من مارينا ضبيّه حتى المطار! “التشفيط” أو أبطال…الدواليب

 "الأوتوستراد"، "المارينا"، "طريق المطار"،"بين الأحياء"،… تتعدد الأمكنة والعناوين التي يلجأ إليها الشباب، إلّا أنّ حماستهم لـ"التشفيط" واحدة. منهم من يعتبرها مجرّد هواية فيتعامل معها على نحو عفوي غير مبالٍ بمخاطرها، آخرون يجدون فيها فوائد لا تقلّ أهمية عن بقية الرياضات، إلّا أنّ فئة ثالثة تعتبرها "فشّة خلق" وفرصة لتأكيد الذات. أيّا تكن الأسباب التي تقف وراء الاستعراضات التي ينفّذونها، يشكّل "التشفيط" هوسا يلازم الشباب في مختلف الفصول.

السيارة جزء من هويّة صاحبها

طوال فترة مراهقته شكّلت "سيارة الحلم"، الهاجس الأكبر الذي يعيش رواد همّام (22 عاما) لتحقيقه، لذا لم يوفّر أيّ فرصة عمل كي يدّخر المال: "فكرة اقتناء سيارة لمبارزة الشباب طاردتني قبل حصولي على دفتر سوق، بذلت كلّ ما في وسعي من أجل الحصول عليها".

نظرا إلى ولعه بالسرعة، حاول رواد قيادة الدرّاجات النارية بداية، إلّا أنه لم يختبر لذّة "التشفيط" بعينها التي حدّثه عنها رفاقه، "ما إن سمحت ظروفي المادية، اشتريت سيارة، ومن اليوم الأوّل أجريت عليها التعديلات الضرورية لتتناسب مع سيارات السباق". أكثر ما يزعج رواد أنّ هذه الهواية مكلفة، "بصرف النظر عن التعديلات التي يمكن إجراؤها، مثل تكبير محرّك السيارة، شراء مقعد خاص ضدّ الحريق… يحتاج المرء إلى نوع خاص من البنزين الملغوم المبرّد والذي يتجاوز سعر ألصفيحه منه 70 دولارا".

ما يزيد تعلّق رواد بـ"التشفيط" الشهرة التي يلقاها المتسابق بعد تأديته استعراض ما: "غالبا ما ننجح في لفت الأنظار إلينا خلال الاستعراضات التي نقوم بها، لا سيّما على المارينا، حين يقف مئات المتفرّجين يلتقطون لنا الصور". وبشيء لا يخلو من الحماسة يضيف: "سرعان ما تصبح السيارة جزءا من هوية صاحبها، إلى حدّ قد يتعرّفون إليه لمجرّد لمحها".

أبعد من هواية… فشّة خلق

على رغم تعرّضه لحادثي سير كادا يفقدانه حياته، وبعد إصابته بحادث ثالث منذ أقلّ من أسبوعين، لا يزال "التشفيط" الهواية الأحبّ إلى قلب إيلي بو عيسى (24 عاما). "لا شكّ في أنّني صرت ملوّعا من هذه الهواية، إلّا أنّني أجدها فشّة خلق ومتنفّسا مُهمّا للتحرّر من قيود الحياة ومتاعبها، لذا غالبا ما أصرف النظر عن سيّئاتها".

لا ينكر إيلي أنّ هذه الهواية غالبا ما تسبّب الإزعاج للآخرين: "كثر من اللبنانيين لا يتقبّلون "التشفيط"، لا سيّما حين يعمد أحد الشباب إلى ممارستها بين الأحياء السكنية، غالبا ما يلاقونه برصاصات عشوائيّة".

في هذا السياق يطالب إيلي بتأمين طرقات لهواة التشفيط، مزوّدة مدرّجات آمنة تسمح للمتفرّجين بمتابعة الاستعراض".

نتواعد… على "التشفيط"

تعرّف نعمة محفوظ (20 عاما) باكرا إلى عالم السرعة "منذ أن كنت في الصف الثامن أساسي أستعير سيّارة خالي المعروفة بسرعتها، فاعتدت على القيادة الجنونية، ومع الوقت تعرفت إلى زمرة من الشباب الذين يتواعدون من أجل "التشفيط".

وفي ضوء تمرّسه ومتابعته لبطولات خاصة بسباقات السرعة، تعرّف نعمة إلى مهارات التشفيط: "لا يكفي أن يحبّ المرء السرعة كي ينجح في التشفيط، لا بدّ أن يتقن فنّ القيادة بخفّة إلى جانب معرفته التحكّم بالسيارة والسيطرة عليها، لا سيّما على المنعطفات، حيث تتمّ قيادتها في العرض". ويضيف: "مهما كان السائق بارعا لا يمكنه النجاح ما لم يكن مايسترو بارعا يدرك استعمال مقوده لتوجيه إطارات سيارته مع الفرامل ودوّاسة الديبرياج".

في هذا الإطار يلفت نعمة إلى مجموعة من الأحاسيس تغمر الشباب وهم يتبارزون، "يشعر المرء وكأنه في موقع قرار وسلطة، يبسط نفوذه على مقود سيارته متحكّما بتناغم إطاراته، فترتفع معنوياته ويجد نفسه محاطا بتقدير الناس وإعجابهم به".

من أسراره…

من جهته، يجد جوليان (25 عاما) في التشفيط وسيلة لتأكيد الذات والتباهي أمام المعجبات، "أجمل فنون التشفيط هو ذاك الذي نمارسه في ساعات الليل المتأخّرة، بعدما نكون زوّدنا الإطارات الخلفية للسيارة بعبوة حديدية مليئة بالزيت، بعد ثقبها، ممّا يسرّع من عملية التشفيط".

نظرا إلى إقبال الشباب على التشفيط، يجد جوليان أنه لم يعد من مفرّ لتنظيم حلبات خاصة ودائمة للهواة، "غالبا ما نلجأ إلى الأوتوسترادات العامّة وإلى مطار القليعات سابقا، إلّا أنّ العملية محفوفة بالمخاطر".

من جهته نبّه بطل الشرق الأوسط لسباقات السرعة عبدو فغالي في حديث إلى"الجمهورية"، من خطورة ما ينفّذه الشباب على الطرقات العامة والأوتوسترادات قائلا: "لا أنكر أنّني كنت من الذين يحبّون الاستعراضات والسرعة، وعندما امتلكت أوّل سيارة "بي أم" في التسعينات لم أتردد في ممارسة التشفيط، في ظلّ غياب أيّ قوانين سير وضوابط رادعة، ولحسن الحظ لم أتعرّض إلى حادث يذكَر، لكن هذا لا يعني ن "الجرة بتسلم في كل مرة".

تفهم فغالي ولع الشباب بفن الإنجراف في السيارة، لذا يسهم على الدوام في تنظيم حدث "ريد بُل كار بارك دريفت" الذي أصبح مسابقة إقليمية بعدما كانت محلية، والتي تجمع هواة هذه الرياضة مع مراعاة لكامل معايير السلامة العامة، فيوضح: "أردنا إعطاء البديل للشباب عن الاستعراض وسط الطرقات العامة والاتوسترادات، عوضا من التشفيط عشوائيا والتسبب بحوادث سير".

في هذا الاطار يلفت فغالي إلى ضرورة تعرف السائق الى مهارات القيادة والانحراف: "لا بدّ من إجراء بعض التعديلات على السيارة لتتناسب مع متطلبات السباق كتحويل فرامل اليد إلى هيدروليك، ممّا يساعد السيارة على ان تتألق في العرض، ولكن يبقى أنّ مهارات التحكم بالمقود ومعرفة الدوس على البنزين أساس النجاح".

في وقت يستحوذ "التشفيط" على اهتمام الشباب، ويضع حياتهم على كفّ عفريت، ألا تستحقّ هذه الرياضة إخراجها من المساعي التنظيمية الخاصة وإحاطتها بالاهتمام على أرفع المستويات الرسمية؟
 

السابق
“تداعيات” إيقاعات الجسد في ساحة الشهداء نقطة لقاء تجمع تلامذة لبنان باختلافاتهم
التالي
حلّ بلدية روما لعدم احترامها الكوتا النسائية