الجمهورية: أوغلو اصطدم بتشدد سوري والأسد تعهد ملاحقة الإرهابيين وموسكو تُذكّر بموقف ميدفيديف ومصر تدعو لتجنب التدويل

ماذا حمل وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو إلى الرئيس بشار الأسد في زيارة خاطفة غادر بعدها وسط بيانات متناقضة من كل من دمشق وأنقرة عكست فشل المهمة الديبلوماسية وحجم التوتر القائم بين الجارين، وأضاءت على تقارير تتحدث عن تكثيف الحملة الأمنية على المعارضة السوريّة التي تكبدت خمسين مدنيا بينهم ثلاثون في دير الزور وحدها؟

فما كاد الوزير التركي يغادر دمشق حتى أعلنت وكالة "سانا" الرسمية أنّ الرئيس بشار الأسد أبلغ إليه أن سوريا "لن تتهاون في مكافحة المجموعات الإرهابية في البلاد"، وحتى أعلن التلفزيون التركي أنّ سوريا ترتكب مجازر ضد المدنيين في مدن عدة، في حين ذكر دبلوماسيون أتراك أن الاجتماع في دمشق فشل قبل أن يبدأ مشيرين بذلك إلى الاستقبال الذي غاب عنه وزير الخارجية وليد المعلّم في مطار العاصمة السورية.

وكشفت مصادر دبلوماسية في أنقرة لنا أنّ الأتراك لم يتوقعوا في الأساس نجاح مهمة أوغلو، كاشفين أنّ الحكومة التركية تتوقع كل شيء من سوريا التي ستحاول ضرب الاستقرار في تركيا.

وفي معلومات لـنا أنّ تركيا أبلغت إلى سوريا موقفا حازما بوجوب تنفيذ الإصلاحات في شكل فوري، وإجراء انتخابات فورية، وتأليف حكومة جديدة، ووقف الآلة العسكرية، والسماح بتظاهرات سلمية، وإلا ستكون تركيا في حلّ من أي التزام التزمته سابقا تجاه سوريا. وأضافت أنها ستلتحق بالعقوبات الأوروبية والدولية الموضوعة على رغم أنها ليست صادرة عن الأمم المتحدة قائلة: إذا استمر النظام السوري في غيّه فإنّ تركيا ستقيم منطقة عازلة على الحدود كما فعلت مع العراق قبل الاجتياح الأميركي. وحذّرت الأسد من أنّ العقوبات ستزداد في شكل كبير لدرجة العزل لكنّها لم تهدّد بأي تدخل عسكري تركي.

هذا في المعلومات الخاصة. أما في المعلومات العامة فالرسالة الحازمة التي قيل إنّ الوزير التركي حملها إلى الرئيس السوري بقيت رسميا طيّ الكتمان، وكذلك الرد السوري الذي اكتفت وكالة "سانا" الرسمية بالقول إنه عكس إصرار الرئيس الأسد على ملاحقة "المجموعات الإرهابية"، واضعا أوغلو في صورة الأوضاع التي شهدتها بعض المدن السورية، "نتيجة قيام هذه المجموعات المسلّحة بقتل المدنيين وعناصر حفظ النظام وترهيب السكان".

وزير الخارجية التركية لم يكن من جهته أقلّ تحفظا، قائلا إن الشعب السوري هو من يُقرر مصيره، إنّه لا ينقل أي رسالة من أي جهة، وإنّ بلاده حريصة على أمن سوريا واستقرارها"، مشدّدا على أنّ "المراحل التي قطعتها العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، جعلت قيادتيهما تشعران بأنّ أي أمر يحصل في أي منهما، هو بمثابة شأن داخلي لدى الآخر".

وشدّد أوغلو على "أنّ سوريا بقيادة الأسد ستصبح نموذجا في العالم العربي بعد استكمال الإصلاحات التي أقرّتها القيادة السوريّة"، مضيفا أن الأيام المقبلة في سوريا ستكون حرجة.

وواكب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي يزور السعودية خلال ايام ، زيارة أوغلو مؤكدا أن بلاده ستتخذ خطواتها اللاحقة في ضوء الأجوبة التي عاد بها وزير الخارجية من دمشق.

وأضاف أنّ تركيا لا ترى في ما يجري في سوريا مشكلة خارجية، بل داخلية، لأننا نتشارك 850 كلم من الحدود المشتركة، ونحظى بعلاقات تاريخية وثقافية، إضافة إلى صلات القرابة، محذّرا من أن بلاده لا يمكن أن تبقى في موقع المتفرّج، بل عليها الاستماع إلى النداءات والقيام بما هو لازم".

وفي مواكبة لمهمة أوغلو علّق المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونرعلى الزيارة، قائلا "إنّ وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحدثت هاتفيا معه قبل توجهه إلى دمشق، مشيرة إلى أنّ زيارته ستكون فرصة جديدة لتوجيه رسالة شديدة اللهجة إلى الأسد تفيد أنّ حملته على المحتجين السلميين لا يمكن أن تستمر".

ولقي هذا الاتصال انتقادات في الصحف التركية الصادرة أمس، في وقت قال أحد كتّاب الأعمدة إنّ داوود أوغلو يتحول إلى "ساعي بريد أميركي".

وفي وقت تردّد أنّ أوغلو يحمل إنذارا أخيرا إلى دمشق، قال مسؤول في معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية "إنّ مستقبل العلاقات بين دمشق وأنقرة سيتوقف على تطور الأوضاع الميدانية داخل سوريا"، مستبعدا

قيام قوات حلف شمال الأطلسي بتوجيه ضربة إلى سوريا نظرا إلى تورطها في "المستنقع" الأفغاني، حيث تعاني في الوقت الراهن ازدياد عدد الهجمات ضدها وارتفاع عدد القتلى في صفوفها.

روسيا أيضا، وعبر وزير الخارجية سيرغي لافروف أمس، أكّد في هذه الأثناء لنظيره السوري وليد المعلّم أنّ الأولوية هي لوقف أعمال العنف، وتطبيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية من دون إبطاء.

وقالت الخارجية الروسية في بيان عقب اتصال هاتفي بين لافروف والمعلّم، أن لافروف لفت انتباه المعلم إلى تصريحات الرئيس ديمتري مدفيديف في 4 آب التي قال فيها إنّ موسكو قد تغير موقفها تجاه دمشق في حال فشل الأسد في إقامة حوار مع المعارضة، معربة عن أملها في أن تستجيب المعارضة السورية لدعوات إقامة الحوار مع الحكومة، وداعية الأسرة الدولية إلى التحرك لتتخلص المعارضة السورية "من المتطرفين المسلّحين والمتشددين الآخرين" في صفوفها.

وسط هذه الأجواء أكّد الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني على ضرورة تنسيق الجهود بين الأوروبيين وحلف الأطلسي "لزيادة الضغط" على النظام السوري.

وقالت الحكومة الإيطالية في بيان "إنّ أوباما، وخلال اتصال هاتفي مع برلسكوني للبحث في أزمة الدين العالمية، تطرّق إلى القمع العنيف الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد ضد المتظاهرين المناهضين له"، مضيفة أنّ الرجلين "متفقان تماما على ضرورة إقامة تنسيق قوي بين الحلفاء الأوروبيين والحلف لممارسة مزيد من الضغط على دمشق، من دون أن تحدد طبيعة الضغط المنشود.

بدوره، رحّب وزير الخارجية البريطانية وليام هيغ بإدانة تركيا ودول عربية لأفعال النظام السوري، مدينا أعمال العنف ضد المواطنين في مدينتي حماة ودير الزور اللتين قال إنهما تعرضتا لقصف من المدفعية المضادة للطائرات"، مضيفا "أنّ هذه الوحشية تكشف أنّ مزاعم النظام بالتزامه عملية الإصلاح ما هي إلا هراء". واضاف: "يجب ألا نقف متفرجين بينما يسقط المئات من المواطنين قتلى ويتعرض آلاف آخرون للاعتقال والتعذيب"، مؤكدا أنّ بلاده تعمل في شكل عاجل مع شركائها لزيادة الضغوط على الأسد، وعلى من هم حوله".

وفي موقف عربي لافت، قال وزير الخارجية المصرية محمد عمرو: إنّ الوضع في سوريا يتجه نحو نقطة اللاعودة"، مؤكدا ضرورة التحرك السريع لوقف العنف.

وأضاف، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط: إن "مصر تتابع في قلق شديد التدهور الخطير للاوضاع في سوريا" معربا عن خشيته من أن "الوضع في سوريا يتجه نحو نقطة اللاعودة".

ودعا عمرو إلى "وقف فوري لإطلاق النار" مضيفا أنّ "الإصلاح المخضب بدماء تراق وشهداء يسقطون في شكل يومي لا يجدي نفعا"، مطالبا "بتحرك عاجل لاستعادة الثقة المفقودة"، إضافة إلى "توفير شروط لإقامة حوار وطني شامل يجمع كل أطياف المجتمع السوري".

وحثّ عمرو دمشق على "إجراء الإصلاحات على المستوى الوطني لتجنّب مخاطر تدويل لا نريده ولا تحتمله المنطقة".

وفي بغداد، دعا رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي الحكومة السورية إلى اتخاذ "موقف جريء لوقف نزف الدم"، قائلا: "لا يسعنا إلا الدعوة لانتهاج سبيل الحكمة وطول النفس السياسي في التعامل مع الدعوات المتعاظمة بين مختلف قطاعات الشعب السوري الشقيق". ودعا إلى "ضرورة الإسراع في إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية ملموسة على النظام السياسي برمته، بما ينسجم وتحقيق تطلعات الشعب السوري"، مشدّدا على "أهمية تعزيز لغة الحوار بين جميع الأطراف والامتناع عن الاستخدام المفرط للقوة وعسكرة المجتمع للحيلولة دون اختراق جهات لا تريد الخير لسوريا ولشعبها الشقيق"، مضيفا "لا يسعنا إلا أن ندعو إلى وقف جميع الممارسات غير السلمية"، مشددا على أنّ "ما يحدث من قمع للحريات وإراقة للدم السوري أمر مدان وغير مقبول".

في غضون ذلك، علقت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية على الضغط المتزايد الذي تمارسه السعودية على النظام السوري، مشيرة إلى "أنّ المملكة تحولت إلى معسكر خصوم الأسد، وعلى رغم أنّ الحكام السعوديين يخشون في المعتاد أي مخاطرة، لكن يبدو أنّهم يعولون حاليا على تغيير النظام في دمشق، وانحازوا إلى الأغلبية السنية ويأملون بهذه الطريقة كسر التحالف الإيراني-السوري".

ورأت الصحيفة أنّ "سقوط النظام السوري سيكون ضربة قاضية لـ"الهلال الشيعي"، مضيفة أنّ "تدويل الأزمة في سوريا، من الممكن أن يعزل الأسد في شكل أقوى من الإدانات والعقوبات من جانب الغرب".

السابق
البناء: حزب اللّه: لن نسمح للمشروع الأمريكي بالتسلّل من النافذة ودمشق لأنقرة: أمننا واستقرارنا غير قابلَين للمساومة
التالي
لماذا خرج الحريري عن صمته إزاء سوريا؟