كدّس هذا الشاب اللبناني، المتخرج حديثاً، على كاهله ديناً، هو في أشد الغنى عنه في ظل الحال الاقتصادية المتردية التي يعيشها عدد كبير من اللبنانيين.
ثقافة الاقتراض تصبح امراً واقعاً يوما بعد يوم، ويصبح معها اللبناني رهين مصارف تجارية هدفها الكسب المالي، يلجأ اليها لسد حاجاته الآنية أو لا حاجاته، كالسفر والتجميل والتسوق… من دون النظر الى أبعاد هذا الفعل وما يرتبه عليه.

ثقافة الاعلانات التلفزيونية تظهّر القروض الشخصية على انها الحل الوحيد والانسب لكل مشكلاتنا الاقتصادية. يطالعنا عبر شاشة التلفزيون منذ مدة، اعلان اقل ما يمكن وصفه به هو انه ناجح في الشكل، خطير في المضمون. فهو يظهر شاباً يسير عبر مختلف مراحل حياته مستعينا بقروض مصرفية يلتقطها في الهواء بمنتهى السهولة وتمكنه من السير قدماً. من قرض الجامعة، الى قرض السيارة، والبيت، والزواج، والعطلات… وصولا الى قرض جامعي آخر، هذه المرة، لإبنه وليس له. وهكذا تقفل دائرة حياة هذا الشاب التي "تبدو" سعيدة، من دون ان يظهر لنا الاعلان سر تسديد القروض السحرية التي تحل مختلف مشكلاتنا وتواكب كل مراحل حياتنا!

ما لا يظهره الاعلان هو الفوائد والشروط الجزائية التي تلازم المقترض طوال مهلة السداد، والتي قد تمتد سنوات. عن هذا الموضوع يقول محمد ز. مسؤول القروض في احد المصارف: "ان البنك ليس جمعية خيرية توزّع الاموال بلا مقابل. هدف المصرف خدمة الناس والكسب المادي واهم مورد من موارده هو فوائد القروض التي يمنحها للمواطنين".
ويضيف: "نسبة طالبي القروض في تزايد مستمر في الاعوام الاخيرة، وخصوصاً القروض الشخصية الصغيرة التي يمنحها المصرف في شكل سريع وسهل".

ويعزو محمد أسباب هذا الاقبال المتزايد على القروض الى تردي الاوضاع الاقتصادية، والتغيير الحاصل في ثقافة المواطن اللبناني الاستهلاكية بعدما زادت متطلبات حياته اليومية، والتسهيلات التي باتت تقدمها المصارف.
وما "يزيد الطين بلّة"، اذا صح القول، هو تسابق المصارف اللبنانية على إغراء عملائها بانواع واشكال مبتكرة من القروض بهدف اللعب على نقاط ضعف المستهلك وغرائزه وعوزه. فقد وصل بعضها الى تخصيص قروض للعطلات وللسفر ولعمليات التجميل وحتى لـ"الخصوبة"! نعم حتى انجاب الاطفال اصبح يتم بالتقسيط!
نتعلم بالتقسيط، نسكن بالتقسيط، نقود سيارتنا بالتقسيط، التجميل والسفر والعمل والترفيه والاولاد بالتقسيط… وحده الموت ما زال يأتي فجأة ونقداً. فهل ستصل "عبقريتنا" المالية يوما الى جعله مقسطاً ايضاً؟!

لم يجد شادي حلاً لدفع اقساطه وتسديد ديونه سوى باقتراض سلفة اخرى قد تعيد جدولة ديونه وتعطيه مهلة اضافية قصيرة، وترتب عليه فوائد اخرى، اكبر هذه المرّة.
هكذا دخل شادي دوامة القروض المصرفية، التي لا تنفك تدفعه نحو الاسفل، من دون ان يملك ادنى المقومات التي تخرجه منها. حال هي اكثر ما تشبه حال لبنان الاقتصادية المنهارة، اذ لم تتوانَ حكوماتنا المتعاقبة عن الاقتراض من دون التفكير في يوم السداد.

نظرة إيجابية… معاكسة

تروي كلودين ان القروض سهّلت حياتها، اذ انها وخطيبها، الذي أصبح زوجها، لم يمتلكا المال اللازم لاتمام الزواج، لكنهما قررا التعاون لشراء شقة وفرشها بالأثاث، ولولا ذلك لما أمكنهما متابعة مسيرتهما بعد 4 سنوات من الخطبة.
تقول كلودين: "صحيح اننا عالقان في الدين، وخصوصاً كلفة الفوائد التي تتراكم سنوياً، لكن لولا هذا الحل لكنا انفصلنا. ترهقنا الديون لكننا نعيش معاً، أيهما الأفضل؟". تضيف: "بات نظام القروض موضة عالمية. فشقيقتي المقيمة في كندا سددت ثمن منزلها وأثاثه وسيارتها بأقساط طويلة الأجل وصلت الى 30 سنة للمنزل. لذا لا أجد الأمر مستغرباً في لبنان".

 

السابق
… ويتحدّثون عن سلامة الغذاء!
التالي
السيد فضل الله: القرار الاتهامي يؤكد الحاجة لتلاقي القيادات ودراسة المخاطر المترتبة عنه