لن تقع حرب 1948

 خرج أسرى التاريخ الى الشوارع وأعلنوا عصيانا مدنيا. وملأ عشرات الالاف الميدان. واستعدت سيارات الاسعاف بصفيرها لاخلاء المصابين. ووصلت الانباء الى نشرات التلفاز. واستصرخ رئيس الحكومة الى الاستوديو ووعد باصلاحات في محاولة أخيرة لوقف الاحتجاج. لكنه زادت في الميدان صيحات تقول: يا رئيس الحكومة استقل! ورفعت مئات اللافتات. أعلن المتظاهرون طلبا واحدا: "حرب 1948 لن تقع!" وكان رئيس الحكومة شاحبا عندما أعلن استقالته.
في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 اتخذ في الجمعية العامة للامم المتحدة قرار على قسيم أرض اسرائيل لدولتين: دولة يهودية ودولة عربية. وقد تلقى اليهود والعرب القرار بحماسة. اجتمعت ادارة الوكالة اليهودية برئاسة دافيد بن غوريون واللجنة العربية العليا برئاسة عبد القادر الحسيني في جلسة احتفالية مشتركة مع المندوب السامي البريطاني ووقعوا على وثيقة عدم اعتداء. واجريت في اللجنة العليا المشتركة مباحثات في نظام الحكم الذي سينشأ في كل واحدة من الدولتين.
تبين للطرفين سريعا انه توجد مشكلة لم يحلها قرار التقسيم. فثمّ جمهور كبير من العرب يفترض ان يعيش في الدولة اليهودية وجمهور من اليهود – في الدولة العربية. كانت طاقة العنف الكامنة الموجودة في كل حركة قومية معروفة. ان الجوار بين اليهود والعرب بغير لغة مشتركة قد يحدث نزاعات ويشعل نار الحرب. لكن صور القتل والدمار في الحرب العالمية الثانية كانت منقوشة جيدا في ذاكرة القادة وكانوا مصممين على منع تكرار الفظاعة.
أتى الحل من مكان غير متوقع. فقد تآلفت القرية الزراعية اليهودية ع – تسري والقرية العربية المجاورة خربة خزعة معا على انشاء جدار حديدي يفصل بين القرية والقرية الزراعية، وانشأتا سورا فاصلا. وبدل الشتائم ورمي الحجارة، اعتاد الشباب اليهود والعرب على الذهاب معا الى السور ليلعبوا لعبة الحفاظ على التوازن. من سيكون آخر من يسقط؟ وفي خلال الضحك تعلم بعضهم لغة بعض. وسمع القادة باللغة الجديدة، لغة التحادث، وقرروا ان يبنوا بدلا سور الفصل سور ذاكرة نقشوا فيه بالعبرية والعربية أسماء الاف الضحايا الذين قتلوا من الطرفين في الحروب بين الشعبين. ونقشوا في رأس السور كلام قائد عسكري مجهول: "لقينا عدوا، ونحن العدو". وهكذا وبفضل مسؤولية الزعماء لم تقع حرب 1948. وقد كانت النكبة وحرب 1948 مثالا فقط.
قبيل شهر ايلول والتصويت المتوقع في الجمعية العامة للامم المتحدة على دولة فلسطينية، يعدوننا هنا بتسونامي سياسي. ان عدم استعداد قادة الطرفين لبدء تفاوض بلا شروط مسبقة والموافقة على "تنازلات مؤلمة" هو عامل حاسم في الجمود. ان القادة الذين لا حياء لهم، والذين يتحدثون في الجانب الاسرائيلي عن عدم وجود شريك ويشيرون في الجانب الفلسطيني الى انتفاضة ثالثة يستحقون ان يطرحوا في مزبلة التاريخ.
ان الاحتجاج على اسعار جبن الكوتج وعلى السكن وعلى العدالة الاجتماعية هو احتجاج بلغة كونية يفهمها كل انسان. وفي المكان الذي لا يوجد فيه قادة يعملون بمسؤولية على منع حرب اخرى، يجب على المواطنين ان يخرجوا الى الشوارع وان يوجدوا لغة التحادث. يجب على حركة الاحتجاج هنا في ارض الدموع، بازاء سلطة فاشلة في الجانبين ان تخرج بمظاهرة تضامن بين الشعبين كي لا نعود الى سور الذكرى مع اسماء جديدة بعد الحرب القادمة. ايها المواطنون الاسرائيليون، ايها المواطنون الفلسطينيون، هل نحن قادرون؟ 

السابق
حوري:الحريري وحده يحدد موعد عودته الى بيروت
التالي
الولايات المتحدة: اوباما ضعف أولا