نهاية التضليل

أخيراً يستطيع اللبنانيون، ومعهم العرب والعالم، القول ان الحقيقة في جريمة اغتيال رفيق الحريري باتت واضحة جداً، ومعالمها مرسومة بدقة، وأن بوسعهم بعد ان تبدأ محاكمة المتهمين -غيابياً حتى إشعار آخر- أن يتأكدوا من ان ما مر بهم وبوطنهم منذ محاولة اغتيال مروان حماده في تشرين الأول (اكتوبر) 2004 ووصل ذروته في شباط (فبراير) 2005 وحتى الآن، ليس سوى حلقات مترابطة في مسلسل طويل «أبطاله» معروفون وأهدافهم مفضوحة.

فتفاصيل القرار الاتهامي التي أفرجت عنها امس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، توضح بما لا يترك مجالاً للشك، بأن قرار الاغتيال وعمليات مراقبة تحركات رئيس الوزراء الراحل والتحضير العملي لأدوات الجريمة وتنسيق الاتصالات بين اعضاء وحدة الإشراف ووحدة القتل وشبكات الدعم، تتطلب جميعها جهازاً كبيراً متمرساً في هذا النوع من الاعمال الارهابية، وماكينة ذات امكانات مادية ضخمة وقدرات بشرية متخصصة من المخططين والمنفذين وخبراء التضليل الاعلامي والتزوير الوثائقي، وأن ذلك كله يندرج تحت عباءة هدف واحد: قتل لبنان ذاته، وإلغاء هويته المتعددة وإخضاعه لمتطلبات محور خارجي وزجّه في صراع إقليمي خارج الإجماع العربي، بل مضاد له.

فور ارتكاب الجريمة، بدأت أكبر حملة تضليل اعلامي وسياسي وأمني في تاريخ لبنان والمنطقة، وأرسلت اجهزة الأمن والاستخبارات، المحلية والشقيقة، عشرات «شهود الزور» الى لجنة التحقيق الدولية لحرف عملها عن مساره وإيقاع المحققين في أفخاخ منصوبة بدقة، القصد منها ضرب صدقيتهم والتشكيك في نزاهتهم والتقليل من مدى احترافهم. واستخدمت في هذه الحملة شعارات سياسية على انواعها، من تحرير ومقاومة ووحدة وطنية وسواها، وأرفق ذلك بتهديدات مختلفة واتهامات راوحت بين العمالة والخيانة والتآمر وسائر المعزوفة، وتطلّب الأمر المزيد من جرائم الاغتيال لـ «اقناع» مَن يطالبون بمعرفة الحقيقة بأن كلفة مطلبهم غالية جداً، ولإزاحة من ساهموا في فضح تورطهم، وبينهم النقيب وسام عيد، مهندس الكمبيوتر الذي يعود اليه الفضل في كشف دليل «الاقتران المكاني» للاتصالات وتحديد هوية اصحاب الهواتف النقالة المستخدمة في الجرائم.

وعُقدت في اطار حملة التضليل مؤتمرات صحافية صاخبة وعُرضت افلام مركبة وألقيت خطب رنانة وابتُكرت وسائل اعلامية خصصت لها إمكانات كبيرة لزعزعة الثقة بالعدالة الدولية وتشويه سمعة القيّمين عليها. لكن كل ذلك لم يستطع اقناع الكثيرين، ولم ينجح في اخفاء القلق والتوتر الكبيرين اللذين يسودان صفوف المرتكبين، ولم يثنِ القضاء الدولي عن متابعة تحقيقاته حتى النهاية.

واليوم، بعد انكشاف الأسود من الابيض، وظهور الأدلة الدامغة على تورُّط مَن وَرَّطوا طائفتهم وبلدهم في جرائم وحروب ومحاور، ما الذي يمكن ان يحصل؟ وماذا يمكن ان يقوله هؤلاء للتنصل من دم الحريري وسائر الضحايا؟ لن تنقذهم الخطب ولا التهديدات ولا المزيد من التوتير الأمني والحروب، ولن تنفعهم مواصلة التضليل والمشاغبة على التحقيق، إنهم في مواجهة العدالة الدولية وحدها، وهذه لا تعرف سوى الوقائع والأدلة والحقائق. اما اللبنانيون، فليس لهم سوى الانتظار وتجاهل الاستفزازات والقفز فوق الكمائن التي يجيدها القتلة ورعاتهم.

السابق
اللواء: لمحكمة تنشر قرار اتهام 4 من حزب الله بجريمة الحريري
التالي
الجمهورية: القرار الاتّهامي يطلق العدّ العكسي لانطلاق المحاكمة …نصرالـله يحذّر من فتنة والحريري يعتبر كلامه غير بريء