مدرسة الشابة سارة لتصميم الأزياء: مجانية

كان شهران في كمبوديا والتيبت كفيلين بتغيير رؤية سارة هرمز للحياة. وها هي الشابة التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، تترك حياتها في نيويورك، حاملةً شهادتها في مجال «تصميم الأزياء والإعلام» من «جامعة بارسون»، إلى بيروت، لتفتح فيها مدرسة مجانية لتعليم تصميم الأزياء. وهي تنظّم اليوم عرض الأزياء الأول لتصاميم تلامذتها، ومن المقرر أن تباع الأثواب التي صمموها في مزاد علني يعود ريعه للمشروع وللتلامذة.
وتشرح سارة أن مشروعها يهدف إلى «المساهمة في كسر الحواجز بين الجميع، وبين الهويات والانتماءات المختلفة، لهذا، عمدت إلى اختيار الفتيات الخمس (اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و22 سنة)، من مخيمات مختلفة للاجئين الفلسطنيين، بينها مخيما البرج وشاتيلا، كما اخترت فتاة من شرق صيدا، وأخرى من برج حمود، وحرصت على مقابلة أكثر من 25 فتاة بحثاً عن شابات جديّات، شغوفات، يحلمن بأن يصبحن مصمّمات أزياء، ولا تسمح لهن ظروفهن الاقتصادية بالدخول إلى مدارس خاصة لتحقيق الغاية، علماً أن تكلفتها مرتفعة جدا». وتعود سارة لتوضح أنها «قمت بهذه المبادرة بشكل فردي، لأن عدداً من جمعيات المجتمع المدني اشترط جمع عدد كبير من الفتيات لتدريسهن، ما لا يتوافق مع هدف المشروع، وهو اعطاء المشاركات الوقت والمساحة ليتفاعلن بكل الأشكال وينفتحن على المختلف عنهن.. ولم يكن مشروعاً يقتصر على خياطة الفساتين فقط».
رغبة الفرد بإحداث تغيير
«مشروعي ليس مشروعاً تجارياً، بل هو مشروع إنساني تثقيفي وإبداعي في الوقت عينه، أنقل فيه ما تعملته، كما أحقق رؤيتي في العيش ومساعدة الآخرين. أحقق ما تعلمته في كمبوديا والتيبت، حيث يشعر الفرد برغبة في التغيير، ومدّ يد العون إلى من يحتاج اليها». وتشرح: «ضمن دراستي للإعلام والثقافات، زرت البلدين الآسيويين في إطار ورشة تدريبية. بعد الزيارة، لم أعد أجد نفسي في حياة مدينية أمارس فيها مهنتي في أحد دور الأزياء، وأخضع لشروط عمل حازمة ضمن نمط حياة مختلف تماماً عمّا بت أريده لنفسي». ولتحديد ما تريده الفتاة، طرحت على نفسها سؤالين أساسين: «كيف أقدم المساعدة؟ وكيف أضع خبرتي بين يدي الآخرين؟». فأتاها الجواب من معلمتها، كارولين شلالا سيمنالي: «أسّسي مدرسة».
وهكذا، بعدما عادت سارة إلى بيروت منذ أشهر قليلة، وخاضت تجربة مؤسسات المجتمع المدني، حوّلت فكرتها إلى نص مشروع مكتوب، عرضته على عدد من المهتمين، ونالت التمويل من جهات فردية، لتفتتح به محترفاً صغيراً في منطقة مارمخايل – الصيفي.
اليوم، تنصرف سارة خلال خمسة أيام متتالية في الأسبوع، وعلى مدى أكثر من سبع ساعات، لتدريب الفتيات الخمسة، ويحلمن بأن يصبحن مصممات أزياء. وهنا، إلى جانب سارة، تجلس مدرّستها السبعينية الأميركية – اللبنانية الأصل، كارولين شلالا سيمنالي، التي لم تزر لبنان سابقاً في حياتها، لتساعدها في تدريس الفتيات.
الفتيات..
وتصاميمهن الحرة المحترفة
لن يصدق زائر محترف زينة هرمز أنه يمكن لفتيات، خلال أشهر قليلة من الوقت، أن يبتكرن تلك التصاميم البسيطة والمميزة في آن، والمتحررة من السياق العام السائد في مجال الموضة، هنا وفي العالم. فما خاطته الفتيات المتدربات، يتسم بالاحتراف، والإبداع، آخذاً بعين الاعتبار الأذواق العامة، بحيث لا يتردد الناس في ارتدائه. وياتي ذلك، بحسب شلالا، لأن «المحترف عمد إلى تدريس نمط مختلف للشابات، وهو يعتمد بالدرجة الأولى على إطلاق العنان لآرائهن ومنحن الحرية في الابتكار، من دون أي تقيد بمدارس عالمية في تصميم الأزياء. وإلى ذلك، درسناهن التقنيات الأساسية التي تساعدهن في تنفيذ رؤاهن في المجال».
الحرية هذه، بحسب سارة، «منحت الفتيات ثقة مطلقة بالنفس، بحيث كنت أراهن يقبلن على تنفيذ تصميمهن مباشرة على القماش، باندفاع وتصميم غريبين. حتى إني قارنت نفسي بهن، عندما كنت أدرس في جامعة بارسون، وكنت لفرط القوانين الحازمة، أشعر بالخوف ما أن أحمل المقصّ لأقص القماش، وفق التصميم المرسوم على الورق». فتقول إيمان الأسود، ابنة التسعة عشر عاماً، انها تشعر «بقدرة كبيرة على الخلق في تصميمها، وأحسّ بالتحدي، إذ أن الفستان الذي أنفـــذه مباشرة لا يمكن إعادة تكراره ولا حــفظ خطوات خياطته.. ما يجعله فريداً بحق».
تعيش إيمان في مخيم برج البراجنة، ولم تتمكن من دراسة تصميم الأزياء في مدرسة راقية أو دار خياط محترف، نظراً لوضع العائلة الاقتصادي، فسعت لدراسة تصميم الأزياء في أحد المعاهد، «ولكني لم أكتسب المهارات التي اكتسبتها من هذه الورشة المميزة». ما تعتبره كارمن هافتيان «مهارات أساسية تمكننا من انجاز أعمال مبتكرة». وعن مجمل التجربة، تقول كارمن أن «الوجــــه الآخر لمدرســـة سارة، هو الوجه الأجمــل، الذي تعرفت فيه إلــــى صديقات فلسطينيات كنت أعـــرف الـــقليل عن عالمهن، إنما لا أعرف شيئاً عن ظـــروف عيشــــهن الصعبة، وما يواجهنه من صعوبات في العـــمل والسكن والتعليم».
ظروف العيش هذه، هي التي منعت نورهان عبد اللطيف ابنة الستة عشر عاماً، من التوجه إلى أي مدرسة أو معهد لتحقق حلمها في تصميم الأزياء. فتقول نورهان، التي تعيش في مخيم شاتيلا: «قبل أن يتم اختياري للمشاركة في هذا المحترف، ما كانت أصدق أني سأنجز قطعتي الأولى، وستعرض في مزاد أمام جمهور عام.. أشعر بأن الحلم بات حقيقة».

السابق
اعتصام رمزي عند تقاطع الحاصباني
التالي
الوفد الفلسطيني يلتقي اسامة سعد في صيدا