أين احمد الحريري؟

استبشر الصيداويون بما حققه ابن مدينتهم. الشاب واعد، وإنجازاته كبيرة. استطاع خلال أشهر معدودات (منذ زواجه تحديداً) أن يخسر أكثر من 40 كيلو غراماً من وزنه. للأسف لم ينطو الأمر على إنجازات ميدانية على الساحة الصيداوية كما كان يعوّل. اليوم يسأل كثيرون، أين أحمد الحريري؟

منذ سنوات، بات بحكم المسلّمات أن أحمد الحريري سيكون الوريث الشرعي لوالدته النائبة بهية الحريري في صيدا. أُعدّ للأمر بروية أحياناً وبتسرع في كثير من الأحيان.
قيل للحاجة بهية إنه لا يزال صغيراً على المسؤولية الكبيرة، وتردد على مسامعها انه لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهد، بحكم المقدرات الشخصية أولاً، وبحكم نقصان الخبرة الجماعية والتجربة والمستوى الثقافي والفكري. لكن «الست» حسمت الأمر. قررت دفع صغيرها إلى المعترك السياسي، و«ليقلّع شوكه بيديه»، كما قالت للمعترضين، و«ليبقَ تحت ناظري دوماً».
منذ ذلك الحين وأحمد في الواجهة. وبقوة أدت إلى إلغاء الكثيرين من الورثة المحتملين للحريرية السياسية في المدينة من خارج إطار العائلة كيوسف النقيب، وعلي الشريف، وعدنان الزيباوي وغيرهم. بوصول أحمد تبين أن هناك صفاً أول للقيادات بحكم الدم، وما عداه مجرد موظفين برتب.

حتى إن كثيرين توقعوا من «طحشتها» به أن يصار إلى ترشيحه للانتخابات النيابية الأخيرة بدلاً منها. لكن الأمر لم يحصل، فكان المقعد الوحيد الذي جلس عليه هو مقعد طاولة الاجتماعات في قاعة المجلس البلدي لصيدا، مسؤولاً عن ملف الشباب والرياضة، في سابقة في تاريخ العمل السياسي اللبناني، أن تختزل في شخص أمانة حزب سياسي ومقعد بلدي.

بين معروف ورفيق

في ضوء المتغيرات التي تحكم المشهد السياسي لتعاطي آل الحريري مع جمهورهم في صيدا تحديداً، يكثر الكلام في هذه الفترة في المدينة عن مستقبل أحمد الحريري. فالشاب «الواعد» غائب عن الساحة الصيداوية منذ مدة. مقربون منه يعزون الأمر إلى أسباب أمنية، فلكونه «أميناً عاماً» لحزب سياسي، لم يعد الأمر كالسابق. آخرون يقولون إن للأمر علاقة بالأزمة المالية التي يعانيها التيار، وتتعدد الروايات.
اليوم بات أحمد يُفتقد كثيراً في مواضع كان لزاماً عليه التواجد فيها، إن أراد التأسيس لواقع يتعدى كونه «ابن بهية». لم يعد يشاهد في مقاهي البلد القديمة يدخن النرجيلة. ولم يعد يصادف وهو يأكل الفول في مطعم شعبي، أو متجولاً في السوق التجارية بين دكان وآخر في حركات لاستفزاز أسامة سعد.
أصبح التعامل مع أحمد عبر وسيط (م. ب.)، أو من ينوب عنه في فريق عمل يعرف أهالي صيدا كفاءتهم جيداً. كفاءة خبروها في أكثر من موضع كان آخرها توظيف حرّاس المراكز التجارية الجديدة، والتي بينت نظرية الرجل المناسب في المكان المناسب، وكادت أن تؤدي إلى قتلى وجرحى بعدما روعت الآمنين وتناثر الرصاص فوق الرؤوس.
يسكن الوجدان السياسي للسياسي الشاب بحسب ما ينقل عنه مقربون نظرية يقولون إنهم لا يجدون صعوبة في فهمها لبساطتها، بل الصعوبة تكمن في إقناعه بإمكانية أن تكون خاطئة.
يسعى أحمد ليكون مزيجاً من معروف سعد ورفيق الحريري. أي القريب من الناس وصاحب المؤسسات في آن. لم يدرك أحمد حتى اليوم أن معروف سعد حين كان يدخل بيوت الصيداويين دون موعد للأكل بما هو متوافر، كان يفعل ذلك تلقائياً. وقتها لم يكن هناك من فارق بينه وبين من دخل بيوتهم. أما أن ينتهجها الحريري الشاب مسحوراً بالحكايات التي سمعها عن قوة معروف الشوارعية، نهجاً للعمل السياسي في المدينة، فبدا الأمر جلياً أنه يختزل الكثير من تكلف لا يعكس الحقيقة.

اللعب في الشارع

يروي مطلعون أن أحمد نشأ على فكرة شكلت ضغطاً كبيراً عليه، وساهمت في تحديد رؤيته السياسية. دوماً كانت تتردد على مسامعه شكوى الناس من بُعد والدته أو انسلاخها أحياناً كثيرة عن القاعدة الشعبية، حتى بين المؤيدين في صيدا. سعى هو إلى تغيير هذه المعادلة نزولاً عند نصائح الكوادر المحيطة به. أراد أن يلعب دور «الشعبوي». فالفتى الذي ترعرع ضمن أسوار «الفيلا» في مجدليون، وحُرم من اللعب في الشارع، أراد أن يتغلب على نفسه، وأن يختبر هذا العالم الذي يجهل.
بحث عن مفاتيح لتحقيق ذلك. أرشده كثيرون إلى شخصيات زرعت في رأسه فكرة أن يكون له محيط بصورة مختلفة. يعني لا بأس من جمع «الزعران»، وفق نظرية أنه بواسطة هؤلاء سيواجه من يصفهم مريدوه بـ«زعران» التنظيم الشعبي الناصري.
أقدم أحمد على مغامرة لم تنته فصولها بعد. في محاولة منه لاستقطاب الشارع، أعطى من خلال إمكاناته كل متطلبات عائلة معروفة ذات نفوذ في البلد القديمة، لتشكل له «قوة ضاربة» حين تدعو الحاجة. فمثلاً تم تلزيم المقاهي على الشاطئ البحري وعلى ضفاف نهر الاولي لمتنفذين من هذه العائلة، دون استدراج عروض عبر البلدية المغيّب رئيسها بداعي السفر، وذلك مقابل أن ترفع صورة لأحمد كتب عليها بخط عريض «المعلم». لجهله بلغة الشارع التي لا يتقنها، خرجت الأمور عن سيطرته، وظهرت المشكلات وبدأت بالتنامي. بدأ الكلام يكثر عن تغطية سياسية لفاسدين لا يمكثون وراء القضبان إلا لساعات. وكثرت الشكاوى من ممارسات غريبة عن سكان «البلد القديمة». مشاكل فردية وجماعية يومية، سلاح، مخدرات… تحول الأمر بسرعة إلى كابوس. لم يعجب الأم ما حصل. طالبت بوضع حد له، فكان الهروب باتجاه بيروت ريثما تهدأ الأمور.

اكتشاف بيروت

ما بين الانتماء إلى صيدا والانبهار ببيروت، شرك غالباً ما يقع فيه معظم السياسيين الصيداويين. أحمد الحريري كان واحداً منهم. فجأة اكتشف الشاب المدينة. أغواه الضجيج وحشد الناس، فصار أحمد يفضل الغداء في «الإتوال» على مقهى أبو العبد الصباغ.
يقول مقربون منه: «صحيح أنه يقضي أغلب وقته حالياً في بيروت، لكن قلبه في صيدا، ولا يزال يتابع كل التفاصيل بدقة». أمر لا يتوافق معه عارفون، يؤكدون أن الكثير من الملفات الحيوية والمطالب الملحّة لصيداويين كثر مجمدة منذ أشهر لانشغال «المعلم» في بيروت، ولأن العين بصيرة واليد قصيرة من جهة أخرى. اليوم من أراد من الصيداويين رؤية أحمد فعليه أن ينزل إلى بيروت.

السابق
الأب قُتِل… لم يُقتَل
التالي
اللواء: رئاسة لبنان لمجلس الأمن عنصر دعم لإعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية