حوار “8 آذار” هو للاستسلام لسلطة وسلاح ونمط حياة الدويلة

 اشعيا03/4 و:5 "واجعل صبيانا رؤساء لهم, وأطفالا تتسلط عليهم, ويظلم الشعب بعضهم بعضا, والرجل صاحبه. يتمرد الصبي على الشيخ والدني على الشريف". تكمن مشكلة لبنان الأساس في وجود طبقة من الحكام والمسؤولين والسياسيين المحكومين الذين لا يعرفون ألف باء المسؤولية والحكم, كونهم تربوا وترعرعوا وتثقفوا ودجنوا خلال حقبة الاحتلال السوري البغيضة لوطننا الغالي. فهؤلاء لا يجيدون غير تلقي الفرمانات وترداد لازمة, "حاضر سيدي بتأمر". إنهم كالشوك الذي لا يمكن أن يثمر عنباً أو تيناً, وكالنبع الذي جفت المياه في قعره, وكأبي الهول وباقي الإهرامات الفرعونية صم وبكم وعميان في ما يخص كل صدق وحق وحقيقة.
على خلفية مفاهيم وثقافة »الربع الطروادي« هذا نقرأ دعوة جماعات سورية وإيران في لبنان المحتل للعودة إلى طاولة الحوار. الدعوة جاءت على لسان الثلاثي المذعن لسلاح الملالي والغزوات والاغتيالات والترهيب والبلطجة, جنبلاط وسليمان والميقاتي, وذلك بعد أن أكمل أصحاب السلاح انقلابهم وتسلموا مفاصل الدولة والحكومة بالكامل. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه, فالدعوة هي بيزنطية بلغتها, واحتيالية وتمويهية في جوهرها, ولا تختلف في مضمونها وعهرها وابليسيتها وصبيانيتها وتفاهتها عن دعوات الرئيس السوري الحوارية الاحتيالية والببغائية المتتالية المفرغة من أي مصداقية وجدية فيما عصاباته من »شبيحة« ومخابرات ومرتزقة ايرانيين ولبنانيين وفرق اغتيال وعسكر وغيرهم مستمرون بقتل أحرار ومثقفي وأطفال سورية والتنكيل بهم.
الدعوة إلى الحوار, النعوة, أطلق صرختها بعد نيل حكومة الميقاتي الثقة, العروبي الأسدي المتميز والمقاوم بعضلات وناس ومال غيره, »الأكروباتي« النائب وليد جنبلاط, المتخصص بجمع جثث الأعداء من على ضفاف الأنهر, والخبير في تغيير »الجاكيتات« ونقل الطرابيش والتنظير في فنون الميكافيلية الفاقعة. جنبلاط العائد لتوه مع رفيق نضاله المقاوم غازي العريضي من بلاد القياصرة لم يكتف بالأذى الكبير الذي ألحقه بثورة الأرز وبالرئيس الحريري وبتجمع "14 آذار" بعد أن انقلب عليهم وخان الوكالة الشعبية التي أوصلته إلى مجلس النواب وانتقل إلى قاطع محور »حزب الله« قالباً الأقلية النيابية إلى أكثرية والأكثرية إلى أقلية. لا لم يكتف بعد الوليد وهو ما زال مصراً على تركيع الجميع وإذلالهم كما ركع هو لترهيب »حزب الله« واستسلم لعراضة قمصانه السود وقبل الذل والهوان وبدل جلده.
طبقاً للصحف اللبنانية اتصل جنبلاط بالرئيس الحريري الموجود في العاصمة الفرنسية وحضه على الانخراط في عملية الحوار التي دعا إليها هو وسليمان والميقاتي, وكأن الحريري الذي اكتوى من غدر هذا الرجل وقلة وفائه وحربائيته لا يزال يثق به ويأخذ بنصائحه المدمرة!
صرخة جنبلاط الحوارية تلقفها كل من الرئيس "الحيادي" القابع في قصر بعبدا و"يلي ما شفش حاجه", على حد قول إخواننا في أرض الكنانة, ورئيس حكومة »حزب الله« اللاهث وراء السلطة على حساب العدل والسيادة والاستقلال والكرامة, والناقض لكل الوعود والعهود, النجيب الميقاتي.
الحشريون والمشككون ونحن منهم, يسألون: أي حوار هذا وما هي غايته وعلى ماذا? الجواب بالطبع لن نجده عند الثلاثي الداعي كون أفراده بعيدون عن موقع القرار بعد السماء عن الأرض, وببساطة متناهية هم بلغة الزجل مجرد "رديدي" أي صدى لا أكثر ولا أقل.
الرد على دعوة هذا الثلاثي من "الرديدي" للعودة إلى طاولة الحوار جاء مباشرة من العضو في كتلة »حزب الله« النيابية, النائب حسن فضل الله فسقطت الأقنعة, وبانت العورات, وفاحت الروائح وتمظهرت الأحجام. فضل الله أعلن بالفم الملآن: إن »حزب الله" مقتنع بالخيارات السياسية التي اعتمدها في الحوار على أساس بناء ستراتيجية دفاعية للبنان وليس على قاعدة التحاور حول المقاومة والسلاح لأنه ليس لدينا مادة اسمها السلاح أو المقاومة للحوار". وقال فضل الله خلال احتفال في 21 يونيو الماضي "إن بناء ستراتيجية دفاعية للبنان هو الموضوع الذي نريد أن نتحاور عليه, ومع ذلك كنا دائما نقول: تعالوا إلى طاولة الحوار واعرضوا ما لديكم ونواجه الحجة بالحجة والدليل بالدليل والبرهان بالبرهان". وأشار إلى أن "المنطق القوي هو الذي يحاور, ومن يهرب عادة من الحوار هو الذي لا يملك لا منطقا ولا حجة ولا يستطيع أن يواجه المنطق والحجة, وهو يهرب من الحوار إلى الضجيج والصراخ وإلى التضليل والاتهام". وسأل: "هل يستطيع أن يقدم هذا الفريق إلى أي لبناني ضمانات بأن إسرائيل لن تعتدي على لبنان مرة أخرى? وهل يستطيع أن يقول إن هناك معادلة في لبنان يمكن أن تحمي البلد غير معادلة الجيش والشعب والمقاومة? وهل يستطيع أن يقدم إلينا ستراتيجية دفاعية لحماية لبنان?"
وشدد على أن "معادلة الجيش والشعب والمقاومة هي معادلة لبنانية وطنية تكرست بإرادة اللبنانيين, وأن لا أحد لا في الداخل ولا في الخارج يستطيع أن يغير هذه المعادلة مهما علا الضجيج والصراخ من هنا وهناك".
كلام فضل الله الوقح والاستكباري يقول للجميع بفظاظة متناهية ومن دون مواربة تعالوا حاورونا واستسلموا فتسلموا فعل الثلاثي إياه وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور. وفي هذا السياق الحواري بامتياز لا بد من التنويه بدور الاستاذ نبيه بري المفوه الذي طالب بأن يكون الحوار من دون شروط مسبقة.
سمعنا كلام النبيه, هذا المشرع القانوني الفذ, ففرحنا وانشرحت أساريرنا, وكيف لا? وهو بفخر ومنذ ما يزيد عن 20 سنة مؤتمن على حماية مصالح ومشاريع نظامي الأسد والملالي عندنا, وفي الوقت نفسه حامي حمى دويلة المجلس النيابي التابعة لاقطاعية حركة »أمل« وأخواتها واخوانها مع صندوق الجنوب ووزارتي الصحة والخارجية وغيرها من المواقع في مؤسسات الدولة المسجلة ملكيتها باسم الاستاذ والموضوعة تحت سلطة حكام دويلة الضاحية الجنوبية.
هل ستشارك "14 آذار" في هكذا حوار "تركيعي" وتنضم إلى الثلاثي لتسلم وتستسلم? حتى الآن كل بيانات وتصاريح نوابها وقيادييها هي رافضة للدعوة ومصرة على حصر الحوار في بند واحد هو سلاح »حزب الله«. نأمل أن تتمسك »14 آذار« بقوة بهذا الموقف وأن لا تتراجع عنه تحت أي ظرف ومهما كانت الضغوطات. كما نطالب بأن لا تقبل بعد الآن أن يُستعمل عنوان "الستراتيجية الدفاعية" في أي حوار لأنه كلام حق يراد به باطل. الستراتيجية الدفاعية هي مسؤولية الدولة ومؤسساتها حصرياً ولا يحق ل¯»حزب الله« الإيراني أو لغيره من مرتزقة سورية فرض معتقداتهم المذهبية والهرطقية على لبنان واللبنانيين.
كما أن الحوار يجب أن يكون وفقط على كيفية تسليم »حزب الله« وباقي جماعات سورية وإيران في لبنان سلاحهم للدولة وتفكيك دويلاتهم ومربعاتهم الأمنية. كما يجب إنهاء مهزلة الدويلات الفلسطينية والسورية, بما فيها المخيمات كافة وبسط سلطة الدولة اللبنانية عليها بالكامل وتجريدها من السلاح عملاً ببنود القرارين الدوليين 1550 و1701.
الخلاصة إن »حزب الله« ورغم الانتفاخ الكياني الوهمي المصاب به, ورغم ما يعانيه من زهوِ صبياني واستكبار مرضي ونرجيسية فاقعة, فهو يسير بسرعة كبيرة جداً نحو الهاوية والانكسار تماماً كالمصير الأسود الذي ينتظر النظام السوري القمعي والاجرامي. يوم تأتي هذه الساعة, ساعة الخلاص, وهي لا بد آتية, ستشرق شمس الحرية مجدداً على لبنان وتعود الطمأنينة ومعها السلام والاستقرار إلى ربوعه وتنتهي حالة المحل التي يعاني منها بسبب هيمنة الدويلة وتدخلات الشقيقة الشقية وكفر طاقم حكامه والمسؤولين واستزلام معظم سياسييه لجهات غريبة, وإن غداً لناظره قريب. 

السابق
عن التجارة الآذارية في الثورات العربية
التالي
سورية . .الإصلاح في مواجهة الإرهاب