الكنيسة تتحرّك لإشراك شبّانها في الجيش

 صمام الأمان، حامي صيغة العيش المشترك، حامي الحرّيات… حارس الحدود، تكثر التسميات بالتوازي مع المهام الموكلة إليه، إلّا أنّ المقصود واحد: الجيش اللبناني عماد الوطن.

أمس، احتفل الجيش بمرور 66 عاما على انطلاقته، وسط واقع جديد يثير الكثير من التساؤلات الضمنيّة والعلنية، ويتمثل في تقاعس الشباب المسيحي عن الانخراط في الجيش والإدارات العامّة، المسألة التي طالما حذّر من خطورتها رجال الدين في عظاتهم، وعلى رأسهم البطريرك مار نصرالله بطرس صفير.

"الجيش" يعني لي الكثير ولكن…

"ليس هرَبا من المسؤوليّة التي يتحمّلها أيّ جندي، ولا نقصا في محبّتنا للوطن، بل نظَرا إلى صعوبة التأقلم مع الظروف الاقتصادية التي تفرض نفسها على مستقبلنا". بشيء لا يخلو من الاندفاع تجاه الوطن يتحدّث الشاب جوزف مغامس عن أسباب امتناعه عن الانخراط في المؤسّسة العسكرية، ويتابع موضحا: "لا شكّ في أنّ عيد الجيش يعني لي الكثير، ويستوقفني كلبنانيّ بصرف النظر عن هويّتي الدينية، إلّا أنني لا أجد نفسي قادرا على تأمين مستقبلي من خلال هذه الرسالة، وفي المقابل لا يمكن ممارسة أيّ وظيفة أخرى، فكيف نواجه أعباء الحياة، وبناء العائلة التي نحلم بها؟".

لا يخفي جوزف تخوّفه من انكفاء الشباب المسيحي وتردّده في الانضمام إلى الجيش: "يصعب تصوّر الجيش من لون واحد أو طائفة واحدة، سيّما أنه أملنا الوحيد في الحفاظ على لبنان الموحّد". ويضيف: "إلّا أنّ خوفي من هذه المشكلة سرعان ما ينحسر حيال المشكلة الأكبر والأخطر، ألا وهي وجود سلاح خارج السلطة اللبنانية".

أمّا بالنسبة إلى الشاب بشير بردويل، فيجد أنّ من المُلحّ إعادة تصويب مفهوم الجيش والهدف من وجوده، قبل التفكير في الانضمام إليه، فيقول: "ما يثير القلق ويجعلنا نفكّر مئة مرّة، هو الغاية من وجود المقاومة، والأهمّ التركيز على التناغم بينها وبين دور الجيش". ويضيف: "كثيرة هي "الفولات" التي سجّلتها المقاومة في الجنوب، لذا، قد يسأل المرء في قرارة نفسه عن حقيقة تمكّنه من تأدية واجبه الوطني".

من جهته، يعتبر الشاب فادي أبي خالد أنّ مشاركة الشباب المسيحي في المؤسّسة العسكرية، ستبقى خجولة ما لم تتمّ معالجة بعض النقاط الحسّاسة، فيقول: "مهامّ الجندي لا تقلّ أهمّية عن الدور الذي يؤدّيه القاضي، ومع ذلك فالفارق في الرواتب شاسع جدّا، لذا وانطلاقا من أهمّية دور الجندي في الدفاع عن وطنه حتى بذل حياته، يُفترَض توفير رواتب كريمة تليق بتضحياته وتريح عائلاته". كما اعتبر فادي أنّ تقديم بعض التسهيلات يمكنه جذب الشباب واستقطابهم: "ما إن يدخل المرء إلى الجيش حتى تتلاشى حياته الاجتماعية لتقتصر على الواجبات الرسمية، في حين أنّ أيّ شاب يجد صعوبة في الانسلاخ عن حياته الاجتماعية وضوضائها، فلا بدّ إذن من التنبّه الى هذه القضية والنظر إليها على نحو يمكّن الشاب من الحفاظ على حياته العسكرية والاجتماعية في آن واحد".

…وللهجرة أثرها

"هجرة الشباب المسيحي، تزيد الطين بلّة". يعتبر الشاب ناجي أنّ تراجع مشاركة الشباب المسيحي في المؤسّسة العسكرية، لا يمكن اختصاره بحماستهم، أو تردّدهم، فيقول: "لا شكّ في أنّ كثُرا بيننا يتمتّعون بالمواصفات التي يجب أن يتحلّى بها الجندي، إلّا أنّ لهجرة الشباب المسيحي أثرا مؤلما في ذلك، وهذا ما ينعكس سلبا على مشاركتهم ليس فقط في الجيش، إنّما في مختلف الوظائف العامّة". في هذا السياق، يلفت ناجي إلى أهمّية الأثر الديموغرافي الذي تظهره كلّ طائفة: "غالبا ما تكتفي معظم العائلات المسيحيّة بإنجاب ولدين، ونادرا ثلاثة، في حين أنّ الطوائف الأخرى تتّسع وتكبر بسرعة تكاد تكون هائلة، فلا شكّ في أنّ ذلك سينعكس في المستقبل المتوسط على وجود الشباب وتوزّعهم".

الأب خضره

من جهته، يعتبر رئيس الاتّحاد الكاثوليكي للصحافة، الأب أنطوان خضره، "أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في عدم اقتناع الشباب المسيحي بالانخراط في الدولة، وتحديدا في مؤسّسة الجيش"، لافتا إلى أنّ "بعض الأسباب مبرّرة وأخرى غير مسموح بها، ومردّها إلى المفاهيم الخاطئة لدى معظمهم".

في هذا السياق، حذّر خضره من استسلام فئة من الشباب المسيحي لمقولة: "لا يهتمّون بالمسيحي، ولا يحسبون له أيّ حساب"، وتابع: "من خلال الندوات التوجيهيّة المناطقية التي ننفّذها، بالتعاون مع ضبّاط هذه المؤسّسة نتلمّس ردود فعل إيجابية من الشباب، وسرعان ما تنكشف لهم الكثير من القضايا الإيجابية عن هذه المؤسسة، والتي لم يكونوا يدركونها مسبقا".

ويعطي خضره أهمّية كبيرة لنشر الوعي في صفوف الشباب حول دور الجيش ومهمّاته: "لا يكفي النظر إلى الرواتب التي يتقاضاها الجنود، لا بدّ من إلقاء نظرة عميقة على الرسالة الباسلة التي يؤدّونها"، لافتا إلى أنّ "الوعي يزيد من حماسة الشباب واندفاعهم للانخراط في هذه المؤسّسة".

وردّا على الخوف الذي يكبّل بعض الشباب ويحول دون انضمامهم إلى شركائهم في الدفاع عن الوطن، قال خضره: "قلقهم غير مبرّر في كثير من المرّات، لا أنكر أنّ الشاب في حاجة إلى أن يشعر بالأمان، بصرف النظر عن هويته الدينية، ولكن المشكلة تكمن في طبيعة اللبنانيين الذين غالبا ما يتعاملون على أساس إمّا طائفي أو حزبي، ممّا ينعكس سلبا على نمط تفكيرهم في أيّ مجال أو قطاع وجِدوا فيه".

كما يعتبر خضره أنّ اتّكال المسيحيين على "الوساطة، بصرف النظر عن كفايتهم، يزيد من تأخّرهم ودخولهم القطاعات الحيويّة في الدولة"، ويوضح قائلا: "غالبا ما نسمع الشبّان يردّدون: "لا أدخل المدرسة الحربيّة إلّا بدعم من فلان"، في حين لو اعتمد كلّ منهم على قدراته فلن يخيب ظنّه، لذا فإنّ انكفاء المسيحيين عن أجهزة الدولة والوظائف العامّة ليس دائما مبرّرا".

في المقابل، حمّل خضره الشريك الآخر جزءا من مسؤولية هذا التراجع: "لا شكّ في أنّ الشريك الآخر يتحمّل جزءا من المسؤولية، فعَليه إشعار الآخر بأنّه يتكامل معه، ولا يمكن للطائر، أو للمؤسّسة العسكرية التحليق بجانح واحد".

أمّا عن كيفية تحفيز الشباب المسيحي للانخراط، فيوضح خضره: "على المسيحيين تغيير أساليب تفكيرهم وذهنيّتهم، والتفكير في أنّ لبنان وطنهم، بصرف النظر عن المنطقة التي يسكنونها، إن كانت كسروان أو بئر حسن أو صيدا، وعليهم تحمّل مسؤولياتهم في حمايته والدفاع عنه". كما لم ينكر خضره الدور الأساسي المنوط بالكنيسة لتعزيز انخراط شبابها، فقال: "في المقابل على الكنيسة ومؤسّساتها وضع حوافز تشجّع الشباب"، مشيرا إلى وجود مساع في هذا المجال، رافضا الكشف عنها: "سيتمّ الإعلان عن هذه المحفّزات فور الانتهاء من إعدادها، وهي تقوم على مساعدة الشباب، وقد تشمل مساعدات مدرسيّة، مساعدات طبّية، سكنيّة… وتكون الأفضلية للمنخرطين في الجيش، على نحو يصبح راتبه مقبولا تجاه الخدمات والمساعدات التي يحصل عليها".

أيّا تكن الأسباب الكامنة وراء انكفاء الشباب المسيحي عن الانخراط في المؤسّسة العسكرية، يبقى "التنوّع" من أبرز الضمانات للحفاظ على مؤسّسة الجيش. 

السابق
زعيم الثوار يثير المخاوف من الصراع القبلي
التالي
ضحايا تسونامي اليابان، يتشبّثون بفقمة آلية